اليوم، 30 أيار 2018، توفى الدكتور صباح حسين العزاوي . رحل الرفيق ..وأي رفيق.. رفيق العمر والمناضل الصلب والمثقف الكفؤ الذي سخر كل معارفه وحياته لبغداد كمدير لدائرة التخطيط والتصميم في أمانة بغداد . أنعاك صديق الطفولة ونحن نلعب معآ في ازقة باب السيف ودرب الفوك، ولم نكن حينها قد تجاوزنا العقد الاول من عمرنا. وفي ذات يوم قررنا ان نتجاوز هذه المنطقة ونعبر الى باب المعظم وهناك أقسمنا عهدنا ونحن صغار امام كلية الهندسة أن نكون مهندسين، وكان قسمآ حققناه. وبعدها كانت انتخابات عام 1954 وكنا في الصف الاول المتوسط فدخلنا معترك الحياة السياسية من بابها الأكبر حيث كنا نكتب على الجدران شعارات الجبهة الوطنية: "انتخبوا مرشح الجبهة الوطنية الدكتور محمد الجلبي".. وملأنا بها منطقة الكرخ القديمة ولازالت هناك . ما عدا مكان واحد وهو موقف سيارات الحلة ومتعهده خليل لالو احد اهم أشقياء بغداد، الذي كان نوري السعيد يسخره للاعتداء على التقدميين . ولم نتمكن من كتابة شعار الجبهة الوطنية بوضح النهار. عندها اقترح صباح ان نكسر اضوية الدربونة وكان هو ماهر بالمصيادة ونكتب الشعارات على الدربونة وعلى معمل سكاير المختار المقابل الى مكتب خليل لالو . وفي الصباح كانت المفاجئة وطلب خليل من كل أطفال المنطقة ان يعرفوا الفاعلين.
واستمر النضال فكنا معآ في كل تجمع جماهيري ومظاهرات لاسقاط الحكومة .. وجاء النصر في 14 تموز وجاءت المكافأة الكبرى للمناضلين فذهبت انت في أول بعثة للدراسة في هنغاريا، أما أنا فقد ذهبت إلى إنكلترة، لندرس ذات المادة التي اخترناها لحياتنا ولخدمة المجتمع وهي العمارة.
أكملت انت دراستك ورجعت الى العراق في اسوأ ايام الطغيان عام 1966 ويومها حصلت على بعثة للدراسة في فرنسا وعدنا نلتقي معآ بمعدل كل ستة اشهر .. وكان عنفوان الحياة والشباب والثورة الطلابية، كنت أنا المنسق بين الطلاب الأجانب في فرنسا وإنكلترة ا فحينها كنت رئيس منظمة الطلبة الأجانب في إنكلترا ..كنا معآ في صلبها وفي عين البركان وهو المدينة الجامعية في باريس.
وأنهيت انت دراستك ونلت الدكتوراه في تخطيط المدن من اعلى جامعات فرنسا وكانت هي الوسيلة الكبرى التي يحقق المعمار الخدمة الاجتماعية وهي تخطيط المدن، وبعدها رجعت انت الى بغداد وتعينت كأول دكتوراه في تخطيط المدن في امانة بغداد، وكانت لك اول فرصة ان تخدم بغداد مع المعمار المخطط العالمي شبنسكي الذي سبق ان انتدبته ثوره تموز في حينها ليصمم مدينة بغداد . كنتم مختبر الأفكار والآراء والمعرفة لخير العراق.
اما أنا فقد ذهبت للتدريس في جامعة بغداد حتى عام 1979 حين بدأت الحملة الهمجية ضد التقدميين . والتي سميت بالسلامة الفكرية . وبدأ التحقيق معي وأدخلت غرف التحقيق في الجامعة ومن قبل زملائنا في التعليم ...وكنت انت اعلم بصلابتي. وذات يوم أخبرتك من الذي يقوم بالتحقيق معي وقد هددني بارسالي إلى الأمن وكان حينها يراجعك حول قطعة أرض خاصة بذوي الكفاءات ..هددته أنت وفي عنفوان الأضطهاد بقولك: لماذا موفق .. وما هو اختلافي انا عن موفق ..ولم لا تعمل نفس الشيء معي؟ ) حينها كفوا من ملاحقتي ونقلت خارج الجامعة.
وبدأ حلمنا الكبير ان نعمل معآ , فعملنا مع أساطين العمارة وبإدارتك في التصميم الاساسي لمدينة بغداد وكنت اداوم مساء ولساعات متأخرة إلى حين إنجاز العمل، وقد انجز ولكن غزو الكويت حال دون تنفيذ ذلك.
كنت معروفآ بشتمك الحكومة والمسؤولين جهارآ، فتربصوا بك، وقتلوا اعز من تحب: زوجتك. وكان هذا بمثابه انذار لك بالخروج من العراق. وكان خروجك من العراق ولاحقوك الى الاردن لتصفيتك .. وحينها اخترت الهجرة إلى كندا.
بعد 2003 رشحك البنك الدولي لتكون مسؤولاً عن التصميم الاساسي لبغداد ووقف ضدك المرتشون في أمانة بغداد وحالوا دون ذلك. وبعدها جئت بالمعمار يمادا الياباني ليكمل التصميم الأساسي بدون مقابل، ورفضت امانة بغداد ذلك بحضوري ..
اي مسيرة نضال ومعرفة هذه.. لذلك يا ابو جميلة أنعاك وأواسي نفسي والعراق برحيلك فانت انسان لن يتكرر في النضال والعطاء والإخلاص.
أنعاك واودعك اخآ ورفيقآ مناضلآ بطلآ.

عرض مقالات: