اليوم نقول وداعا لمن قدم الكثير فأستحق الوفاء للمناضل والكاتب جاسم المطير، وأستذكر يوم حضوري جلسة تكريمه في هولندا في 7 سبتمبر 2013م، بمبادرة من البيت العراقي في لاهاي الهولندية، ضمن نشاطات البيت في "أيام ثقافية هولندية- عراقية" كونه رائدا من رواد الحركة الثورية والثقافية العراقية، وبحضور ممثلي السفارة العراقية ونخبة من المثقفين والأكاديميين العراقيين من داخل وخارج هولندا.

حيث قدمت العديد من الشهادات والكلمات بحقه خلال الاحتفاء من قبل ممثلي البيت العراقي ورابطة بابل للكتاب والفنانين العراقيين، وعدد من الحضور مستذكرين عطاء جاسم المطير ومسيرته النضالية الحافلة بالعطاء والتضحيات، وفي مسيرة تخللها العديد من الانعطافات، فهو يعد من ذلك الجيل الذي أشاع الروح الوطنية الحقة في المجتمع العراقي وغرس شجرة الأمل، فضربت جذورها عميقاً في المجتمع والثقافة العراقية التي وصلت مداياتها في معظم مجالات الثقافة إلى العالم العربي والعالمي، لما حوته من مضامين إنسانية عميقة.

لهم جميعا الأحياء والأموات نقف وقفة تقدير، لعل يعود العراق معافى يوما ما ليتذكرهم كأعلام من ذهب، وكلنا ثقة ان الأجيال اللاحقة ستعرف هؤلاء المبدعين وتستفاد من خبرتهم وتثمن عطاءهم المجيد.

حفلت أمسية التكريم في حينها بالعديد من الفقرات، وفي إطار الاحتفال قام البروفسور جواد مطر الموسوي المستشار الثقافي في السفارة العراقية لدى هولندا بتقديم شهادات تكريم للمحتفى به من وزارة الثقافة العراقية بتوقيع وزير الثقافة، ومن وزارة التعليم العالي، وكذلك من الجمعية العراقية لدعم الثقافة بتوقيع رئيسها مفيد الجزائري، ومن اتحاد الأدباء والكتاب في العراق موقعة من أمينه العام الفقيد الشاعر الفريد سمعان. كما كرمته جامعة لوكسمبورغ بوسام أكاديمي، إضافة الى عدد من منظمات المجتمع المدني والتيار الديمقراطي العراقي والعديد من الجهات الرسمية والشعبية والشخصيات. فضلا عن هدايا تكريمية وباقات من الزهور ولوحات وأوسمة ومداليات مصحوبة بكلمات رقيقة أضفت على جو الاحتفال مزيدا من البهجة والحميمية.

وكانت الجلسة التكريمية للمنجز الثقافي والسياسي لجاسم المطير محورها بمساهمة مجموعة من المناضلين والمثقفين الذين عاصروه وكانوا من معارفه في ميادين مسيرته، ومنهم البروفيسور الفقيد كاظم حبيب، والاستاذ الدكتور تيسير الآلوسي والفنان سعدي الحديثي والأستاذ ضياء الشكرجي، والدكتور ذياب فهد، والفنان طالب غالي والفنان التشكيلي هادي الصكر.

كما تضمنت الأمسية قراءات شعرية لعدد من الشاعرات والشعراء العراقيين والهولنديين، بعدها تحدث الفقيد المحتفى به جاسم المطير شاكرا الجميع، ومعتبرا ان التكريم مبالغ فيه وانه "تكريم للجميع"، وعاهد على ان يستمر في عطائه ما بقي قادراً عليه. ووفى بتعده هذا، فهو كان متوقد الذهن ومعطاء حتى الرمق الأخير ملتصقا بأفكاره التي ناضل من أجلها.

وجاسم المطير من مواليد البصرة أيار 1934، دخل السجون العراقية في مختلف العهود، الملكية والبعثية، وكان آخرها في بداية التسعينات، بسبب مواقفه الوطنية ودفاعه عن الحرية. كتب القصة القصيرة في أول الخمسينات، وعمل في الصحافة الوطنية منذ عام 1952 حتى أحالته نقابة الصحفيين على التقاعد عام 1978. نشر أبحاثاً ودراسات في مختلف الصحف والمجلات العربية، وطبع له أكثر من عشرين كتاباً في السياسة والاقتصاد والأدب. ألف العديد من الروايات منها: رسائل حب خليجية ورواية زقاق الأقنان ورواية تأملات سجان ورواية عاشقان من بلاد الرافدين وهي أول رواية عن يهود العراق يكتبها روائي غير يهودي. كما كتب المسرحية في خمسينات القرن الماضي. ومن مؤلفاته أيضا، النفط والاحتكارات ودول الأوبك، الانفتاح الاقتصادي، انتخب رئيساً للبرلمان الثقافي العراقي في هولندا.

في يوم وداعك نقول، أنكَ أعطيت الكثير وتستحق الكثير، لك من الجميع الوفاء ولتظل ذكراك خالدة إلى الأبد ويبقى عطائك ذخرا للأجيال القادمة، ولترقد روحك بسلام.

عرض مقالات: