لاحظنا في الفصل الثاني من (البيان الشيوعي) كيف يجادل ماركس بأنه لا ينبغي على الشيوعيين إنشاء «أحزاب منفصلة تعارض أحزاب الطبقة العاملة الأخرى». لكننا نجده في الفصل الثالث الذي حمل عنوان (الأدب الاشتراكي والشيوعي)، وهو يسخر- بمشاركة انجلز هذه المرة- من المعارضين الراديكاليين، واصفاً إياهم بـ «الرجعيين» و«المحافظين» و«الإقطاعيين» وحتى «البرجوازيين».

ما الذي يجري هنا؟ ألا يبدو هذا بمثابة وضع “مبادئ خاصة بهم” ومعارضة مباشرة لأحزاب الطبقة العاملة الأخرى أو التيارات السياسية؟ الجواب كلا حسب ماركس وإنجلز. لأنهما، ببساطة، لا يعتبران خصومهم جزءا من حركة الطبقة العاملة، بل يمثلون آيديولوجيات الطبقات الأخرى التي تحاول التأثير على العمال.

من السهل جدا فهم ذلك. لننتبه الى اننا نتحدث عن أربعينيات القرن الثامن عشر حيث بدأت الطبقتان المتنافستان، البرجوازية الصاعدة والأرستقراطية الإقطاعية المتراجعة، باستجداء تعاطف العمال معها ضمن سياسة “عدو عدوي صديقي”:

«وقد لوح الارستقراطيون براية فاعلي الخير من أجل البروليتاريا واتخذوها علما لهم كي يقودوا الشعب وراءهم. ولكن ما أن تراكض الشعب نحوهم حتى رأى الشعارات الاقطاعية القديمة تزين مؤخرتهم، فتولى عنهم وهو يقهقه قهقهة السخر والاستخفاف».

هناك أيضا اتجاهات تنشأ من داخل الطبقات التي هي نفسها ضحايا الرأسمالية، مثل صغار المزارعين أو أصحاب الأعمال الصغيرة. يمنحهم ماركس وإنجلز الفضل في انتقاد جوانب الرأسمالية عن حق مثل «بؤس البروليتاريا، والفوضى في الإنتاج، ... والحرب الصناعية المبيدة المهلكة بين الأمم». لكنهم، مثل برودون، يريدون العودة إلى اقتصاد ما قبل الرأسمالية، بدلاً من التطلع إلى ثورة الطبقة العاملة. يؤكد ماركس وإنجلز أن هؤلاء النقاد «يريدون بقاء المجتمع الحالي، ولكن مطهرا من العناصر التي تغيره ثوريا وتنخره وتحله. إنهم يريدون البرجوازية، ولكن بدون بروليتاريا».

برأي ماركس وإنجلز، لا يمكن أن تكون هناك مساومة مع هذه الأفكار. إنها ليست آراء خاطئة نشأت من داخل واقع الطبقة العاملة ونضالها. إنها أفكار غريبة، نشأت من خارج الطبقة العاملة.

يثني (البيان) على اتجاه فكري مرتبط بالشيوعيين الطوباويين مثل الكونت سانت سيمون وتشارلز فورييه وروبرت أوين. فبينما رفض هؤلاء المفكرون الثورة، إلا أنهم لم يرغبوا في التراجع إلى الانماط الاقتصادية السابقة. بدلاً من ذلك، كانوا يهدفون إلى إقامة يوتوبيا شيوعية قائمة على المساواة الكاملة - في حالة فورييه، بما في ذلك المساواة القصوى بين الجنسين. ينتقد ماركس وإنجلز مخططاتهم، لكنهما يجادلان بأنه يمكن تعلم الكثير من رؤيتهم الراديكالية للمستقبل، مثل:

«محو التضاد بين المدينة والريف، والعائلة، والربح الخاص والعمل المأجور، وإعلان الانسجام والتناسق الاجتماعي، وتحويل وظائف الدولة إلى مجرد الإشراف على الإنتاج».

موقف الشيوعيين من مختلف أحزاب المعارضة

اختتم ماركس ، الذي أنهى الجزء الأخير من (البيان) عندما كان إنجلز في باريس، بإدراج الحركات التي يعتبرها الحلفاء الطبيعيين للشيوعيين، مع تذكيرنا بأن الشيوعيين «لا يتوقفون، ولو للحظة واحدة، عن ايقاظ شعور واضح وادراك صريح لدى العمال عن التناحر العنيف القائم بين البرجوازية والبروليتاريا».

« والخلاصة ان الشيوعيين يؤيدون في كل قطر من الأقطار كل حركة ثورية ضد النظام الاجتماعي والسياسي القائم. وفي كل هذه الحركات يضعون في المقدمة مسألة الملكية باعتبار انها المسالة الأساسية في الحركة، مهما كانت الدرجة التي بلغتها هذه المسألة في تطورها. وأخيرا، يعمل الشيوعيون، في جميع الأقطار، من أجل اتحاد واتفاق الأحزاب الديمقراطية».

مرة أخرى، يؤكد ماركس على الخطوة المزدوجة التي استعرضناها في الفصل الثاني: الاتحاد مع أوسع حركة ممكنة للنضال من أجل الديمقراطية والإصلاحات الملموسة، مع إعداد العمال في الوقت نفسه للنضال من أجل تحررهم والإلغاء الكامل للملكية الخاصة والرأسمالية.

في (البيان الشيوعي) يحرق ماركس كل الجسور مع ماضيه الأكاديمي، لينهي مع انجلز (البيان) بالقول:

«فالشيوعيون يرفضون إخفاء آرائهم وأهدافهم. ويعلنون صراحة أنه لا يمكن تحقيق غاياتهم إلا من خلال الإطاحة بالقوة بجميع الظروف الاجتماعية القائمة. لترتعد الطبقات الحاكمة من الثورة الشيوعية. فليس للبروليتاريا ما تخسره سوى قيودها، وتربح عالما بأسره. يا عمال العالم ، اتحدوا!».

عرض مقالات: