«ليس بمقدور شعب أو عرق أن يحتكر القوة والجمال والذكاء، فثمة موعد للجميع في عيد النصر»، عبارة قالها إيمي سيزار (1913 – 2008)، وأكثر إدوارد سعيد من الاستشهاد بها، على ما يشير الباحث والمترجم المغربي محمد الجرطي في تقديمه لترجمته لكتاب «إيف كلفارون»

(إدوارد سعيد – الانتفاضة الثقافية).

ولا يبدو باعثاً على الاستغراب أن يستشهد سعيد بعبارة لإيمي سيزار، ففي سيرته الشخصية والثقافية أوجه تشابه مع سيرة سعيد، فسيزار شاعر وكاتب ولد في المارتينيك، وكما هاجر سعيد إلى الولايات المتحدة انتقل سيزار للعيش في فرنسا، ويعد سيزار أحد أبرز وجوه تيار«الزنجية» في الشعر الفرنكوفوني، ورمزاً للحركة المناهضة للاستعمار، حيث أدرك باكراً ما يتعرض له سكان الجزر الفرنسية والأفارقة من تهميش، فكرس حياته وفكره للدفاع عنهم، ساعياً لتبديد الفكرة النمطية عن المواطن الأسود غير القادر على الأخذ بزمام أموره بنفسه، وبناء مستقبله.

لكن من تأثر إدوارد سعيد بفكره أكثر، هو ابن المارتينيك أيضاً، فرانز فانون مؤلف «بشرة سوداء أقنعة بيضاء»، وهو في الأصل طبيب نفساني عمل طبيباً عسكرياً في الجزائر في فترة الاستعمار الفرنسي، ثم انخرط في صفوف الثورة الجزائرية. ورغم أن فانون لم يعش طويلاً، على خلاف مواطنه إيمي سيزار، حيث توفي عن 36 عاماً، إلا أنه ترك منجزاً فكرياً مهماً، ويمكن القول إن لإدوارد سعيد فضلاً كبيراً في بعث الاهتمام بأعمال فانون، وإعادتها للواجهة ثانية هي التي راجت في منتصف القرن العشرين، كأعمال ملهمة لدعاة التحرر من الهيمنة الغربية، ومن النظرة الدونية لشعوب القارة الإفريقية.

القيمة المعرفية لمساهمات إدوارد سعيد وفرانز فانون، وكذلك إيمي سيزار، لا تنحصر في ما هي عليه من عمق فكري وفلسفي ونقدي، وإنما أيضاً في كون هذه المساهمات آتية من أفراد ينتمون لما كان يعد هامشاً، وفق رؤية من هم في المركز الغربي، حيث صار بوسع مثقفين، ليسوا غربيين أو أوروبيين، أن يعاكسوا الثقافة الغربية المتعالية في نظرتها لمن لا ينتمون إليها، حتى لو كانوا مفكرين ومبدعين، فأتى هؤلاء، ومن هم نظراء لهم، ليقولوا إن الثقافة والفكر ليسا نتاجين غربيين فقط، وإن بوسع الشعوب الأخرى تقديم نتاجات لا تقل ثراء.

قد يقول قائل إن هؤلاء قدموا ما قدموه لأنهم انتقلوا للعيش في الغرب، ولو بقوا في بلدانهم الأم ما كانوا أعطوا ما أعطوه من فكر، وربما جاز الاتفاق جزئياً مع هذا القول، لكن من دون إغفال حقيقة أن الغرب الذي انتقدوه، فكراً وممارسة، هو المسؤول عما هي عليه أحوال بلدانهم الأم من سوء وتخلف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

“الحوار المتمدن” – 3 كانون الثاني 2022

عرض مقالات: