إذ أن بعدها الزمني وبعدها المعنوي يحتم ذلك، فهي تقع ما بين المعاناة داخل الوطن وما بين المعاناة خارج الوطن، ما بين المعاناة في ظل حكم حزب البعث وما رافقه من أحداث مأساوية، سواء أكنت داخل العراق أو كنت خارجه، وما بين المعاناة بعد سقوط هذا الحكم بيد الاحتلال الأمريكي ومجيء بعض من كانوا معارضين لنظام صدام حسين، لم يكن سقوط  هذا النظام بفعل عمل ثوري مباشر قامت به المعارضة العراقية وإنما هذا السقوط حدث وكما هو معلوم نتيجة لتفاقم التناقضات بين النظام البعثي ومحيطه وبالتالي تحوله مصدر إزعاج الى حلفائه السابقين وداعميه في حربه مع إيران التي استمرت ثماني سنوات عجاف، وعند انتهاء الحرب العراقية الإيرانية أراد العراق أن يكو ن ممثلا لأمريكا في المنطقة تنفيذا لوعود قيل إن أمريكا كانت قد قطعتها له مقابل كبح جماح إيران، لكنه صد في طموحه هذا، وعادت أمريكا تعتمد على حلفائها السابقين لتمشية أمور المنطقة، فأغاظ ذلك صدام حسين فلعب هذا العامل وعوامل اقتصادية أخرى، في مقدمتها سوق النفط والتجارة الدولية، دورا هاما في قرار العراق ( قرار صدام حسين ) في احتلال  الكويت وبالتالي هزيمته المنكرة ومن ثم سقوطه المدوي على يد القوات الأمريكية وحلفائها التي اجتاحت العراق من الشمال الى الجنوب، وسبق هذا الاجتياح اتفاق مع بعض أقطاب المعارضة العراقية لنظام صدام عدا الحزب الشيوعي العراقي وحزب الدعوة الإسلامية، وهكذا جرت الأحداث، فتوجهت للسفر الى العراق بعد سقوط النظام البعثي للمشاركة في جهود الحزب للملمة تنظيماته، وكان الحزب مبادرا لبنائها مجددا، وعمل بكل ما بوسعه لاستيعاب الزخم الجماهيري، جرت الأحداث وتعاقبت إدارات الحكم إثر انتخابات عامة جرى الكثير من الحديث عنها سلبا وإيجابا ولكن كانت النتائج تضفي دائما الى الاختناقات والى المزيد من تدخل الآخرين في الشأن العراقي حتى قيل إن الرئاسات الثلاث صناعة غير عراقية! وهكذا، فيما يخصني دأبت على السفر الى العراق، ومشاركة أهلي أفراحهم وأحزانهم وفي الدنمارك شاركت مع رفاقي هنا في حملات التضامن مع شعبنا وفي نشاطات التضامن مع الشعوب في النشاطات الفنية والاجتماعية لشعبنا وللشعوب الأخرى، وفي عمليات الاحتجاج التي ينظمها الحزب الشيوعي العراقي والتيار الديمقراطي العراقي والوقفات الاحتجاجية قرب السفارة العراقية في كوبنهاكن، وكذلك المساهمة والاشتراك في فعاليات أفراح  وأحزان رفاقنا وأصدقاءنا  وهكذا تمر علينا  الأيام برتابتها، فهي لم ترتقي للشعب العراقي وقواه الوطنية الى مستوى تلك الأيام التي كنا فيها نواجه دكتاتورية سافرة في معاداتها للشعب العراقي وقواه الوطنية وخاصة في معاداتها لحزبنا الشيوعي العراقي وهنا أود التوقف عند مسألة الإضراب عن الطعام التي نفذها الرفاق الموقوفون في مديرية أمن البصرة، فقد نبهني الرفيق ناصر الثعالبي ابو هدى وهو من الرفاق الذين أضربوا عن الطعام الى مسألة مهمة  لم أتوقف عندها بشكل واضح فبدت الأمور وكأن عملية الإضراب جرت بطريقة غير مخطط لها من الحزب، والحقيقة هي إنها جرت وفق السياقات التنظيمية ووفق توجيهات الحزب وتوجهاته، حيث اجتمع الرفاق الموجودون في قاعة التوقيف رقم 1 بقيادة الرفيق عبودي مهدي عضو محلية اللجنة العمالية آنذاك الذي طرح عليهم فكرة الإضراب عن الطعام ونحن في القاعات الأخرى وكنا في القاعة الرابعة بلغنا بالقرار ونفذناه أيضا وهكذا استمر الإضراب بشعور عام لكل المساهمين به بأن قوة الحزب المادية والمعنوية مساندة وداعمة لهذا السفر النضالي المجيد وتحية لكل من ساهم فيه ولكل من وقف الى جانب من استمر بإضرابه الى نهايته الظافرة.