صدر عن دار الرواد المزدهرة (ثلاثة عقود من النضال النقابي) بالحجم المتوسط وبعدد صفحاته 238، والكتاب كما يشير الكاتب يعتبر تكمله لما كتبه المناضلون الذين واكبوا الحركة النقابية وتاريخ الطبقة العاملة بموازاة تاريخ الحزب الشيوعي العراقي.

يفترض الكاتب (ان هذه الدراسة تكملة مناسبة لدراسة سابقة أعدها العامل النقابي الشهيد طالب عبد الجبار والموسومة – ربع قرن من تاريخ الحركة النقابية العمالية في العراق)، والتي تم طبعت مؤخرا من قبل المركز العراقي للثقافة العمالية.

ويؤشر الكاتب انه لا يمكن الكتابة عن النقابات والطبقة العاملة في تاريخ العراق المعاصر بدون الحديث عن نضال الحزب الشيوعي العراقي لان الأمرين مترابطان في زمن الحدث وفي التفاعل الموضوعي بين الحركة العمالية العراقية وبين الحزب الشيوعي العراقي.

ويحتوي الكتاب على خمسة فصول ويتطرق في الفصل الاول الى وضع الطبقة العاملة قبل ثورة 14 تموز 1958، والمبحث الاول يتناول نشوء ونمو الطبقة العاملة، والمبحث الثاني نظرة مكثفة عن دور الحزب ومناضليه قبل عام 1960 ويخرج هذا الفصل بعدة استنتاجات منها –

  1. كانت الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية غارقة في التخلف في ظل نظام ملكي رجعي مرتبط بالاستعمار البريطاني سياسيا واقتصاديا ومالياً.
  2. نشطت وعملت بشكل سري قوى واحزاب سياسية، لدعم حقوق العمال وقيادة نضالاتهم المطلبية والسياسية.
  3. صدور قانون العمل رقم 72 لسنة 1936 ساهم في قيام مجموعة من النقابات العمالية.
  4. ساهم تشكيل مكتب او مجلس مركزي عام 1951 في تنشيط النقابات القائمة.
  5. تم الربط بين النضال الطبقي والنضال الوطني ومن اجل الحريات السياسية وضد القمع والاضطهاد والاستغلال ومن أجل ارساء الديمقراطية وحرية تكوين النقابات العمالية.
  6. تميزت مساهمة تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي في اقامة اللجان السرية وتنشيط الحركة النقابية وتطويرها والعمل على وحدة الطبقة العاملة العراقية.
  7. بلغ الاستياء الجماهيري ذروته بعد احتدام الصراع مع السلطة الرجعية خاصة في انتفاضة 1956. ومن جانب اخر، تم تشكيل جبهة الاتحاد الوطني التي ضمت مجموعة من القوى والاحزاب والتنظيمات العسكرية وساهمت في دفع العمل قدماً.

في الفصل الثاني، والذي جاء في مبحثين يتناول فيهما سياسة الأحزاب بعد عام 1960 وتأثيرها على الطبقة العاملة والنقابات حيث يشير الى تطور واتساع الحركة النقابية بعد ثورة تموز بشكل لم يعد له مثيل في بلادنا، ويتطرق الى المؤتمر التأسيسي لاتحاد نقابات العمال في العراق بتاريخ 8 الى 11 تموز 1959 والتي حضر ممثلو العمال من جميع النقابات المشكلة والتي عدد اعضائها 275 ألف عامل نقابي في الوقت التي لم تحصل جميع النقابات على اجازتها. كما حضر المؤتمر التأسيسي رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم والذي القى كلمة فيها وكذلك عدد من الضيوف العربية والعالمية.

وقد خرج المؤتمر بعدة قرارات منها دعم الصين الشعبية في الانضمام الى هيئة الامم المتحدة.. وقد انتخب المؤتمر 25 عضوا كما ذكر اسماءهم وانتخب العمال النقابيون قيادة لهم تكونت من (صادق جعفر الفلاحي رئيسا وعلي شكر نائبا وطالب عبد الجبار سكرتيرا للاتحاد والمهام الاخرى هادي علوان مسؤول شؤون التنظيم وعبد القادر عياش للثقافة والتوجيه وآرا خاجادور للشؤون الاقتصادية وكاظم الدجيلي للشؤون الدولية وكليبان صالح للعلاقات الوطنية وحكمت كوتاني محاسب).

ويتطرق الى المؤتمر الاول للاتحاد بعد اقل من عام من انعقاد المؤتمر التأسيسي وذلك في 9 - 11 شباط 1960 وتحت شعار صيانة الجمهورية وازدهار الاقتصاد الوطني وضمان اجتماعي شامل. وكان يضم 52 نقابة مركزية وعدد اعضاءه 308 كما صدر قرار تشكيل نقابات في قطاعات اخرى وصدرت صحيفة اتحاد العمال في 3 شباط 1960.

كما حضرت وفود عربية وعالمية منها ممثل اتحاد النقابات العالمي لبراهيم زكريا ومعه بيير جانسون ووفود الدول الاشتراكية.

ويتطرق الكاتب الى دور الحزب الشيوعي في استمراره بتهيئة الكادر العمالي، عبر الدورات الحزبية واختيار الكادر الكفوء، وتوعية الشغيلة ورفع مستوى العمال المهني والسياسي والفكري، واعطاء المثل في التضحية والايثار.

وبفخر واعتزاز قرر الاتحاد العام لنقابات العمال في الجمهورية العراقية، باعتباره مجسدا لإرادة العمال العراقيين، الانضمام الى اتحاد النقابات العالمي، في اوائل عام 1960، والذي بلغت عضويته حينها 100 مليون عامل، فتحققت أمنية حركة العمال النقابية العراقية بعد مضي أكثر من 15 عاماً على نشؤها. وعلى الصعيد العربي واصل الاتحاد نشاطه ومتّن علاقاته بالعديد من الاتحادات والمنظمات النقابية على امتداد الوطن العربي وأصبح عضواً في الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب في عام 1961.

ولقد انعكس عمل الحزب على الطبقة العاملة والنقابات في المشاركة المليونية للجماهير في مسيرة الاول من ايار 1959، والتي كانت أكبر مسيرة عمالية في تاريخ العراق المعاصر.

أما الفصل الثالث فيتطرق فيها إلى الفترة العارفية بين عام 1963 الى عام 1968 وموقف القوى القومية من النقابات، وفي المبحث الثاني يتناول الانتخابات وتعددية النقابات.

وفي هذا الفصل يشير الكتاب إلى موقف الحزب الشيوعي من التأميمات والتشريعات العمالية والاتحاد الاشتراكي وموقف السلطة من النقابات، خاصة في الفترة التي يقود اتحاد نقابات العمال النقابي فيها القومي هاشم علي محسن.

كما تطرق الكتاب في الفصل الرابع 1968الى 1980 الى الميثاق الوطني وقواعد عمل الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، وكذلك في المبحث الثاني الى دور مكتب شؤون العمال المركزي التابع للحزب الشيوعي العراقي من النقابات. وفي المبحث الثالث الى التغيرات الطبقية في السلطة ودور النظام في اصدار القوانين.

وفي الفصل الاخير الفصل الخامس 1980 الى 1990 انتقال الحزب الشيوعي العراقي الى المعارضة، والمبحث الثاني تأثير الحرب العراقية الايرانية على الطبقة العاملة، والبحث الثالث النقابات في ظل الحكم الدكتاتوري

وفي المبحث الرابع والخامس يتحدث عن الحزب الشيوعي ودعمه للنقابات ومنها ـ اعادة تأسيس الحركة النقابية الديمقراطية في الجمهورية العراقية. وسياسة الحزب الشيوعي في مرحلة الكفاح المسلح اضافة الى الخاتمة والاستنتاجات.

 وحول اهمية الكتاب يقول الكاتب

     لقد قدم الحزب الشيوعي العراقي، ومازال الكثير من الجهود في مضمار تطوير الحياة النقابية في العراق، ولهذا لا غرابة ان يلتصق تاريخه بتاريخها، منذ ولادته، ولحد الآن. ومن الصعب جدا فصل الرابطة الموضوعية والعلاقة العضوية بينهما، لان أحدهما يكمل الأخر. وهذه حقيقة يعترف بها الجميع، حيث أكدت التجربة التاريخية على عدم أمكانية قيام حركة نقابية ذات طبيعة طبقية ووطنية تدافع عن مصالح العمال والكادحين الا وكان للشيوعيين العراقيين فيها دور متميز. ولهذا أهتم الحزب بالعمل وسط الجماهير ولم ينقطع رفاقه عن اجواء العمل النقابي، وعن الاهتمام بها سواء في رسم الخطط أو رفع الشعارات أو التعبئة أو المشاركة الفعالة في كل أشكال الكفاح لنيل الحقوق.

كما كان العديد من منظمات الحزب، ناجحة في التوفيق بين آراء ومصالح جماهير العمال الواسعة التي تجمعها المنظمات النقابية وبين أراء واهداف حزبها والمنسجمة مع الافكار التي يجسدها طليعة الطبقة العاملة، لان النضالات التي تخاض لها بالضرورة فحوى طبقي.

لقد عانت الطبقة العاملة والنقابات واتحادها من فوضى السياسة، حيث اعتقل وعذب وقتل الكثير من ابنائها بعيد انقلاب 8 شباط الاسود 1963، فيما زج بالآلاف من المناضلين الذي وقفوا ضد الاستعمار والاستغلال، في سجون نقرة السلمان وديالى والكوت وبغداد وغيرها.

وقد كتب البعض من النقابيين مذكراتهم، التي غطت فترات طويلة أو محدودة من تاريخ العراق المعاصر. ومن خلال متابعتي للسنوات التي تلت ثورة 14 تموز والسماح للنقابات بالعمل العلني، وولادة اتحادها العام، فإني لم أجد من قام بتغطية هذه الفترة، خاصة من لعب دوراً ما في العمل النقابي حينها.

نعم، لم أجد المصادر التي تتحدث بموضوعية وعلمية عن دور الحزب الشيوعي العراقي في فترة ما بعد هذا الانقلاب وخلال فترة حكومة الاخوين العارفين، ولا عن دور النقابيين ونشاطاتهم بين العمال. كما لم أجد في وثائق الحزب من مصادر تساعد في الكتابة عن هذه السنوات، لان الحزب الشيوعي العراقي لم يمر بفترة علنية بعد عام 1963، الا لفترة تقل عن خمس سنوات، كانت هي الأخرى، حافلة بالصراع مع سلطة برجوازية بيروقراطية وطفيلية نهابة، تريد كل شيئ، بما في ذلك اخضاع الحزب الشيوعي العراقي وتقليص دوره والتقليل من شأنه وحتى مسخه إن أمكن، وذلك من خلال مجموعة من الاجراءات العنفية كالاغتيال والملاحقة والسجون والدعاية الرخيصة وكذلك الاعتداء على عوائل المناضلين.

لقد عمدت في كتابي هذا، الى كتابة تاريخ المناضلين من النقابيين، الذين تركوا متع الحياة وضحوا من اجل غيرهم وناضلوا من اجل القيم الانسانية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية لشعبنا العراقي. ففي أعوام الستينيات، كان تأثير البرجوازية والرجعية على السلطة كبيراً، مما سبب اشكاليات كبيرة لممثل الطبقة العاملة، الاتحاد العام للنقابات العمال.

ومع التغيير الدوري للحكومات خلال هذه الفترة (حدوث ثلاثة انقلابات خلال خمس سنوات، 1963 الى 1968)، اشتدت معاناة الطبقة العاملة، وتقلصت فرص نهوض ممثليها بالواقع المزري للشغيلة وظروف حياتهم المعيشية، وساد صراع الارادات، الذي منع اجراء الانتخابات وجمّد بعض قوانين العمل، رغم بعض كوى الضوء التي سمحت لبعض العمال من التواجد في إدارات بعض المؤسسات الحكومية والمساهمة في اتخاذ قرار فيها.

لقد كانت فترة صعبة ومظلمة وتجاذب بين القوى السياسية، أثرت سلبياً وبشكل كبير على النقابات والكادر النقابي، في وقت كانت حاجة البلد فيه لكوادر نقابية عمالية، تتمكن من تطوير البلد نحو افاق جديدة، حاجة ماسة جداً. فقد اُبعد النقابيون الحقيقيون عن العمل واعتقل وسجن وأعدم الكثير من هذه الكوادر العمالية واوقفت الانتخابات العمالية بحجج مختلفة، وبطبيعة الحال كان تأثير انشقاق الحزب الشيوعي العراقي في عام 1967 كبيرا جدا على الطبقة العاملة وحركتها النقابية.

ويؤكد الكاتب على العلاقة الديالكتيكية بين الحزب والنقابات (ان النظرة الجامدة الى تنفيذ قرارات وتعليمات الهيئات الحزبية او المسؤولين الحزبين داخل التنظيم النقابي والتطبيق الالي (الميكانيكي) لهذه القرارات والتعليمات بجلب الضرر الفادح للحزب والنقابات معا)[1].

ليس من مهمات النقابات وضع ايديولوجية او برنامجا سياسيا، ولا يمكن قبول العمال في النقابات على اساس برنامج حزب او نظام داخلي، وليس مطلوبا وضع شروط في الانتساب للنقابات، بل وجود العامل في تلك المؤسسات الانتاجية او غيرها هو الذي يحدد ذلك، ويكون الالتزام بالنظام الداخلي للنقابات كافياً، على أن تكون شروط ومواد هذا النظام الداخلي مرنة وغير معقدة، تساهم في تطوير العمل ولا تعرقله.

 إن اهمية الكتاب إنما تكمن في جمع هذا التاريخ النضالي للفترة المحددة، وهي فترة طويلة تحتاج منا الوقوف على أبرز النضالات والقوانين واجراءات الحكومات المتعاقبة التي شهدتها.

واخيرا يقدم الكاتب شكره للصديق العزيز الدكتور ابراهيم اسماعيل، لما قدمه لي من جهد ومساعدة في اصدار هذا الكتاب، وللعزيز جاسم هداد في توفير المصادر والتدقيق، والشكر موصول أيضاً للعزيز سامي سلطان لمتابعة انجاز هذا العمل والصديق عبد الرحمن موسى والاخوة الاعزاء في المكتبة الوطنية لما بذلوه من مساعدة في توفير المصادر المطلوبة.. ولابد لي ان اشكر ابنتي العزيزة شلير التي وفرت لي الاجواء واهتمت بعملي من خلال الاستنساخ وغيره من متطلبات اصدار هذا الكتاب.

 

عرض مقالات: