الأجور شكل محور لقيمة وسعر قوة العمل. ففي خلاف النظامين العبودي والإقطاعي حيث كانت علاقات الاستغلال واضحة، يبدو الأجر وكأنه مقابل عن العمل كله، عن الجهد كله، ويطمس كافة آثار تقسيم يوم العمل الى عمل ضروري وإضافي، الى مدفوع وغير مدفوع، وهو بالتالي ستار ملائم لاخفاء الاستغلال، لاخفاء فائض القيمة.

وينجم هذا التصور عن أن العامل يحصل على الأجر فقط بعد أن يعمل لفترة معينة. ويزداد مقدار أجره بازدياد الوقت الذي قضاه في العمل أو بازدياد ما ينجزه من منتجات. ومن هذا التصور بالذات ينطلق الاقتصاديون البرجوازيون عند تناولهم جوهر الأجور. وعلى ذلك فهم يعتبرون العمل سلعة، والأجر سعرا للعمل.

ولابد من التنبيه هنا الى أن العمل في الحقيقة لا يعتبر سلعة، وبالتالي لا يمكن أن تكون له قيمة. فالعمل هو عملية استهلاك لقوة العمل. والسلعة التي يبيعها العمال ليست العمل بل هي قوة العمل، أي قدرة الإنسان على العمل. وقيمة قوة العمل معبرا عنها بالنقود هي سعر قوة العمل    

تظهر الأجور في ظل الرأسمالية بأشكال مختلفة، ولكن أهم شكلين هما : الأجر حسب الوقت والأجر حسب القطعة.

- الأجر حسب الوقت هو عبارة عن شكل يتوقف أجر العامل في ظله على الوقت الذي يقضيه في العمل ( بالساعة أو الأسبوع أو الشهر). عندئذ يبدو كأن الرأسمالي يدفع مقابلا لكل الوقت الذي يمكثه العامل، بينما الرأسمالي في واقع الأمر لا يدفع مقابلا إلا لجزء من وقت العمل.

لنأخذ مثالا لتبسيط هذا الشكل من الاجور. فمثلا اذا كان عامل ما يتقاضى 40 دولارا مقابل 8 ساعات من العمل في اليوم، عندها يكون ثمن الساعة الواحدة 5 دولارات. ويكون الرأسمالي على حق من الناحية القانونية اذا مادفع للعامل 5 دولارات مقابل ساعة من العمل. ولكن اذا كان الراسمالي لا يشغل عماله نتيجة ركود في اعماله، إلا ست ساعات فانه لا يدفع وفق طريقة الحساب هذه الا 30 دولارا (5 ×6)، ويبدو ذلك امرا طبيعيا. لكن العامل في هذه الحالة لا يتلقى إلا قدرا لا يكفي لتجديد قواه، ولا يصبح في امكانه سد جوعه ولا تغذية عائلته، ولا توفير الملبس لهم.   

وفي فترات الازمة وما يترتب عليها من بطالة عامة وواسعة يضطر العمال الى العمل نصف الاسبوع وليس كله، وهذا يحرمهم من الكثير من الاشياء الضرورية. ومع ذلك يعلن الرأسماليون أنهم يدفعون للعمال ما يقومون به من عمل، ولكن هذا الإعلان زائف، إذ أن الاجر لا يمثل اكثر من قيمة قوة العمل، بينما يترك دائما في قبضة الرأسمالي قدرا معينا من فائض القيمة.

- الأجر حسب القطعة ( حسب الإنتاج). ليس الاجر حسب القطعة الا اشتقاقا من الشكل الاول- الأجر حسب الوقت.

فمثلا لو كان عاملا ما ينتج 16 قطعة من سلعة معينة خلال ثمانية ساعات عمل، واذا كان أجره 40 دولار في اليوم فان كل منديل ينتجه يمثل 2.5 دولار من الاجر. ولكن الرأسمالي لا يدفع للعامل 2.5 دولار مقابل كل قطعة ينتجها، بدلا من ان يدفع للعامل 2.5 دولار مقابل كل ساعة. وبالتالي فان ظروف الاجر حسب يوم العمل هي التي تحدد ظروف الاجر حسب القطعة.

إنه شكل تتوقف في ظله جملة أجر العامل على كمية المنتجات التي يتم إنجازها في فترة زمنية معينة. ووحدة الأجر حسب الإنتاج هي التسعيرة التي يقررها الرأسمالي لوحدة المنتجات. ويتخذ الأجر اليومي للعامل أساسا لتحديد تسعيرة الأجر عن القطعة الواحدة من المنتجات. والأجر حسب الإنتاج هو شكل أكثر إخفاء للاستغلال الرأسمالي. فإذا كان الأجر حسب الوقت يخلق وهما بأن وقت العمل كله يدفع عنه مقابل، فإن الأجر حسب الإنتاج يوهم بأن العامل يتقاضى أجرا عن كل وحدة من منتجات عمله.

إن هذا الشكل من الأجر يتيح للرأسمالي عدة ميزات من بينها:

نظرا لاعتماد الأجر حسب القطعة فان الرأسمالي، في هذه الحالة، يصر على ان تكون المنتجات على مستوى راق من الجودة، وهذا يمكن الرأسمالي في حالة وجود عيوب في السلع المنتجة ان يؤسس نظاما من الخصم والغرامات عادة ما يكون مجزيا له.

يسمح هذا الشكل للرأسمالي بالتقدير الدقيق لما يستطيع العامل الماهر أن ينتجه، مما يتيح للرأسماليين التخلص من العمال غير الماهرين.

يمكّن هذا الشكل من الاجور الرأسمالي من توفير نفقات المراقبة إذ أن هذه تتم تلقائيا.

بموجب هذا الشكل يحاول العامل الذي يتقاضى أجره حسب القطعة إنتاج أكبر عدد ممكن من القطع فيزيد بذلك من كثافة عمله، ويطيل يوم عمله. 

وإضافة الى هذين الشكلين الأساسيين، وارتباطا بالتطورات في مستوى التكنيك والتكنولوجيا المستخدم، يلاحظ ظهور أشكال تكميلية أخرى من بينها الأجر التصاعدي حسب القطعة ( التايلورية) ونظام الحوافز.

وفي مسعاها الدائم لتحسين أوضاعها المعاشية تناضل الطبقة العاملة للمطالبة برفع الأجور التي تقاوم عادة من قبل الرأسماليين لأنها تقلل من الأرباح التي يحصلون عليها. لهذا تلجأ الطبقة العاملة الى وسائل عديدة، بما في ذلك سلاح الإضراب، للضغط على الرأسماليين لزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل. وتخوض الطبقة العاملة معارك طبقية ضارية ولا تكتفي بطرح الشعارات الإقتصادية (كالأجور مثلا)، بل ترفع أكثر فأكثر شعارات ومطالب سياسية، وبذلك تتحول العديد من الحركات الإضرابية الى صراع سياسي صارخ.

عرض مقالات: