الأجهزة الأمنية

نفذت السياسة الأمنية في النظام السابق، أجهزة امنية متعددة، وساعدتها ونسقت وتعاونت معها، المؤسستين العسكرية والحزبية، من حرس جمهوري وحرس خاص بشكل رئيسي، وجيش نظامي وباقي أفرع القوات المسلحة والجيش الشعبي وفدائيو صدام، وبإسلوب لاقى رفضا سرياً(صامتا) من قبل الانسان العراقي العادي، ومعلناً من اولئك الذين تركوا العراق وعاشوا معارضة في خارجه. وإشتد الرفض مع التمادي الذي إتسمت به نشاطات هذه الأجهزة وخرقها الشنيع لأبسط حقوق الإنسان، وإفراطها في استخدام الشدة والقهر والاضطهاد، وبصور ملأت الذاكرة العراقية وشددت من مقت السلطة والدولة والنظام. ومن أبرز هذه الأجهزة، التي كان لها إستقلاليتها من جهة وخطط للتنسيق فيما بينها لتنفيذ مهامها المشتركة من جهة مكملة، نشير الى:

  1. جهاز الأمن الخاص.
  2. جهاز المخابرات.
  3. مديرية الأمن العامة.
  4. مديرية الإستخبارات العسكرية العامة.

جهاز الأمن الخاص

وشّكل من الأقرباء والموالين ومن المناطق المزكاة من قبل النظام، فأغلبهم من تكريت او سامراء وغير ذلك. وسعى النظام الى توسيع هيكليته وصلاحياته، ليكون في عدة اقسام وشعب، كدائرة المرافق الاقدم، الأمن، والمتابعة، ومراقبة الوزارات والسفارات، والاستخبارات، والاتصالات الخاصة، ودائرة اللجان الخاصة.

وترتبط بهذا الجهاز قوات الحرس الجمهوري والحرس الخاص، وكافة المواقع المعنية بالحمايات الخاصة. وتحددت مهامه الأساسية كالآتي:

  • الحماية المباشرة لرئيس الدولة وعائلته والقريبين منه.
  • حماية الشخصيات المهمة في الحزب والحكومة.

وكان أسم جهاز الأمن الخاص قد إتخذ أسماء متعددة، كجهاز حنين، ومكتب العلاقات، حيث اتخذ البعث في احدى اجتماعاته القيادية قرارا بأنشاء جهاز امني حزبي، واختير له، تجنبا لحساسية الناس من كلمة الأمن اسم ملطف هو مكتب العلاقات العامة، واختير الحزبي المتفرغ صدام حسين لقيادة هذا الجهاز باعتماد على خبرة سابقة له في لجنة التحقيق عام 1963 وجهاز حنين عام 1964..

جهاز المخابرات

كان الجهاز منظماً تنظيماً جيداً، وميزانيته عالية، وكفاءته تفوق باقي اجهزة المخابرات العربية، خاصة فيما يتعلق بجمع وتحليل المعلومات التي تهم الدولة، ومكافحة التجسس، حيث الشبكة الواسعة للأشخاص السريين من منتسبي الدوائر والمؤسسات الحكومية والسفارات والنقابات والأحزاب المعارضة داخل وخارج العراق، والتي تنفذ غالبية المهام الاستراتيجية، كالاغتيال بأمر مباشر من الرئيس شخصيا. وقد نفذت بالفعل الكثير من أعمال الاغتيال. فعلى مستوى الداخل، اشير الى ان بعضها شمل اعضاء كبار من حزب البعث، مثل عبد الكريم الشيخلي، ومعارضين له مثل فؤاد الركابي. وعلى مستوى الخارج، تمت تصفية معارضين كثيرين. وقد قاد صدام نفسه هذا الجهاز منذ البداية، ثم كلف به المقربين منه.

مديرية الأمن العامة

مديرية الأمن العامة، تشكيل قديم، بدأ بمستوى شعبة في مديرية الشرطة العامة ثم مديرية ومن بعدها مديرية عامة ارتبطت بوزير الداخلية، ثم عدل الارتباط في الثمانينات ليكون بسكرتير رئيس الجمهوية. اشتهرت في تعاملها مع المواطن العراقي على أساس الشك المسبق، والتوجه الى التخلص منه كأنسان مشكوك به، قبل تهيئة الأدلة والقرائن التي تثبت ذلك. تطورت المديرية وتضخمت، بقفزات ملموسة بعد 1968، وصارت لها معاونيات وشعب متعددة، حسب الاختصاصات التي تؤمن انسيابية عملها، وتقوم بتنفيذ المهام الرئيسية التالية: 

  1. مكافحة النشاط السياسي المعارض من خلال مراقبة أكبر شريحة ممكنة من المجتمع العراقي، ومتابعة الشخصيات العراقية المعروفة، والضباط المتقاعدين بالرتب المتقدمة، وزرع الوكلاء والمؤتمنين في جسم الحركات، والأحزاب التي تنشط في الداخل، والعزل الكامل للمواطن العراقي المشكوك بولائه، ومحاصرة تحركه بما يحول دون إمكانية اتصاله وتواصله مع الفئات المعارضة، ومن ثم تعميم العقوبة درجات على القريبين من الضحية بقصد الردع من ناحية، والعزل السياسي والاجتماعي من ناحية أخرى. كذلك إشاعة القلق والخوف في المجتمع، وبمستوى يدفع إلى الابتعاد عن مصدر الخطر المخيف، الذي يتمثل بالوقوف ضد الحكومة بالقول، أو بالفعل من ناحية، والتقرب من مصدر العقاب أي الحكومة تزلفاً وميلاً لتنفيذ أوامرها بدقة عالية من ناحية اخرى:
  2. فرض السيطرة الأمنية على الشارع العراقي بوسائل وأساليب بينها:
  • التحكم بوضع المواطن ومستقبله إذ يرتبط حاله الوظيفي والمادي ومستويات استقراره بمقدار ولائه للحكومة والحزب، وابتعاده عن الوقوف بالضد منهما، وفق قياسات يحددها الجهاز الأمني، ويتحكم بها من خلال الموافقة على التعيين والدراسة والايفاد.
  • نشر الوكلاء بين كل شرائح المجتمع العراقي ومؤسساته الحكومية والأكاديمية وغير الحكومية بطريقة تصل فيها المعلومة بسرعة عالية، ودقة معقولة، تجعل المواطن متوجساً في غالب الوقت، من عمل قد لا ترضاه الحكومة، وقول قد يجهر به لا ينسجم ومسيرتها، أو انتقاد يتطرق إليه يمكن أن يثلم هيبتها. 
  • الرد السريع والحاسم لأي تحرك.

جهاز الإستخبارات

هو جهاز يختص في متابعة القوات المسلحة، من خلال الموقف والانتماء، والعداء للحكومة. الا ان سلطة البعث اتخذت المسؤول السياسي الذي له الدور الاساسي في متابعة الضباط والجنود ودورهم في الوحدات العسكرية، واحيانا يكون مسؤولا حتى على الضباط الكبار، مهما كانت رتبته، ويتحدد ذلك من خلال مواقفهم وانتماءاتهم الحزبية وموالاتهم للحزب الحاكم.

من ملفات الأجهزة

سعى النظام واجهزته الأمنية الى متابعة عمل الحزب الشيوعي في الداخل والخارج ومن خلال عملائهم،  والاستفادة من المعلومة والخبر، وخاصة في كردستان حيث تتواجد احزاب المعارضة ومنها قواعد ونشاط انصاره الحزب الشيوعي العراقي. وقد وجدت من المهم توضيح بعض الوثائق التي اصدرتها هذه الأجهزة الأمنية ومعرفة كيف كان النظام الديكتاتوري يتعامل مع معارضيه.

من الوثائق العديدة التي توضح نشاط تلك الأجهزة الإرهابية، نشير الى:

وثيقة صادرة من أمن زاخو برقم  14456في 7/11/1982 ومعنونة إلى كافة المراكز والمفارز:

" أعلمتنا مديرية أمن الحكم الذاتي، أصدر الحزب الشيوعي العراقي العميل تعليمات إلى تنظيماته من العسكريين المتواجدين في المعسكرات والذين عادوا إلى الصف الوطني مؤخرًا، حثهم فيها القيام بأعمال الشغب داخل المعسكرات والتحرك على بقية الجنود لغرض كسبهم للحزب الشيوعي، وقد عادوا بتوجيه من قيادة الحزب الشيوعي العميل. ضرورة معرفتهم من قبل أجهزتنا الأمنية. يرجى اتخاذ ما يلزم وإعلامنا رجاء. ضابط أمــن زاخــو".

وثيقة برقم 14168 في 31/10/1982، معنونة من مديرية أمن محافظة دهوك، معاونية أمن زاخو:

" كتابكم المرقم 2520 في 15/10/1982. نتيجة التحقيق وجمع المعلومات تأيد لنا دخول معظم الكوادر الشيوعية الهاربة إلى داخل القطر وتواجدهم في المناطق الشمالية. كما تأكد لنا وجود حوار ومباحثات جارية بين الحزب الشيوعي وجماعة جلال الطالباني، إلا أن هذه المباحثات لم يسفر عنها أي شيء لحد الآن. ومن الطبيعي قيام حافظ الأسد بتحريض كل القوى المعادية للحزب والثورة في العراق للعمل سوية ضد قطرنا المناضل. كما تأيد لنا عدم مساعدة النظام الإيراني للحزب الشيوعي العراقي ووجود نوع من الخلافات بينهما. مما لا شك فيه ومن خلال ملاحظاتنا أن إمكانيات الشيوعيين من الناحية المادية والتسليحية أكثر بكثير من بقية الأحزاب المعادية. ويقوم في بعض الأحيان بمساعدة الاخرين بذلك. لم يتأيد لنا وجود تنسيق من الناحية الإعلامية بين الأحزاب المعادية حيث أن كل حزب يعبر عن آرائه وأعماله وإمكانياته على حدة. هناك علاقة تعاون وعمل بين الحزب الشيوعي العراقي (ل. م) والأحزاب الأخرى ضمن إطار الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود) إلا أن هذه العلاقة ليست بالمستوى المطلوب حيث تحدث خلافات بين فترة وأخرى بينها وخاصة في صفوف القواعد. توقيع رائد الأمن ضابط أمن زاخو".

وكتاب قيادة الفيلق الثاني (الأمن) السري والشخصي 2013 في 25/2/1986 وكتاب قق مش /28 أس السري والشخصي أ س /37/1288 في 28/2/1986. المبلغ إلينا بكتاب لمش 705 سري وشخصي في 2/3/1986.

توفرت لدينا المعلومات أدناه: أصدر المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي العميل معلومات إلى مسؤولي المحافظات جاء فيه: يجري الإستفادة من الرفاق وأصدقاء الحزب الشيوعي داخل الجيش الشعبي والأفواج الخفيفة لنقل المعلومات والرسائل من قبلهم إلى العناصر التي يحددها الحزب وبشكل خاص كبار السن. نرجو الإطلاع ومتابعة المعلومات واتخاذ ما يلزم بصددها وإعلامنا. الملازم (نمير انور حمدي ع/ أمر ف2 لمش 705).

 

وثيقة رقم 30 معنونة: رئاسة الجمهورية/ السكرتير ومديرية الأمن العامة ومديرية امن القضاء العدد/ش1/3360 مؤرخة 3/6/1988.

الى امن اربيل/ش1/معلومات

اعلمنا ضابط امن كويسنجق بموجب برقيته المرقمة 1345 في 2/6/1988 مايلي:

القي القبض على المجرمة عائشة من قبل امن اربيل وانها والدة المجرم محمد امين الحلاق امر مفرزة الحزب الشيوعي العميل ضمن قاطع كويسنجق، وان المعلومات المتوفرة لدينا عنها لها دور بارز في نشاط الحزب العميل في المنطقة وتترد الى منطقة السماقوديات على طول وهي حلقة وصل بين زمر التخريب والعناصر المتعاونة معهم في الداخل وتزويد المحافظات التالية (اربيل/السليمانية/بغداد) وتقوم بجمع مبالغ من المال وخاصة المخطوفين، حيث تأخذ مبلغ معين من ذويهم مقابل اطلاق سراحهم راجين العمل مع التقدير(نقيب الأمن مدير امن القضاء).

وفي الوثيقة رقم 33 من مديرية الأمن العامة مديرية امن محافظة اربيل.الى مديرية امن منطقة الحكم الذاتي/ق2/معلومـــات برقيتكم المرقمة9772 في 18/7/1988 ادناه الهوية الكاملة للمدعوة عائشة كُل وحسب طلبكم للتفضل بالاطلاع مع التقدير- عميد الأمن مدير امن محافظة اربيل

المعلومات

  • الاسم عائشة قادر يونس كوي الملقبة (عائشة كُل)
  • مواليد 1932 كويسنجق/ ربة بيت
  • محل السكن قضاء كويسنجق محلة بايزاغا
  • الديانة مسلمة / كردية واسم والدتها امنة محمود.

لقد حاول النظام ان يشق صفوق احزاب المعارضة بكل الاساليب، وجند لها الكثير، وارسل العديد من الرسائل التي تثير الأحزاب بعضها على بعض وهي رسائل مزورة وبختوم وتوقيع رفاق في قيادة الاحزاب هذه كالحزب الشيوعي أو الاتحاد الوطني. ففي وثيقة أمنية اخرى إلى مديرية أمن الحكم الذاتي العدد م78/17667 والمؤرخة في 9/6/1985 تحت سري للغاية/إلى مديرية الأمن العامة /م78 ورد:

" لغرض زيادة شقة الخلاف بين الحزب الشيوعي العراقي العميل وزمرة الإتحاد الوطني الكردستاني ومنعا لحصول تقارب بينهما فقد قامت مديرية أمن محافظة أربيل بتحرير رسالة داخلية موقعة بتوقيع مزور ومطابق جدًا لتوقيع عضو اللجنة المركزية المجرم يوسف حنا القس ومختومة بختم الحزب الشيوعي والذي سبق وأن تم تصنيعه من قبل مديرية الأمن العامة موجهة إلى أمر سرية كوي المتواجد في قاطع كويسنجق، تضمنت الإيعاز له بضرب عناصر الإتحاد الوطني وتم إيصالها إلى كادر الإتحاد كوسرت بواسطة أحد مصادرنا. وبعد مناقشة المصدر عن كيفية حصوله عليها أفهمهم بأنه حصل عليها عقب مقتل الكادر الشيوعي ناصح حمه أمين بواسطة ساكني الدار التي كان يختفي فيها. وعندما أصبحت المستمسكات بيد الإتحاد ثار غضبهم واتصلوا بمكتبهم السياسي ليبلغوه أن الوضع لم يعد يحتمل وأن الشيوعيين نواياهم سيئة ويعملون لضربهم، وأثناء ما كانت سرية الشيوعيين والتي هي سرية كوي المذكورة أعلاه تتجول في القاطع ومعهم معاون آمر السرية هدايت خضر إسماعيل يوم 5/6/1985 في ري ايلنجاغ كبير التابعة لناحية طقطق والتي يسكنها "المندس" الوارد اسمه في الرسالة الثانية فقد اصطدمت مع مفرزة تابعة للإتحاد يقودها أمر تيب /86/ غفور أحمد، واستمرت المصادمة من الساعة 17 حتى الساعة 24 وقد وردت معلومات مؤكدة عن مقتل أحد كوادر الحزب الشيوعي العميل ويدعى مام كاويس رشيد الصالحي وكان سابقًا آمر بتاليون ومعه شخصان أحدهما عربي القومية ولم تعرف خسائر الإتحاد بعد. وقد حاول ذوي القتيل مام كاويس جلب جثته إلى قرية ببيازدك لتشيعها ودفنها إلا أن مخربي الإتحاد منعوهم بشدة. وبهذا يكون الموقف قد تأزم بشكل حاد وتواردت معلومات عن قيام المجرم نوشيروان مصطفى بإرسال حوالي 80 مسلحًا إلى المنطقة كتعزيز للقوة وكذلك قيام الملبند الرابع بتهيئة حوالي 400 مسلح بإمرة ملا خضر وصلاح شينه لملاحقة الشيوعيين". يرجى الاطلاع .. مع التقدير. عميد الأمن /م. / . عن منطقة الحكم الذاتي. نسخة منه إلى/

(مديرية أمن محافظة أربيل/رسالتكم في 8/6/1985 للاستمرار بتصعيد الموقف وتأجيج الخلافات بين الطرفين مع تقديرنا واعتزازنا لهذه الجهود الموضوعية والدقيقة مع التقدير).

وجهت مديرية الأمن العامة على دوائرها في المحافظات كافة، بعد إعلان النظام للعفو العام، إستمارة جديدة تحمل عنوان (إستمارة خاصة بالحزب الشيوعي العراقي العميل)! لتوزيعها على من يسلم نفسه إلى السلطة "مستفيدًا" من قرارات العفو وتضمنت الأسئلة التالية:

  • من تعرف من الشيوعيين المسؤولين في المدينة وفي المدن الأخرى؟
  • أية محطة حزبية تعرف، وفي اية قرية أو مدينة تقع؟
  • من هم الذين نزلوا إلى داخل المدن للعمل السري، أوصافهم، أعمارهم التقديرية؟
  • هل تعرف أحدًا من المواطنين زار المواقع التخريبية "الأنصارية" في السابق، وهل قام بذلك لوحده أم مع عائلته؟
  • ماهي الطرق التي تتبادل الكوادر الحزبية المعلومات بواسطتها؟
  • كيف تجري اللقاءات بين الحزبيين، والوقت المفضل لها، النهار أو الليل؟
  • هل تقومون بعمل وثائق سرية؟
  • ما هي برأيكم أنشط مدينة، وأي مسؤول حزبي نشط؟

ولكني لا أعتقد إن هناك من ملأ نسخة من هذه الإستمارة!

 الأمن يتابع انعقاد المؤتمر الرابع للحزب

حاولت السلطة متابعة نشاطات الحزب الشيوعي العراقي وبالذات يوم عقد المؤتمر الوطني الرابع الذي اعلن فيها الحزب انه سيعقد خلال الفترة القادمة. قبل أن ينعقد المؤتمر الرابع للحزب (منتصف تشرين الثاني 1985) نشطت بصورة محمومة مديريات الأمن في المحافظات الشمالية لمعرفة زمان ومكان هذا المؤتمر، ونشرت عملاؤها وعناصرها لهذا الغرض من أجل ضرب المؤتمر وقصفه جويًا ومدفعيًا، ودللت الوثائق التي حصل عليها الحزب بعد انتفاضة آذار 1991 في مديريات وشعب الأمن العام في كردستان على هذه الخطط وللتدليل نشير إلى بعض الوثائق منها .

الوثيقة الأولى – العدد 5677 سري وشخصي التاريخ 12/6/1985.

الى ضابط معاونيه:

م/عقد المؤتمر الخاص بالحزب الشيوعي العراقي

اعلمتنا امن السليمانية /ش بكتابها 16537 مايلي:

" إشارة إلى توجيهات السيد مدير الأمن العام بضرورة العمل على أن يتم عقد المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العميل داخل العراق من أجل توجيه الضربة الجوية القوية له أثناء الإنعقاد، الأمر الذي يتطلب منا العمل ومن خلال مصادرنا السرية على تهيئة الجو العام والإلحاح الشديد من قبل قواعد الحزب المذكور على قيادتهم بضرورة عقد المؤتمر داخل العراق وفي المنطقة الشمالية بالذات. ويتم توجيه مصادرنا بالتحدث بما يلي: 1- من أجل إثبات وجود الحزب الشيوعي على الساحة يتطلب عقد المؤتمر في العراق. 2- من أجل إشعار بقية الأحزاب التخريبية بأن الحزب الشيوعي هو القوي. 3- من خلال مناقشة العمليات التخريبية التي تقوم بها الأحزاب الأخرى في هذه المنطقة بالذات مقارنة بالعمليات التي يقوم بها الحزب الشيوعي. باعتقادنا ان الحزب الشيوعي سيعقد المؤتمر المذكور خارج القطر وعلى الاكثر في اليمن. بما ان ذلك لايخدم عملنا الأمني ولايخدم قيادة الحزب الشيوعي".

الوثيقة الثانية (سري وشخصي ويفتح بالذات)

من /مديرية أمن الحكم الذاتي م78 العدد 29299

إلى / مديريات أمن منطقة الحكم الذاتي الـتاريخ 26/9/1985

م/ مؤتمــــــر

بتاريخ 17/9/1985 عقد مؤتمر في مديرية الأمن العامة لضباط الإختصاص في متابعة نشاط الحزب الشيوعي العراقي العميل وقد تركز الإجتماع حول عقد المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي العميل، وقد تم التأكيد خلال المؤتمرعلى مايلي:

  • معرفة مكان وزمان انعقاد المؤتمر.
  • التأكيد على معرفة أكبر عدد من أسماء الكوادر التي تحضر المؤتمر، القضايا المطروحة والطروحات المخالفة، والقرارات التي تتعلق بالعناصر القيادية والطروحات بخصوص الوضع السياسي.
  • تكليف المصادر السرية داخل الأحزاب السياسية الأخرى لمعرفة مكان وزمان عقد المؤتمر.
  • مراقبة العناصر الشيوعية المسقطة والتاركة والقديمة.
  • تشديد الرقابة على السيطرات في المنطقة الشمالية.
  • معرفة حركة المفارز المسلحة والأماكن التي يتم نقل الأسلحة اليها حيث بواسطة ذلك يمكن التوصل إلى مكان عقد المؤتمر.
  • رفع أي معلومات تتعلق بالمؤتمر الرابع للحزب الشيوعي هاتفيًا وتعزز بكتاب رسمي. ثم يطلب من المديريات الإطلاع والمتابعة والإعلام بكل ما يستجد.

عميد الأمن : م. م.ع. لمنطقة الحكم الذاتي.

ناقش المؤتمر الأمني جميع ما يتعلق بالمؤتمر الرابع وتوصلوا إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات المهمة أثناء انعقاده والعمل بجهود مكثفة لغرض التوصل إلى أفضل المعلومات والنتائج حوله. ومنها تأجيج الصراع الفكري ومحاولة خلق أجواء لتقسيم الحزب واضعافه. واكدت الوثيقة على ضرورة المتابعة المكثفة لمعرفة مكان وزمان عقد المؤتمر بشكل دقيق ومحدد لغرض اتخاذ الإجراءات المناسبة في ضوء ذلك وحددت أن تكون مديرية أمن منطقة الحكم الذاتي معنية أكثر من غيرها بهذا الجانب وتكليف كافة العملاء المتواجدين في المنطقة وداخل كافة الأحزاب الأخرى للتوصل على مكان وزمان عقده. ووجهت مجموعة من التوجيهات لركائزهم والعناصر المدسوسة من العملاء ومنها:

  • رفع أية معلومات تتعلق بالمؤتمر قبل انعقاده هاتفيًا إلى الشعبة المختصة في المقر العام.
  • رصد الأفكار والطروحات التي تدعم العمل الأمني.
  • ضرورة معرفة العناصر التي من المتوقع صعودها إلى قيادة الحزب.
  • معرفة أسماء الكوادر التي تحضر المؤتمر وخاصة العناصر التي تنتدب من تنظيمات الداخل.
  • معرفة العناصر التي يتم تنزيلها إلى مستويات حزبية أدنى.
  • معرفة القضايا المطروحة والتي يدور حولها النقاش.
  • معرفة العناصر التي تحضر إلى المؤتمر والتي تمثل الأحزاب الأخرى.
  • معرفة العناصر الشيوعية المسقطة سياسيًا أو التي ارتبطت بـ (النشاط الوطني) أو تركت العمل السياسي.
  • رصد العناصر التي تستلم قيادة التنظيم في الداخل عند غياب المدعوة لحضور المؤتمر.
  • يتواجد الضابط الذي لديه عملاء في المنطقة في أقرب مديرية أمن لمكان عقد المؤتمر لغرض أن يكون قريب من العميل.

وعموما، وجد المؤتمرون أن المناطق الواقعة ضمن محافظة أربيل غير مهيئة لأن يعقد الحزب مؤتمره الرابع فيها، وأنه في جميع الأحوال سيعقد مؤتمره في المناطق والمناطق الواقعة بين نينوى ودهوك.

وكان للحزب عيون ايضا وتوفرت لديه معلومات من ركائزه، بأن الأمن والمخابرات تتابع بشكل يومي تحركات قيادته وكوادره واكدت على سرية نشاطات الحزب واجتماعاته. ودارت الكثير من المناقشات بين الرفاق حول مكان عقد المؤتمر، وأقترحت المناطق التالية:

  • منطقة كوسته الواقعة ضمن قاطع محافظة أربيل.
  • منطقة برزان و بالتحديد المنطقة الواقعة بين ليلكان وبارزان
  • او في منطقة لولان القريبة منها.

ويشير القيادي الراحل احمد باني خيلاني الى أن " الأجهزة الأمنية والمخابرات العراقية كانت منشغلة منذ اواخر العام 1984 بتقصي اخبار المؤتمر الرابع لحزبنا وموعد ومكان انعقاده. وقد زارنا احد الاصدقاء بمقر كرزال واخبرنا بانه مرسل من قبل مديرية امن السليمانية لجمع معلومات عن المؤتمر الرابع، وبالاخص مكان وموعد انعقاده. وقد ابلغنا الصديق بأن يقول الى مدير امن السليمانية بأن الجماعة ينوون عقد المؤتمر بمنطقة حلبجة وهورامان"  .

واستطاع الحزب وبطريقة ذكية التمويه على السلطة، حيث اعلن من اذاعة الحزب وباسم اللجنة المركزية ان انعقاد المؤتمر سوف يـؤجل الى اشعار اخر لبعض الاعتبارات والظروف. ويبدو إن هذا الخبر قد انطلى على الأجهزة الأمنية وحتى على الرفاق الأنصار، ويقول احد الرفاق ان خبر انتهاء المؤتمر نزل كالصاعقة على رأس الأجهزة الأمنية حين أذاع صوت الشعب العراقي خبر إنتهاء المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي بنجاح باهر.

وقد تابعت الأجهزة المخابراتية نتائج المؤتمر الرابع بدقة. حيث يشير كتاب ملفات الحزب الشيوعي العراقي في اروقة الأمن العامة الصادر في نيسان 1987 باسم (دور المعلومات والخبرة الأمنية في متابعة الحزب الشيوعي العراقي)، الى التغيرات التي طرأت على قيادة الحزب خلال المؤتمر الرابع ويذكر من لم يعد إنتخابهم ممن كان عضواً في قيادة الحزب التي إنتخبت في المؤتمر الثالث، مشيراً على إنه لم يبق من القيادة المذكورة سوى 16 عنصرا، وتم اختيار 10 عناصر بشكل سري كمرشحين للجنة المركزية من قبل سكرتير الحزب ولم تعلن اسماؤهم. كما يتطرق بالاسماء الى قيادة الحزب السابقة مستفيدين من ارشيف السجلات الأمنية، مع ان بعضها غير دقيق ومبالغ به.

لقد تابعت الأجهزة الأمنية أيضاً ماهية المناقشات التي درات في المؤتمر وقراراته وركزت على إن أكثر من لم يتم إنتخابه ينحدر من اصول عربية، في سعي لبث روح القومية المتعصبة بين الأنصار، وهو أمرغريب على الحزب ورفاقه.

وقد حاولت السلطة الاتصال بأعضاء قياديين وكوادر حزبية، ممن كانوا في مواقع القيادة وخرجوا منها، ودعتهم الى أن يأخذوا دورهم في الدفاع عن الوطن. ثم تابعت المجموعة التي تشكلت من هؤلاء (مجموعة المنبر) والجريدة التي صدرت عنها، تلك المجموعة التي أشار اليها تقرير اجتماع اللجنة المركزية المنعقد في اذار 1989 بقوله:

" وقد رافق ذلك اخلال صارخ وفض بالانضباط الحزبي وخرق لقواعد النظام الداخلي من قبل الضالعين في النشاط التخريبي من المخالفين لسياسة الحزب، ممن وضع المؤتمر الوطني الرابع بعضهم خارج الهيئات القيادية. اذ جرى فضح اسرار الحزب الداخلية والقيام باتصالات ليبرالية بالجهات والأحزاب والشخصيات العراقية وغير العراقية، ووصل الامر بعدد من الضالعين في هذا النشاطات حد تشويه وتزوير الوقائع والاستعداء على الحزب بقصد ممارسة الضغط عليه لتغير سياسته التي رسمها المؤتمر الوطني الرابع. ووصل الامر بعدد منهم، بمن فيهم من لايزال يتمتع بعضوية الحزب، الى المساهمة في تشكيل كتل ومنابر معادية للحزب، رحبت بها مخابرات النظام واجهزة قمعه، وصارت تروج لما يصدر عنها من نشريات.

ومن المعروف إن هذه المجموعة قد قامت بالعديد من النشاطات التخريبية ضد الحزب، وأقام علاقات جيدة مع سفارات النظام وعاد بعضهم الى حضن السلطة. والى جانب الموقف الشخصي، حيث فقد معظمهم موقعه في قيادة الحزب، طرح هؤلاء فكرة الدفاع عن الوطن، بعد إن احتل الايرانيون جزءً من العراق بعد 1982. وكانت هذه الفكرة تعني عملياً الأصطفاف الى جانب الدكتاتورية وجيشها، وربما بإقامة حكومة إئتلافية معه. وبشرت جريدة (المنبر) بكل هذه المواقف، علما إن العدد صفر قد صدر في فينا – النمسا فيما صدرت الأعداد الأخرى في بيروت، وعدد في براغ وألأخير في لندن.

ولعبت المناطقية دوراً في تجميع هؤلاء، حيث يشير أحدهم، عبد الحسين شعبان، الى أن اغلبهم من الفرات الاوسط، مؤكداً إن هذا التكتل فشل لامور ذاتوية بحتة. كما يشير الى أن الموقف من الحرب العراقية الايرانية وقضايا التحالفات واساليب الكفاح ساهم في اشعال فتيل الصراع على نحو شديد. ويذكر شعبان الى ان الذي اسس المنبر هو ومهدي الحافظ ونوري عبد الرزاق وماجد عبد الرضا.

يشيرالكاتب عزيز سباهي في صدد هذا الموضوع الى (لاننسى ايضا اثار التخريب التي كانت تحدثها بين الكوادر والقاعدة والعناصر القيادية التي خرجت على الحزب من اوائل الثمانينات، وواصلت نشاطها بعد ان ابعدها الحزب عن صفوفه.اذ ظلت هذه المجموعة تبشر بمواقفها الذيلية والتصفوية، وتدعو الى التصافي مع الدكتاتورية وفي صحيفتها (المنبر)، ويرددها من ارتضى التسيب في صفوف الحزب، محدثة البلبلة والتشويش ، تساعدهم الاجواء العدمية والاحباطات في ذلك).

لم تستمر حركة المنبر طويلا على الرغم من انها لقت الدعم على الاقل معنويا من النظام الدكتاتوري وترحيب من الأجهزة المخابراتية، وانتهت بافكارها ومنطلقاتها الذاتية ورجع بعضهم الى النظام لاسباب مختلفة.

ولعل من المفيد هنا الإشارة الى أن بعض القيادات والكوادر الحزبية، وللأسف الشديد، قد ساعدت النظام الدكتاتوري بمواقفها الذيلية منذ هجوم البعث واجهزته الامنية على الحزب في نهاية عام 1978وهذا مايشير اليه الكاتب عزيز سباهي فيقول:

 (لم تتوصل قيادة الحزب، حتى ذلك الحين، الى القناعة الشاملة بالتحول الى معارضة السلطة، اذ كان لايزال هناك من يأمل بالحيلولة دون احتضار الجبهة وموتها. ولهذا فان التوجه لانشاء قواعد للانصار في كردستان لم ينضج لدى العديد من اعضاء اللجنة المركزية. ولم يطرح امره على اجتماعات اللجنة المركزية طوال الاشهر التالية.

واكثر من هذا ، فان باقر ابراهيم، العضو البارز السابق في قيادة الحزب ـ الكاتب ـ، ومن كان يناصره ممن دعاهم بالتيار الاكثر تعقلا وبعد نظر في قيادة الحزب الشيوعي أرتأى بذل ما يمكن من الجهود والمحاولات لتفادي الازمة، وسارع الى وضع مقال نشر بمناسبة احتفالات البعث في الذكرى العاشرة لانقلابه في جريدة (الجبهة) في 16 من تموز1978،ثم اعاد نشره في طريق الشعب يشيد المقال في بدايته بقيادة حزب البعث، وماحققته من تحولات تقدمية وعميقة، سياسية واجتماعية واقتصادية، زادت من تأثير العمال والكادحين في العملية الثورية. ويشيد بالتحول التقدمي في سلطة الدولة واجهزتها. ولكي يطمئن قادة البعث بشأن حسن نوايا الشيوعيين، ومن اجل ان يتخطى جريمة الاعدامات التي اقدم عليها الحكام البعثيون ويدفع عنهم مسؤوليتهم ليلقيها على الاعداء سارع الى القول، توجد قضايا سياسية وايديولوجية كثيرة تختلف عليها احزابنا، ويمكن ان يختلف عليها الثوريون، ولكن الخطر يكمن حينما يراد لنا كثوريين ان نوافق على تبريرات واستنتاجات اعدائنا، بأن التباين السياسي والايديولوجي والاختلافات في برامج الاحزاب التقدمية يؤدي بالضرورة الى صراعها التناحري.

ويكمل باقر إبراهيم (لقد كان لنا مثل هذا الخطأ المشترك وعانينا، وعانى الشعب منه، ولا نريد له ان يتكرر والجميع مسؤولون عن ذلك. وينهي باقر ابراهيم مقالته بتحية الذكرى العاشرة لثورة 17 تموز 30 تموز المجيدة ولقيادتها السياسية ولشعبنا وجيشنا الباسل.

 ويعلق سباهي حول هذا المقال (يقال كل هذا واصداء الرصاص الذي اعدم به البعثيون حياة 31 مناضلا شيوعيا قبل شهرين لايزال يرن في الاذان، ولازال الحزب يتلقى التعازي من داخل وخارج الوطن! ولايزال هو يطالب بالاعتذار، ورد الاعتبار للذين اعدموا، غير ان هذه المساعي على حد تعبير صاحبها، ذهبت ادراج الرياح ، امام اصرار غلواء القيادة البعثية في ان تتخلص من دور الشيوعيين في الحياة السياسية في العراق بوسائل القمع والملاحقات وبعجالة نسبية. بيد ان هذه المساعي وما اقترن بها من تردد فاضح في التحرك، اضاع على الحزب الشيوعي شهورا ثمينة كان يمكن ان يفيد منها لتعزيز اجراءاته الاحترازية. اذ كانت دوائر الامن الحكومية تعي جيدا ما تفعل تحت توجيه وتحفيز القيادة السياسية للبعث. كان باقر ابراهيم وماجد عبد الرضا والاخرون يعملون على "راب الصدع" كما يقولون، ويتوسلون بالبعث بمقالاتهم التي تعمل على اشاعة الخدر في صفوف الحزب الشيوعي والشعب والتي عانت منها تنظيمات الحزب في عموم البلاد).

 

المصادر

-سعد العبيدي ،وأد بطل نهاية جيش وملحمة -مواقع الكترونية

-زهير الجزائري-المستبد صناعة قائد صناعة شعب –منشورات الدراسات الاستراتيجية الطبعة الاولى بيروت2006

-موقع الكاردينيا مجلة ثقافية عامة رئيس التحرير جلال جرمكا

-طريق الشعب العدد 4 سنة 57 ايلول 1991

-صلاح الخرسان –صفحات من تاريخ الحركة الشيوعية في العراق دار الفرات 1993

-فيصل الفؤادي- من تاريخ الكفاح المسلح لانصار الحزب الشيوعي العراقي2013

-الثقافة الجديدة العدد 256 اب 1993

-احمد باني خيلاني مذكراتي 2009

-ملفات الحزب الشيوعي في اروقة الامن العامة 1987

-تقرير اللجنة المركزية اذار 1989

-عبد الحسين شعبان –مقال في الذكرى الاولى لرحيل مهدي الحافظ

-عزيز سباهي عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ج3 2006

عرض مقالات: