اتسم تاريخ الدولة العراقية المعاصر، منذ نشأتها بمساعدة بريطانية، بهيمنة الأنظمة الإرهابية على سلطاتها السياسية، فيما خاضت الأحزاب الوطنية كفاحاً عنيداً من أجل انبثاق سلطة وطنية من شرعية ديمقراطية، تعتمد تداولاً سلمياً للسلطة.

ولعدم إعتماد الديمقراطية أساساً للبنية السياسية للدولة العراقية، أسباب كثيرة، خارجية وداخلية، حيث لم يكن نشوء الدولة العراقية ثمرة للنزاعات الطبقية، الامر الذي مكّن الفئات الفرعية، وبمساعدة خارجية، من الهيمنة على أجهزة الدولة السيادية. كما أدت رغبة الكولونيالية البريطانية في ابعاد العراق عن منافسة الدول الرأسمالية، الى إعتماد الدولة العراقية الوليدة على أجهزة أمنية معادية للروح الوطنية، المتمثلة في الميول الوطنية التي نمت في المؤسسة العسكرية، وفي الأحزاب الوطنية، المطالبة بالاستقلال الوطني والديمقراطية السياسية، و في الفكر اليساري الديمقراطي المناهض للهيمنة الكولونيالية، والذي شهد نمواً كبيراً في البلاد.

ولهذا إعتمدت الفئات الحاكمة، سياسة ديكتاتورية مناهضة لتطلعات الطبقات المنتجة، في الاستقلال الوطني والديمقراطية، وإنتهجت سياسة إقصاء وإرهاب ضد القوى الوطنية والديمقراطية الضامنة لاستقرار البلد وتطور مسيرته الاجتماعية. الا أن هذه السمات قد تبدلت، بعد انهيار نظام الحزب الواحد ونشوء بنية سياسية جديدة اتسمت بمشاركة العامل الدولي – الإقليمي في تشكيل وتطور سلطة العراق الوطنية.

واستناداً الى ذلك لابد من تأشير دور العامل الخارجي في نشوء كلا الحقبتين التاريخيتين من تطور الدولة العراقية والتي اجدها في:

  • تشترك الحقبتان التاريخيتان بفاعلية العامل الخارجي في تشكيل سلطات الدولة العراقية، ففي مرحلة نشوء الدولة العراقية ساهمت الكولونيالية البريطانية في بناء سلطات الدولة السياسية ومؤسساتها الادارية وفي المرحلة الثانية، عملت الامبريالية الامريكية وإيران الإسلامية على التدخل العسكري واسقاط النظام الديكتاتوري عاملة على إعادة بناء سلطة الدولة الطائفية.
  • تميز بناء الدولة العراقية الوليدة بعد الاحتلال العسكري الأمريكي بسمات جديدة، من أهمها إعادة بناء الشرعية الوطنية للحكم استناداً الى الشرعية الانتخابية، وهيمنة أحزاب الإسلام السياسي على سلطات الدولة السياسية، وتقاسم الأحزاب الطائفية – القومية لسلطة البلاد السياسية.
  • تم تقاسم سلطة البلاد الوطنية بين ثلاث كتل طائفية – قومية متجسدة بقيادة المكون الشيعي لسلطة البلاد السياسية وحصر رئاسة برلمان الدولة العراقية بالأحزاب السنية وتمتع إقليم كردستان العراق بحقوق جمهورية اتحادية.
  • عرضت هذه المساومة الطائفية – العرقية، الدولة العراقية ونظامها السياسي الى أزمات سياسية غير محسوبة النتائج، منها النزاعات السياسية المنبثقة من اختلال موازين القوى بين أطراف المحاصصة الطائفية – العرقية، ومخاطر انتقالها الى صراعات مسلحة بسبب حيازة الأحزاب الطائفية للمليشيات المسلحة، وهو ما يهدد بصراعات اهلية وتدخلات أجنبية إقليمية منها ودولية.

ان إرساء سلطة البلاد الوطنية على اسس الشرعية الديمقراطية وابعاد البلاد عن التدخلات الأجنبية بات ضرورة وطنية تبررها ازمة المساومة الطائفية – القومية، وذلك عبر:

  1. الانتقال من الشرعية الانتخابية المرتكزة على المساومة الطائفية – العرقية الى الشرعية الديمقراطية، المستندة الى برامج انتخابية هادفة الى صيانة الدولة الوطنية من التبعية والتهميش.
  2. تطوير الحوار الوطني بين الكتل السياسية وتجنب الصراعات العسكرية بين الفصائل الحزبية المسلحة، بعيدا عن لغة التخوين والاستقواء بالمليشيات المسلحة.
  3. التخلي عن البرامج المثالية والانتقال الى الواقعية السياسية المتمثلة ببناء عراق ديمقراطي مناهض للهيمنة الأجنبية.
  4. إقامة علاقات دولية – إقليمية تستند على عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة العراق الوطنية.
  5. مناهضة الميول التخريبية للعولمة الرأسمالية المتسمة بالتبعية والالحاق وتقرير مصائر الدول الوطنية بعيدا عن مصالحها الوطنية.

أخيرا لابد من القول ان مستقبل تطور الدولة العراقية وتوازن مصالح طبقات تشكيلتها الاجتماعية تقع مسؤوليته على عاتق أحزاب قوى شعبنا الوطنية، العلمانية منها والإسلامية.

عرض مقالات: