ـ 9 ـ

                                                           زمن الملاريا  

         

كان الصحفي الرياضي برهوم اقرب الشباب للعائلة، و هو ابن الاخت الكبرى للوالدة، الأخت التي توفىّ زوجها الضابط الشاب بحادث اصطدام بقطار، و تركها ارملة شابة مع ثلاثة اطفال كبيرهم برهوم  . . كان شاباً وسيماً جميل الصورة، عذب الحديث الذي جاء من ثقافة و اطلاع واسع، و كان من الشباب الواعد في الحركة الوطنية الهادفة الى خير و تقدّم البلاد، كثير المبادرة، مرن و ساعي للتقريب و التفاعل بين الحركة القومية التحررية و بين اليساريين، خدوم مستعد لخدمة من يراه صاحب حق هُضِم او مُطالب به . . و لإمكانياته في التعليق الرياضي الوطني و العالمي، كانت الصحف البغدادية تتراكض عليه من اجل معلومة او مقالة او تعليق او سبق رياضي . .

و من اهتمام و عناية اصحاب الصحف و كبار المحررين و الرياضيين به، انهم اهدوا له راديو ثمين متطوّر قوي السّحب ليساعده في عمله، و نصبوا له جهاز تلفون في البيت حين كان يندر الحصول على تلفون، لتسهيل و تسريع الإتصالات، على ان يدفعوا هم مصاريف قوائم الحسابات الشهرية للتلفون  . .

و كان يقضيّ ساعات طويلة في سماع الـ بي بي سي و صوت اميركا بالانكليزية ليتابع برامجهما الرياضية و انواع الرياضة الجديدة في العالم، و عمل على ادخالها في النوادي الرياضية من خلال خاله الرياضي زكي بطل آسيا في الملاكمة آنذاك، الذي مرّ ذكره بكونه من الوجوه القومية و من حماية رشيد عالي الكيلاني و مراسلاته حينها . .

و من خلال بي بي سي الانكليزية تعرّف على البرنامج الدولي لمكافحة الملاريا التي شكّلت كابوساً على شعوب العالم آنذاك . . و بعد نقاشات مطوّلة مع الوالد توصلا الى ضرورة اشتراكه في برنامج مكافحة الملاريا في العراق، و صار الناطق الرسمي الصحفي للبرنامج الدولي في العراق، لإجادته الإنكليزية . . و تطلب منه القيام بجولات و جولات مع فرق المكافحة في كل انحاء العراق . . من الأهوار و الصحاري و الى الجبال الكردستانية و جبال حمرين المخيفة المقفرة، و سكّانها المتنوعي القوميات و الاديان و التصوف و الاديرة و مقرات الدراويش المغلقة عن العالم . . و قد استمرّت اكثر من عام.  

في عصر ذات يوم، ناداني والدي و كنا نحن الصغار نلعب لعبة مشروب السيفون (من انتاج شركة السيفون الوطني العراقية) و نتراهن على فورته و نزولها و مداها بخطوط نرسمها على الارض، فيما كنا نستمر بنقاشاتنا الحماسية عن آرائنا و تمتعنا بأفلام سينما الاعظمية، من فلم الفايكنغ و إلههم اودين الذي فرض عليهم ان يموتوا و السيف بايديهم و الاّ هو موت غير مبارك، افلام طرزان و رفيقته الشمبانزي و كفاحه ضد الاشرار و من اجل سلامة الغابات و الحيوانات و كنا نتمنى رؤية زوجته جيني في فلم بعد ان كثرت الروايات حولها . . الى افلام الفرقة السابعة و صراعاتها مع الهنود الحمر في اميركا، وسط تمنياتنا بانتصارات الهنود الحمر لحرارة حبّهم و عواطفهم و استماتتهم من اجل الجماعة و النصر، و ننتظر بلهفة ظهور وجوههم المقاتلة المحبوبة و نسائهم الجميلات . . و افلام روبن هود نصير الفقراء و رفيقه المخلص الذي كان اخرساً . .

قال والدي :

ـ ابني هذي رسالة من برنامج مكافحة الملاريا العالمي . . يعني مال  كلّ العالم، منحوا عمّك برهوم الجائزة الاولى في مكافحة الملاريا و انقاذ ارواح ملايين البشر . .

ـ يعني عم برهوم هو الذي انقذ حياتهم ؟؟ . . زين شلون كدر انقاذ ملايين و هو واحد ؟؟

و شرح لي الوالد مخاطر المرض و كيفية تحوّله الى وباء يحصد ارواح البشر بلا رادع، بل و يجتاز كل العوائق الاّ الادوية الصحيحة في العلاج، التي تتطلب علماً و نشاطاً و ستدرسون ذلك في المدرسة و الى الجامعة الى ان تصير طبيب كما تتمنى ماما . . و شرح لي اهم اعراضه، و خطورة دور بعوضة الانوفلس و ان فلان و فلان و عائلة فلان توفوّا بسبب الملاريا . .

ـ تأخذ هذه الرسالة و تسلّمها الى عمك برهوم بيده مو بيد غيره ابني، لأن هو مسجّل عنوانه على عنوان بيتنا، مو على عنوان بيت ابن عمه فاضل اللي برهوم ساكن عدهم في الدّهدْوينة (الجادة النازلة الى الاسفل)، قرب فرن الصمون . .

          اخذت الرسالة بظرفها الكبير المرسوم عليه بعوضة عملاقة تحيط بالكرة الارضية و مختومة بالشمع الاحمر، و وضعتها داخل ملابسي كي لاتقع او تتوسخ و اخذت طريق الدهدوينة ماراً ببيت محسوب و خرابة مجيد الشلاتي ذات هياكل السيارات القديمة، و محلات ابراهيم الحلبي لتأسيس البوريات، التي كان يديرها والده الاعمى سليمان الحلبي، مقابل مركّب الاسنان الذي كان يهتم باسناننا باجور تدفعها له والدتي دوريّاً . .

ليأتي بعد الدهدوينة النازلة فرن الصمون، الذي كنا نتناوب على شراء الصمون منه، اخي الكبير و انا في فجر كل يوم و خاصة انا، لأن ذلك كان من الاعمال البيتية الموكولة لي، حين كانت المشكلة الكبرى تكمن في الشتاء عندما كانت درجات الحرارة تصل الى دون الصفر، او حين كانت تمطر بغزارة، و كنت البس معطف طفولي مستعمل ثخين و دافئ، استعداداً للصراع مع المشترين المتجمعين معاً دون طابور اصولي، للحصول على الصمون المحمّص حال اخراجه من الفرن و حال رميه على طاولة الشراء، و كنت اتسلل بين المشترين مستغلاً صغر جسمي لأرمي كفيّ على الصمون و اضعه في الكيس السميك الذي احمله، لأعدّه لاحقاً و ادفع ثمنه عند الخروج من الفرن . .

          كان شارع الدهدوينة يتقاطع مع الشارع الواصل الى ساحة النزيزة في محلّة النصّة المجاورة ، النزيزة التي كانت تنزّ او تنضح منها المياه في مواسم تكاثر الامطار لكونها واطئة، و هي ذات الساحة التي كانت تقام عليها العاب الاطفال في الاعياد من الاراجيح و دولاب الهوا و اجهزة لعب الفرّ و الدوران . . و تأجير ركوب الحيوانات.

          وصلت الى بيت العم برهوم و صعدت درجات الباب الذي كان مفتوحاً ككل بيوت تلك المنطقة بمعنى (ياهلا بالضيف) و يكون المدخل مستوراً بستارة من قماش او نسيج فيه من الثقل بحيث تبقى الستارة مستقرة الى الاسفل و لا تتطاير بفعل الريح و تكشف المستور من حوش الدار . . و صحت بصوت مسموع :

ـ عم برهوم . . عم برهوم . . عندي احسن هدية اليك !!

ـ عم برهوم، الا تسمعني ؟؟

خرج العم برهوم من غرفة جانبية و هو يجيب على المستعجل :

ـ شكو شكو ابني عزيزي ؟؟ اية هدية تتكلم عنها ؟؟

سلّمته المظروف الكبير بيدي الاثنتين و تلقفه بفضول و فتحه مسرعاً حتى مزّق الظرف و قرأ الرسالة مسرعاً و اخذ يدبك على الارض و كأنه يرقص :

ـ اعزائي ، عزيزتي غنية . . ربحت الجائزة الاولى بمكافحة الملاريا . . تحوي على حفنة فلوس نستطيع ان نتزوج بها على الفور، اضافة الى شهادة دولية بمنحي دبلوم في مكافحة الامراض المتوطنة، و الشهادة عالمية معترف بها دولياً و عراقياً و تعني ساحصل على عمل و راتب ثابت في وزارة الصحة بعنوان موظف صحي !

ـ اتفضل اتفضل ابني تعشىّ معانا . . عندنا احسن كباب من السوق الجديد !! و اشار الى الغرفة الجانبية.

          دخلت الغرفة و رأيت فيها ثلاث شابات جميلات مع شاب عرفت انه اخو احداهن، كنّ جميلات بجمال لم نعهده في محيطنا . . شعور شقراء و كستنائية بموديلات متعددة، عيون ملوّنة من زرقاء الى نرجسية، بملابس انيقة . . عرفْتُ بعدها انها كانت جلسة خطوبة برهوم على الممرضة الموصلية غنية ذات العيون الزرقاء و البشرة البيضاء ذات الحمرة، الجالسة بخفر جنب اخيها، بحضور صديقتيها الممرضتين المسيحيّتين : هيكانوش ذات العضد المشوّه الجلد بسبب اطلاقة بندقية اصابتها قبل سنوات في مذبحة سميّل . . و تيريز ذات المظهر المتحديّ، التي تسبب جمالها و هي بعيدة عن مسرح التحديّ، بمقتل طبيب بالمستشفى الملكي في صراع بين اطباء للفوز بها كزوجة.

          عرفنا لاحقاً ان برهوم في نشاطه في البرنامج الدولي لمكافحة الملاريا، و وجوده في ارياف الموصل، كان يساعده هناك الشاب يونس، و بمرور شهور من العمل المضني، تصادقا و فتح يونس بيت العائلة المتدينة امام برهوم لثقته به، حتى صار بيت يونس و كأنه بيته بعد ان استأجر غرفة عندهم استلموا ايجارها منه لشهرين فقط، و اعتبروه ابنهم بعدهما . . و صار من العار عليهم ان يدفع ايجاراً، على ان تبقى الغرفة التي سكنها، غرفته !

احبّ برهوم اخت يونس الممرضة غنية و بادلته نفس العواطف و اخبرت اخيها و امها بذلك، و اشترطت عليه الاّ يذهب ابعد الاّ بعد الزواج، و كانت جلسة الخطوبة هي البداية بعد ان نجح برهوم بعلاقاته المتنوعة مع موظفين كبار، نقل غنية من صحة الموصل الى صحة بغداد، و الى حيث تعمل صديقات طفولتها المسيحيّتان . .

          كان كباب السوق لذيذاً و كافياً بعد ان صار الشيش و كأنه شيشين اثنين مع الطماطة و البصل المشويان، التي شكّلت طبق كباب السوق الجديد، كباب اسطه محمد. و فيما اتهيأ للمغادرة قبل هبوط الظلام، سمعت حديثاً هامساً بين برهوم و ابنة الجيران المحبوبة صفية اللي كانت تساعد الجميع و هي تبكي و تشهق بتكتّم، حديثاً لم افهمه تماماً آنذاك :

ـ حبيبي برهوم، انا لست ضد خطوبتك و زواجك . . انا احبّك بجنون !! كم رسالة كتبت لك و من اكثر من سنة، و انت لاضحكة و لا جواب . .

ـ نام معي و لو لمرة واحدة و الاّ سأجنّ و انتحر لأن ليس لحياتي معنى ان لم تنم معي . .

ـ صفية اهدأي عزيزتي، انت مخطوبة لإبن عمّك الذي وافقتي انت عليه . . يعني ما تخافين من الخيانة و الفضيحة او من الحمل ؟؟

ـ نام معي دون اي فعل، و نكون تحت غطاء واحد عراة كما خلقنا الله تعالى.

ـ عيني انتي صفية . . تزوّجي اولاً و الله كريم، حتى لانكون مذنبين امام ربنا . . و هاي احنا عايشين و حبايب، شفتي اشكد حبّتك غنية ؟؟

          كان يحادثها بنغمة تهدئة الى ان انقطع الحديث . . و بقيت افكّر بعقلي الطفولي، لم اصدّق ان العم برهوم قاسي الى هذا الحد . . بلكي صفية تخاف تنام لوحدها ؟ تخاف من حرامي او من طنطل يخرج من النهر بالليل، كما كانت تحدّثنا جدّتي، تتوسّل به و تبكي و لا اعرف اية فضيحة ستكون، بعدين لماذا فضيحة ؟؟ ينام معها ليحميها و يشدّ ازرها . . لكن لماذا تقول ننام عراة ؟؟ يعني الدنيا لاتزال باردة . . يمكن خطيّة من حبها و ثقتها به، بس ليش ؟؟

          و نظرتُ الى عم برهوم شزراً و هو يقودني الى باب الدار، و يحمّلني آيات الشكر و تحيات حارة الى والدي، حتى وصلنا الباب و شاهدنا تجمعاً كبيراً امام باب بيت الجيران المقابل لبيت فاضل، و عدد من الشباب و الكهول يصيحون :

ـ هايل هتلر !! هايل هتلر !!

قال عم برهوم لي :

ـ ابني هاي راح تصير هوسه . . الدنيا صارت ظلمة، لاتقف عندهم لأن معهم عدد من السكّيرين الغاضبين المستعدين لضرب اي واحد و مايفرّقون بين الشاب و الطفل، انتقاماً من اعداء هتلر اللي تسببوا بالبطالة و الفقر و الخسارة اللي عايشين فيها، كما يفكّرون، و هم ينتظرون خروج زعيمهم اللي يسمّوه (هتلر الاعظمي) او (هتلر اعظمية) . . حبيبي تروح بسرعة الى البيت. اوكي ؟؟

ـ اوكي . .

خرجت و الفضول مسيطر عليّ لمشاهدة هذا الهتلر، لأن الزعيم النازي هتلر و المنشورة صوره على المجلات كان قد انتحر اثر خسارة جيوشه التي احتلّت الكثير من دول العالم و تسببت بمجازر بحق الشيوعيين الذين قاوموه و بحق الغجر و اليهود و المثليين، و قامت مختبراته بالعديد من التجارب على البشر، و قام بكل الممنوعات . .

اختبأت خلف سيارة مركونة الى جانب الشارع منتظراً خروجه . . و فجأة علا صياح المتجمهرين، الهاتفين بحياة هتلر و هايل هتلر رافعين اذرعهم المستقيمة على الطريقة النازية، و هم يشاهدون هتلر الاعظمي يخرج من بيته، رافعاً ذراعه المستقيمة نحوهم، و يصيح :    

ـ هايل هتلر هايل هتلر . . اسمعوا ويلكم . . احنا مانسمح يروح هتلر بولة بشط !!

ـ تسلم زعيم ! عاش الزعيم !

اضافة الى دبكات مجموعة شبه ريفيه أميّه من اطراف الاعظمية و هي تردد :

ـ هترل هترل هترل !

          ظهر برأسه الكبير ذو الشعر الاسود الملمّع بالكريم و المسرّح بفرق جانبي على رأسه و ينسدل باقي الشعر ليغطيّ جبهته، قاصّاً شاربه على طريقة هتلر الحقيقي كما يظهر في صوره، لابساً معطفاً اسوداً بازرار معدنية لامعة سراوين بصليب معقوف في اعلاها، و بعدد من النياشين التي اهديت له من الاهالي و من ضباط متقاعدين او سابقين هناك (اعتزازاً) به.

ظهر بوجهه ذي الشبه الكبير بوجه هتلر، هازّاً عصا الماريشالية التي اهديت له، بيده و ملوّحاً بها في الهواء . . و بعد ان حيّاهم بيده التي تحمل بايب تدخين معوجاً و كأنه زعيم فعلي، ذهب الجمع خلفه و خلف من قاموا بحمايته محيطين به التصاقاً، نحو (شارع عشرين) حيث مقهى (الثورة العربية) و كانت تسمىّ مقهى الريّس . . كما هتف الجمع :

ـ الى الثورة العربية !

          كان جاسم ابو تقي مواطناً من اهالي الاعظمية ـ الدهدوينة، مفتول العضل عمل كعامل بناء و تكسير الصّبات الاسمنتية، و لكثرة الشبه بينه و بين الزعيم النازي كما قيل له و تردد على سمعه، دخل في وهم عميق بأنه وريث هتلر، و كان يذهب يومياً الى مقهى يقابل مدخل ضريح ابو حنيفة النعمان، حيث لديه مقعد حرص رواد المقهى ان يجعلوه اثيراً و محجوزاً له، فيجلس هناك و يدعوه الجالسون الى الشاي و الى مايحب على حسابهم، و يتلطفون معه و ينادونه بـ (الزعيم) . .

و كان يخرج ايّاماً في الفجر لتحية السيارات العسكرية الحاملة للجنود بعد جمعهم الاصولي من اماكن الواجبات، لتحيتهم و كانوا يجيبونه بتحياتهم له بكل جد، و كان يقول انه يخرج لتقوية روحهم المعنوية و الاستعداد للحرب و النصر لأن الحرب العالمية الثالثة لابد ان تأتي و لابد ان ننتصر !

          و بعد سنين عرفت ان هناك اوساطاً من اهالي الاعظمية كانوا يشجّعونه على القيام بدوره ذلك و يصرفون عليه، لجعله احد رموز المعارضة للاستعمار البريطاني و للصهيونية و اسرائيل، باعتبارهم هتلر الذي فتك باليهود، كان صديقاً لـ (القضية العربية) بتحالفه مع مفتي الديار الفلسطينية امين الحسيني . . دون تفريق بين القضية اليهودية و الصهيونية، و لكن استنكاراً لما فعلته العصابات الصهيونية الاستيطانية من مذابح بحق الفلسطينيين المدنيين العزّل. و كان ذلك يحرّك اوساطاً شعبية ليست قليلة من اهالي الأعظمية، للمعارضة . .

          خاصة و ان عدد كبير من عوائل اللاجئين الفلسطينيين كانوا يسكنون في اطراف متنوعة من الاعظمية و خارجها، و كانوا محل تعاطف و محبة من قبل الاهالي هناك، خاصة و انهم كانوا يقومون بما توفّر لهم من اعمال بصورة ناجحة و امينة، و كان طلبة و طالبات عوائلهم من الاكثر شطارة و تفوقاً في الدراسة . .

          و لا انسى يوم تزوجت احدى الخالات و كانت طالبة في كلية الإقتصاد، من زميل لها في الكلية و كان فلسطينياً من العوائل اللاجئة من القدس الى الاردن، حصل على بعثة دراسية الى كلية الاقتصاد في بغداد، و كان متفوقاً بالدراسة . . و ذهبنا نزفّها بسيارات التاكسي الى بيت ابنة خالته التي كانت تسكن

مع عائلتها في شقة من شقق اللاجئين الفلسطينيين، الذين سكنوا في سلسلة عمارات سكنية ذات خمسة طوابق، تطل على شارع غازي، و على الطريق الواصل بينه و بين مستشفى الطوارئ القديمة في الشيخ عمر . .

          حين نُحرت ذبائح عند اقدام العروسين و ختمت دمائها بالكفوف على باب الشقة و الحيطان الخارجية . . و حين امتلأت الشقة الصغيرة بالمهنئين و الحضور حتى تقطّع النَفَسْ في غرفتين كل منها ستة امتار مربعة بحضور فاق على المئة من رجال و نساء و اطفال، و شموع عسل كبيرة متوهجة بنيران كبيرة، و انواع الكيك و الشوكولا و الجكليت و الشرابت الموضوعة على ماتوفّر من مناضد ، وسط الزغاريد الفلسطينية و العراقية :

ـ ههههههههو هههههههها ياقَمَرْ طلّ علَيْنا

ـ ههههههههو هههههههها يابنتنا طِليّ

ـ ككلللللللللش ككلللللللللللش اووو  زوّجنا و خلصنا منّه  

 

          و كانت شقة ابنة خالة العريس تقع على الطريق الموازي، لزقاق خلف كراج امانة نقل الركاب ـ شارع غازي، كان فيه مقام الشيخ كُمر، الذي اشتهر بفك السّحر و علاج الامراض النفسية و قراءة الحظ و البخت، الزقاق الذي كان مزدحماً دائماً بالناس و مرضاهم و حيواناتهم التي ينوون تقديمها للشيخ كنذور لعلاج ذويهم، غلب عليها الغنم و الديك الرومي و انواع الفواكه و الحلويات . .

حين كنا نذهب بسيارة ابناء العشيرة القادمين من الحلة و الشّاديّن على سقفها خروف منذور للشيخ . . مصطحبين اختهم الكبرى الجميلة التي كانت منذورة بالزواج الى سيد من اولياء الله كما اوصى والدها عند وفاته، و حطّم بذلك حياتها و مستقبلها و صارت بكماء توقّفت عن الكلام، بعد عشق لإبن عمها مزهر، عشق طاهر ذاع صيته و عفّته . . و كانت والدتها تقول لن يفكّ عقدتها الاّ الشيخ كمر، و كان والديّ رغم عدم تصديقهما لتلك الخزعبلات، كانا يعتنيان بطلبهم رأفة و حباً بتلك الاخت الجميلة المنكودة الحظ . .    

. . . .

. . . .

          عادت المياه الى مجاريها الاعتيادية بين الملازم الاول سعدون و ابن عمه الوزير عبد المحسن بعد حادثة الطائرة في الغدير و تنحيته من القوة الجويّة، و واصل عمله كمرافق له و مدير مكتبه بعد ان نُقل الى القوات البرية، في الفرقة الثالثة ـ بعقوبة، الى اللواء العشرين الذي كان يقوده الزعيم الركن عبد الكريم قاسم، و مقر قيادته في منصورية الجبل، وفق تنسيب اللواء. و عمل الوزير عبد المحسن على مساعدة سعدون في سفره و خطيبته الماس و امها الى قبرص لعقد الزواج بعد استلامهم للدعوة الاصولية المقدمة لهم من مكتب الحبر الاعظم هناك . .

          اتمّ سعدون مراسيم الزواج على عجالة اثر الحاح ابن عمه الوزير، على حاجته الملحة و العاجلة له، لأنه سيعمل بكل قوته على عدم توقيع المعاهدة العسكرية الجديدة مع البريطانيين . . و سكن العروسان في بيت صغير اعدّته ام العروس ياسمين لهما في بغداد الجديدة . .

          اتّصل الوزير عبد المحسن بإبن عمّه سعدون، طالباً منه الحضور الفوري الى بيته لأمر هام، و قال له :

ـ اسمع سعدون . . البريطانيون مصروّن على عقد المعاهدة العسكرية الجديدة، و لن ينفع لإجهاضها الاّ القيام بتظاهرات كبيرة تستنكرها و تمنع عقدها، كما حصل في وثبة كانون 1948 قبل ثماني سنوات، خاصة و ان الشعب بكل مكوناته ضد عقدها . . اتّصل بكل من تعرفه من صلاتك للتهيؤ و القيام بذلك و سأخبرك بالموعد . . المهم الآن التهيؤ !! و اخبرني عمّا تحتاجه من مصاريف تغطيّ سرعة التحرك . . صحف المعارضة للحزب الوطني الديمقراطي، و لحزب الشعب و الأهم لصحيفة " كفاح الشعب " للحزب الشيوعي العراقي السريّ، هي و اخبارها الاوسع انتشاراً بين الناس . . كلها تدين عقد المعاهدة الجديدة. المهم ان تجد طريق للاتصال بالشيوعيين، لأنهم الشباب الانشط !! و بالتأكيد هم ينسّقون  نشاطهم مع المنظمات و الاحزاب الديمقراطية و القومية كعادتهم . . و وفق التقارير الأمنية للوزارة، و وفق (اطّلاع الوزراء) . .

          اتّصل سعدون بنسيب عشيرتهم رحيّم بعد ان زارهم في البيت، و كانت زيارته الاولى لـ رحيم و سعاد، حاملاً معه هدايا متنوعة من حلويات و فواكه . . و تناقشوا طويلاً بما يحصل و اهمية الاستعداد

بحضور برهوم الذي ابدى استعداداً كبيراً للنشاط و للتنسيق بين كل القوى الوطنية و القومية، من جهة اخرى ابدى رحيم استعداده للتحريك و للتنسيق مع الاوساط الكردية في بغداد، من خلال الحزب الشيوعي الذي يضم ابناء كل القوميات و الاديان، و بالاتصال مع الجمعيات الكردية الفيلية المحبوبة، و المعروفة باعمالها و نشاطاتها الخيرية للشعب . .

          و في غمرة فرح سعدون باستعداد اقاربه للتنسيق و التعاون معه، اتّصل بالعم ميخا و اوضح له مايجري الاستعداد له و ضرورة تحريك الآثوريين في مختلف مناطق بغداد و حيث يسكنون، و ضرورة الاتصال بالثوار الكرد في الجبال و ممثليهم في بغداد من الحزب البارتي، للاستعداد لذلك خاصة و ان بياناتهم تؤيد ذلك . . و بينما بدأ الجميع بالتحرّك و الاستعداد، ذهب سعدون الى صديقه سعيد المصلوب و التقاه في بانسيون ماري و تناقشا حول مايمكن عمله، خاصة على صعيد متابعة نشاطات السلطة الحاكمة . . 

          خرجت ريتا من مخدعها و سلّمت على سعدون و دعته الى شرب شئ في غرفتها، وافق سعدون و تبعها الى غرفتها بعد ان اتم حديثه مع سعيد الذي اكّد لسعدون على ضرورة العناية باخبار ريتا، لأن ضيوفها في الفترة الأخيرة اغلبهم من الانكليز و من الرتب العالية . . استقبلته ريتا في غرفتها على عادتها و وسط ضحكاتها، بأن رمت سروالها المعطّر بعطورها و رائحتها، على وجهه . . و بعد العناق و و و . . ناما عاريين معاً و استيقظ سعدون على استلقائها على بطنه و مداعباتها، و هي تقول له:

ـ ابليت بلاءً حسناً اليوم معي، اني اشتاق لك من صدك، و لاتطوّل الغيبات عنيّ، انت ما خليّت شي بعد . . . بعد ان سمحت لك تلعب براحتك . . ولك انت خبّلتني !!

و اضافت :

ـ سعدوني، منذ يومين و القوات البريطانية باقصى درجات الإنذار و لم استطع معرفة السبب، و فهمت ان اهم معسكرات الجيش و حماية العاصمة بغداد، وضعت تحت الإنذار ج و هو اعلى درجات الإنذار، و أُلغيت الإجازات الدورية العسكرية الإعتيادية للضباط و المراتب !! و يقولون انه ستحصل مفاجئات و العلم عند ربّ العالمين . .

 

                                                          ـ 10 ـ

 

                                                           من هو؟  

 

          كانت والدتي قد سجّلتنا في فترة سابقة في روضة اهلية تأسست حديثاً في الاعظمية وصلتُ فيها الى الصف التمهيدي الممهد للصف الاول ابتدائي، و هي مدرسة الإرشاد الأهلية في الاعظمية في بناية عبارة عن فيلا سابقة، تقع خلف ثانوية الحريري للبنات، و كانت تتكون من روضة اطفال و صف اول و ثاني و ثالث ابتدائي، و كان ذلك اجباريّاً على الوالدين كي لا نبقى وحدنا في البيت اوقات دوامهما  كمعلّمَين في مدارسهما . . و طبيعي مقابل اجور يدفعها الابوان، و كنّا نتأخّر بالدفع احياناً بسبب الوضع المادي للعائلة.

          كانت المشكلة تحصل عندما يتأخّر دفع الاقساط، حيث كانت المعاونة (ست كميلة) العانس التي فاتها قطار الأفراح و الاعراس، بسبب عصبيّتها او يمكن بسبب شعورها بأنها خُلقت لتكون زعيمة مقابل شقيقتها المديرة (ست نبيهة) الحلوة الطيّبة في تعاملها معنا و التي كان يحبّها الاطفال، رغم كونهما شريكتين بتأسيس المدرسة . .

كانت المعاونة كميلة تقف لنا بالمرصاد و تصيح بنا (اذا اهلكم ماعدهم فلوس ليش يدزوّكم عدنا)، و كانت تحاول ان تتحيّن اية فرصة لضرب اخي الكبير بعصا غليظة كانت تتمنطق بها . . و قد حصلتُ  على راشدي منها يوماً، جعلني اشاهد نقاطاً تشتعل و تنطفئ هي نجوم الضحى كما يقال، و قد سقطت على الارض بفعله عند نعالها و هي تصيح بي : قوم ! قوم !! يكفي تمثيل . . هيجي علّموكم اهلكم ؟؟ . . وسط صياح المديرة نبيهة عليها : كافي كافي كميلة راح تموّتي الولد !  

          و طبيعي كنّا نخبر امّنا بما يحصل لنا و كانت تبكي، و لكّنها كانت تسرع لتدبير القسط المحدد بالاستدانة من جدتي امينة او من احدى زميلاتها المعلمات و خاصة من السيدة خولة ابنة الشهيد القومي الثوري كامل شبيب و السيدة نجلاء ابنة اخت العقيد ناظم الطبقجلي، للصداقة القديمة لأمهاتهن مع الحاجة امينة، و كان عباس المعروف عنه كونه من دراويش الشيخ فخري هو سائق الباص الخشبي الذي يقلّنا الى الروضة . . . و كان يخفف من آلامنا و احزاننا نحن الاطفال بكلمات حلوة و نكات و اهدانا يوماً قطة شامية بيضاء احببناها، و كان يخبّر الوالدة عمّا يحصل لنا، بعد التخفيف عنها ( ستنا يابنت الشيخ فخري، انت أعرف بالحياة و صعوباتها، الحياة تتطلّب صبر . . ان الله مع الصابرين . . تصير سوالف).

          كنا نشتكي للوالدة من الطعام الذي ترسله معنا الى الروضة للغداء بالسفرطاس، الذي لم يكن اكثر من رز لوحده، قطع بطاطا مسلوقة، قطع طماطة و خيار و قطع صمون او خبز . . فكانت تجيب ( ولدي آني احضّرلكم دائماً نوعاً من : عروك طاوة، كبة حلب، مخلمة، قطع دجاج مشوي . . اضافة لما تقولون، و اضافة الى الفواكه)، كنّا نصدّق والدتي، و لكن لم نعرف السبب، حتى قالت لنا ابنة جيراننا الطالبة في الثالث الابتدائي . . المعاونة كميلة و فرّاشتها يسرقون الطعام و يأكلوه هم !!

          فاخذنا نأكل طعام الغداء دون اخبار الوالدة، و نحن في الباص الخشبي السائر نحو الروضة في الصباح، بعد دقائق من تناولنا الفطور في البيت و نترك الرز و البطاطة و الطماطة و الخيار للغداء ، كي لايقع غدائنا الاصلي بيد المعاونة كميلة . .

و كانت بطوننا تؤلمنا لذلك، و كنّا نتحمّل تلك الآلام لأننا حققنا الانتصار على المعاونة كميلة و لم نُغلَبْ و لم نُسرَقْ. الى ان جاء يوم دخلتُ فيه غرفة المطعم و كنت اول من دخل فيها من الاطفال بالصدفة، و شاهدت هناك المعاونة كميلة و فرّاشتها و هما يفتحان السفرطاسات، بحجة نشر الطعام على المائدة . . و كانتا تأكلان و تجمعان افضل ما موجود من طعام الاطفال بقِدْر حملته الفرّاشة ليحملاه معهما خارج غرفة المطعم . . و شاهدتني !!

قالت بصياح :

ـ ويلك ياكلب ابن الكلب !! هاي ليش امكم ماترسل معاكم طعام ؟؟ هاي امكم ماتحبكم، هاي كلبة بنت كلب !!

لم اتمالك نفسي و صحت بها باعلى صوتي :

ـ انتي كلبة بنت الكلب مو أميّ !!

واجهتني ملوّحة بعصاها الغليضة التي كانت تئزّ في الهواء، تريد ضربي على رأسي . . هجمت عليها و وصلت ساقها لصغري و عضضت عليها، حتى نزف ساقها و تداخلت خيوط جواريبها النايلون باسناني، و هي تعيّط رامية عصاها في الهواء، منكفئة على جرحها الذي كان جرحاً حقيقياً نازفاً، و هي تعيّط اعلى و اعلى . . فيما هربت الفرّاشة رامية قدر الطعام من يدها، و اخبرت المديرة نبيهة بما حصل، فجاءت المديرة مسرعة وسط الاطفال الذين بدأوا بالدخول الى غرفة المطعم، و كانت المديرة نبيهة تردد بصوت مسموع للمعاونة كميلة :

ـ الف مرة اخبرتك . . اتركي هاي العادة الوسخة اتركيها !!

و كنت واقفاً جامداً يحيط بي اخوتي و انا اقول لهم :

ـ شتمت أمنا و ارادت ضربي بالعصا هاي السفيهة !

صاحت المديرة على السائق عباس :

ـ ابو فاضل آتيني بالولد بهدوء و حتى يهدأ الى غرفتي لأتحدث معه.

لم يتحرك عباس و بقى يبحلق فيها الى ان أكّدت له :

ـ لا تقلق ابداً . . ساتحدث معه بهدوء و ساتصل بأمه لتأتي اليه و الينا.

جاء السائق عباس جنبي مهدّئاً و قال :

ـ ابني انا معك . . و بهمس : عاشت ايدك يا بطل ! و سابقى جنب الباب، اذا احتاجيت ايّ شئ صيّح عليّ و الاّ انعل ابو هالشغل !!

          بعد حدود نصف الساعة، وصلت الوالدة الى الروضة و صعدت الى الطابق العلوي حيث غرفة المديرة، و ما ان رأيتها و هي كاللبوة الجريحة حتى اجهشتُ بالبكاء بفمي الملوّث بالدم و بخيوط النايلون التي شبكت على اسناني من جواريب المعاونة كميلة . . و لم استطع الكلام سوى :

ـ ماما . . انها شتمتك . . و ارادت ان تضربني بعصاها و هي ليست المرة الاولى . .

و صاحت على المديرة نبيهة :

ـ هاي نتيجة اللي يثق بيكم . . ولج هذوله ولدنه ياعالم . . هذا اعقل اولادي، اشوفه لأول مرة و كأنه ضائع . . ليش ؟؟؟ هَمْ ضرب و هَمْ اهانات و هَمْ تاكلون اكلهم، زقنبوت انشاء الله ببطونكم . . ولج ماتخافون من الله نبيهة ؟! وينها كميلة ؟؟

ـ ست سعاد . . ست سعاد استريحي الله يخليّج حتى اكدر اوضّحلج . .

ـ وينها كميلة . . و الله اكلب الدنيا على راسكم، هي هاي تربيتكم في مدرسة الإرشاد النموذجية ؟؟ ولج داندفع لكم ثلاثة اقساط شهرياً تسويّلها راتب شهري كامل لمعلمة . . ماتخافون من الله ؟؟ شنو عدها كميلة و ايّانه ؟؟ خريجة متوسطة، حتى دورة تربوية ما داخلة و صايرة معاونة روضة و ابتدائية تضم بحدود 200 طفل . . اشتكي عليكم بالتربية و عند الواعظ العام، ولج احنا عوائل الوعظ و الإرشاد . . انتظري و الله اغلق الروضة مالتكم !! و اجهشت بالبكاء و التمت حولها المعلمات يهدّآنها و بكلمات دافئة و حانية و هي تعرف اغلبهن، و اتوا لها بالماء البارد و الشاي و ( تفضلي بغرفتنا ست سعاد . . تفضلي هنا ) . .

          و بقيتُ صامتاً و انا اراقب مايجري . . لم اكن اعرف ان أميّ الجميلة الوادعة بهذه القوة، و بهذه المكانة التي جعلت كل المعلمات يتراكضن لإرضائها، و مرّت ببالي المشاهد التي صنعتها لنا المعاونة كميلة . . من راشدي نجوم الصباح و سقوطي عند نعالها، و من ضربها اخي بعصاها و تورّم رأسه و الى هجومها بعصاها عليّ و قولها الذي اخجلنا نحن الاطفال (اذا اهلكم ماعدهم فلوس ليش يدزوّكم عدنا) . .

اخذتنا والدتي نحن الثلاثة الى البيت بسيارة زميلتها خولة شبيب و هي تهدّأنا و تقول :

ـ من اليوم بعد ماتذهبون لهاي الروضة و تبقون بالبيت و نرتّبها بأية طريقة . . يمكن ان احوّل دوامي الى مسائي بالمدرسة المجاورة لمدرستنا . . ياللا احبائي ياللا . .

          و منذ ذلك اليوم تقاطر على بيتنا عديد من معلمات الأعظمية و مربياتها و كان ابرزهم : المديرة نعيمة القره غولي، خولة شبيب، نجلاء الطبقجلي، بنات شيخ رشيد المعروفات بالثورية، سريّة الريزه لي، زكيّة الدباغ الموصلي ام الشباب الثوريين، سعاد الخضّار ذات التوائم الثلاث . . يطلبن من والدتي الرأفة بالمديرة نبيهة و هي مستعدة لكل التعويضات، و ان المشكلة ليست بها ان سُجّلت الشكوى على الروضة بالاسم، لكون الروضة مسجّلة باسمها، و انما بشقيقتها كميلة التي اشتهرت بالكسل في حياتها كطالبة، و اذا أُغلقت الروضة ستُرمى نبيهة الى الشارع . . و والدتي لاتوافق على طلبهن . .

حتى وصلت المديرة نعيمة القره غولي الى احالة المعاونة كميلة الى مجلس انضباط وزاري يقرر حجم الغرامة ضدّها و يقرر اجبارية دخولها الى دورة تربوية للاطفال، يتقرر بعدها مدى صلاحيّتها معرفياً و نفسياً للخدمة العامة، و الاّ لن يُحق لها العمل في اي مجال يتعلق بتربية و تعليم الاطفال . . 

. . . .

. . . .  

و بعد كم يوم من تلك الحادثة . . و فيما تحوّل البيت الى خلية نحل نشطائها : الصحفي برهوم، الضابط سعدون، ابن العم عامل الطباعة يعرب البراك، الجامعية بثينة البستاني و والدي . . نشط الآخرون : د. نزيهة الدليمي، د. عبد الصمد نعمان، د. عبد الأمير السكافي في بيت آخر، حفاظاً على سريّة النشاط . . و كنّا نحن الصغار ننقل رسائل بينهما كلّما تطلبت الحاجة، او نعطي اشارة ان استجد شئ مريب ما في الشارع . . للتهيؤ للمظاهرات، و الانطلاق بها عند تحديد الموعد.

من جهة اخرى بقي سعدون حائراً بقضية الإنذار العسكري فوق العادة و اسبابه، الذي لم يشعر به و هو الضابط النشيط العائد للواء العشرين دروع في قاطع بعقوبة . . فأخبر سريعاً  ابن عمه الوزير عبد المحسن بالانذار، و قد تفاجأ ايضاً و اسرع بالاستفسارات المناسبة غير المباشرة و بمنتهى السرية و الحذر في وزارته و في مجلس الوزراء و لكن دون جدوى . . و لم يتوصلا الى تفسير، و بعد نقاشات و نقاشات، قال الوزير :

ـ عزيزي سعدون، ضروري الاستفسار من الشيوعيين بأية طريقة، لأنهم بسبب نشاطهم الكبير المتواصل في مختلف القطاعات الشعبية، اضافة الى الحكومية بمواقعهم فيها بسبب مؤهلاتهم العلمية و الوظيفية، و لعلاقات حزبهم الاممية و جديّتهم و استعدادهم للتضحية في سبيل المبدأ و الوطن لروحهم الوطنية و اخلاقهم و حبّهم للبلاد، كل ذلك و غيره صنع لهم نفوذاً و علاقاتٍ متنوعة في المجتمع، لابدّ ان يعرفوا شيئاً خاصة و ان من بينهم اعداد ليست قليلة من العسكريين، تشهد عليهم قوائم الإحالات على التقاعد و الطرد و انهاء الخدمة من الجيش بسبب الشيوعية . . . و بقيت السلطات تخاف منهم في الجيش.

          قال يعرب، الشيوعي النشيط الذي صار يسكن عندنا لمساعدة العائلة بالبقاء مع الاطفال وقت دوام الابوين بسبب حادثة الروضة، قال لسعدون . . انه من الضروري ترتيب لقاء بين الوزير و بين احد القياديين من الحزب الشيوعي سريعاً، لأن هناك قضايا قد لا يعرفها كما قال، او محصورة سريّاً بين القيادات . . و اتفقا على ذلك في وقت لم يعرف فيه احد ان يعرب هو احد المساعدين النشيطين للسكرتير الجديد للحزب الشاب سلام عادل . . الذي وحّد الحزب مجدداً. 

          بعد يوم او يومين، اخبر سعدون الوزير عبد المحسن بأنهما مدعوّان الى الغداء في بيت جدتي الحاجة امينة شقيقة سعدون من الأم، بحضور رحيّم و برهوم . . و حضور شخصيّة دينية جاءت للتبرّك بالحضور الى بيت الشيخ فخري بمناسبة يوم تخرّج الوجبة الاولى من طلبة كلية الشريعة الإسلامية على يده. و اخبره انه يمكن من خلال الدعوة نعرف جديد عن الإنذار . .

و ردّاً على سؤال سعدون للوزير عن مدى ثقته بعائلة الحاجة امينة، قال الوزير :

ـ عزيزي سعدون عيب ينطرح مثل هالسؤال و بهذه الصيغة . . هذول عشيرتنا و عائلتنا، خاصة عائلة مزهر ابن وجيهة البطلة اختك، مزهر المسجون مؤبد الآن في نقرة السلمان بسبب رفضه للانكليز و رتّبوا له تُهم اوصلته للمؤبد . . شلون ما اثق بيهم ؟؟ تره اللي ما إلَهْ اوّل ما إلَهْ تالي !!

. . . .

. . . .

          زار الوزير عبد المحسن رفقة مرافقه سعدون، اخت سعدون غير الشقيقة الحاجة امينة، و كانا محمّلين بالهدايا الاصولية للتكايا الصوفية من كيس رز و كم تنكة دهن و اكياس لإقتصاد منزلي متنوع كعطايا للفقراء عبر التكية . . و استقبلتهم الحاجة امينة ببرقعها و قرائتها آية الكرسي و آية الحمد و رش ماء الورد الذي قامت به ابنتها سعيدة بعد ان لبست برقعاً. . و كان رحيم و برهوم واقفين يحييان الضيف الوزير الزائر . .

          و بعد احاديث تعارف و تلطيف حضور، صارت الأحاديث تدور حول الصحفي المعروف برهوم و اخباره و النشاطات الرياضية و خسارة الفريق العراقي بكرة القدم في انقرة مقابل الفريق التركي، بسبب غزارة الامطار و دخول ثور هائج (او جاموسة) الى الساحة، لم يُعرف حتى ذلك الوقت، كيف دخل و من اين دخل و من ادخله ؟؟ مقابل فوز الفريق العراقي بالمصارعة على الفريق التركي هناك و فوزه بالميدالية الذهبية لأكثر الاوزان، و قد اعتبرت الاوساط الرياضية العراقية، ما حدث في ساحة كرة القدم انتقاماً تركيّاً على خسارتها نزالات المصارعة التي حافظت على ميدالياتها الذهبية لسنين . .

          طُرق الباب و فتحه برهوم و رحّب بالقادميَنْ الاثنين، و كانا يعرب البراك و شيخ ديني ذا شارب و لحية خفيفة شيباء، و بفينة حمراء مطوّقة بشريط اخضر على رأسه و جُبّة (الرداء الاسلامي)، كدلالة على عائديته لتكية متصوّفة، و سلّم على الحاجة امينة باحترام و بآيات من القرآن و بسملات باسم التكية الحيدرية، التي ابكت الحاجة و ذكّرتها بمساعي زوجها الراحل الشيخ فخري للتقريب بين التكية الحيدرية و القادرية، التي كانت آخر نشاطاته قبل وفاته، و ذكّرتها بمراسم العزاء التي اقامتها التكيتان على روح زوجها في الجامع الكبير في السليمانية، بحضور وفد كبير من علماء كلية الشريعة برئاسة الحاج بشير الأعظمي، و حضور الوفد بعد عودته من السليمانية لزيارة الحاجة امينة و ابلاغها بالفعالية التي جرت، و بأنهم باقون على درب المرحوم الشيخ فخري  . .

          و بعد تناول الغداء و تقديم الشكر للحاجة أمينة على دعوتها، شكرتهم الحاجة أمينة على زيارتهم لها و انسحبت من مجلس الرجال، داعية برهوم و يعرب للقيام بواجبات ضيافة المجلس من فواكه و شاي و حلويات و مايحتاجونه . . و نقل برهوم ماحدث من حوار و قال :

تكلّم الشيخ الحيدري موجهاً كلامه للوزير الضيف المذهول من لقاء الشيخ، قائلاً :

ـ احدّثك باسم قيادة الحزب الشيوعي العراقي و احييك على مبادرتك في هذه الظروف، و انا مستعد لو سمحت لتوضيح عدد من الامور التي يبدو انكم لم تنتبهوا لها او لم تأخذوها مأخذ الجد بسبب مشغولياتكم الكثيرة و ما يجري في البلاد و كيفية تطوّر الاحداث في منطقتنا . . كما علمت من الرفيق يعرب، و قد نكون مخطئين.

ـ اهلاً و سهلاً و يشرّفني اللقاء بكم، فعلاً هناك عدد من المسائل التي بوديّ معرفتها و مناقشتها معكم، و ماطرحه الاخ يعرب ليس خطأ ابداً، هناك انذار مشدد و فوق العادة بين القوات البريطانية و قوات الجيش و حامياته في بغداد، و نحن نتهيأ للإحتجاج ولمحاولة ايقاف توقيع الاتفاقية العسكرية البريطانية ـ العراقية الجديدة، و لم نعرف سبب ذلك و لم يُنشرْ علناً.

ـ من خلال الاجتماع العاجل للاحزاب الشيوعية العربية في دمشق، الذي ضم الاحزاب : العراقي، السوري اللبناني، الفلسطيني، الاردني و المصري، و بحضور ممثل عن الحزب الشيوعي السوفيتي، توصلنا الى التالي : الوضع في الشرق الاوسط يشهد صراعاً حادّاً قد ينفجر في اية لحظة، من اجل اتمام سيطرة اسرائيل على بحيرة طبريا لتوفير الماء العذب لإسرائيل من جهة، و لتصاعد الصراع بين عبد الناصر و الغرب الذي رفض تقديم قرض اصولي لحكومة عبد الناصر لبناء السد العالي، الاساس لتقوية الاقتصاد المصري و حل مشكلة فقر ملايين الفلاحين هناك، الامر الذي جعل عبد الناصر و اذاعات مصر تهاجم الغرب و اسرائيل، و الغت مصر صفقة السلاح الفرنسية و استعاضت عنها بصفقة تسليح كبرى مع جيكوسلوفاكيا، دفع نفقاتها الاتحاد السوفيتي، و اخذت تهدد بتأميم قناة السويس التي ان حصلت ستكون اول عملية تأميم في البلدان العربية، تفتح ابواباً لتأميم النفط فيها . . و ممكن متابعة ذلك من اذاعات القاهرة و صوت العرب، و حتى اذاعة اسرائيل و صوت اميركا . .

ـ فعلاً تزايد نشاط اذاعة صوت العرب من القاهرة ضد الغرب، و تزايد الاستماع لها من الناس عندنا، لكننا نتساءل عن الانذار العسكري عندنا !!

ـ نعم، انا اوضّح ذلك لتفسير علاقة بلادنا بما يجري . . العراق عضو في حلف السنتو (حلف المعاهدة المركزية في بغداد) الذي يضم تركيا، ايران، افغانستان بقيادة بريطانيا و اشراف الولايات المتحدة، و في كل هذه البلدان و منها بلادنا توجد قواعد عسكرية فاعلة بريطانية ـ اميركية . . التي تشكّل قوة الغرب العسكرية الموحدة في الشرق الاوسط . .

و المعاهدة العسكرية البريطانية الجديدة عندنا، هي لزيادة القدرة الحربية للغرب في بلادنا لتقوم بدور اقوى فيما سيجري و هو : ايقاف عبد الناصر عند حدّه و منعه من التأميم، و لتوفير الماء العذب لإسرائيل من طبريا، لأنها تعيش على : مياه العيون و الآبار التي غالبية مياهها مالحة و جزئياً على القسم الشمالي لنهر الاردن قبل مصبه في البحر الميّت الفائق الملوحة، لإنعدام الانهار فيها . .

و نحن نتوقع اندلاع حرب بين اسرائيل و احدى جاراتها بدعم الغرب، خاصة و ان اسرائيل وضعت قواتها تحت الانذار، و يلتحق الآن الوف المتطوعين الصهاينة بقواتها، القادمين خصوصاً من الولايات المتحدة . .

نتوقع الهجوم على مصر الآن لأنها الاكثر التهاباً، و طبعاً سيضعون كل القوات المسلحة الوطنية و الغربية في المنطقة تحت اقصى درجات الانذار، لأنهم ممكن ان يستخدموها في الهجوم، نحن نتضامن مع حكومة عبد الناصر و نناضل من اجل الخروج من حلف السنتو و الغاء القواعد العسكرية البريطانية في البلاد، لأنها ممكن ان تجرّنا الى الحرب !! و من اجل الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني و حقوق اللاجئين . .

ـ . . . . .

و صفن الوزير عبد المحسن و دخل بصمت طويل، ثم قال :

ـ نعم تفسير واضح . . بس هل احنا نكدر ؟؟؟

ـ نعمل اللي نقدر عليه و اساساً من اجل عدم زجّ بلادنا بالحرب، بتنظيم قوى شعبنا بكل قواه السياسية و احزابه و مكوّناته من اجل الخبز و الحرية، و هناك قوى عالمية تساندنا و لها حق الفيتو في مجلس الأمن بزعامة الإتحاد السوفيتي الداعم لقضايانا، كما يدعم الآن عبد الناصر بالمال و السلاح !! و بالتأكيد ستبرز قوى دولية كبرى اخرى تؤيدنا، بفعل التنافس و الخلافات التي ستزداد قوة بين الدول الصناعية و التطورات المتفاوتة لإنتاجها الباحث عن اسواق لتصريفها، التي قد تؤديّ الى حروب بينها . . نحتاج حكومات وطنية تعمل لخير و تقدم شعوبنا بعيداً عن العنصرية و التعصب القومي و الطائفية !

ـ نعم . . بس عبد الناصر جاء بثورة و قلب كل المقاييس في مصر . .

ـ و احنا نشاطاتنا ان تجمعها و توسّعها و تستمر و تتصاعد، تهئ ايضاً لثورة، مو صحيح ؟؟

ـ نعم نعم عزيزي، و اشكرك على التوضيحات !!

ـ بس مع الاعتذار لجنابك الكريم . . علينا ان ننشط بحذر و نؤسس و نحافظ على تقاليد سريّة بالنشاط و العمل، بعيداً عن الغوغاء و الإدعاءات الفارغة، و على كسب العناصر و الوجوه الوطنية . .

. . . .

. . . .

و اضاف برهوم . . ثم تسالما بحرارة و استأذن الشيخ الحيدري بالذهاب، بعد ان اتّفقا على التواصل كلقاءات او برسائل قصيرة بيد يعرب . . و خرج الشيخ لوحده تاركاً يعرب معنا بعد ان وشوش شيئاً باذنه و هو يخرج . . و بدا و كأن الطير على رؤوسنا من صمتنا.

سأل برهوم يعرب :

ـ هل ممكن ان نعرف من هو الشيخ ؟ لأن ليس من المعقول ان يكون شيخ متصوّف في قيادة الحزب الشيوعي . .

ـ انا لا اعرفه شخصياً و انما طلبت بشكل سريّ من قيادة الحزب، ان يرسلوا لنا بالسرعة احد القياديين للاسباب كذا و كذا . . فارسلوا لي موعد و اشارة اتّصال معه.

قال الوزير : رجل فاهم و اطلاعه السياسي واسع و مقنع، هادئ و يستمع و يناقش بهدوء المتمكّن، و اعطانا ملاحظات هامة للنشاط . . بعدين ياجماعة، يعني ممكن ان يكون سياسي شيوعي من عائلة متدينة كعائلة الشيخ فخري . . يعني احنا مو مجتمعين ببيت الشيخ فخري الآن ؟؟

رحيم : يبيّن انه مطّلع على شؤون التكيات الصوفية و ركّز على التكية الحيدرية و القادرية حتى ابكى الحاجة امينة، احتمال ان يكون من عائلة الحيدري المتصوفة، اللي تكيتهم و طريقتهم في اطراف شقلاوة و على الاكثر في خوشناوتي هناك . .

برهوم : هناك شخصية شيوعية قيادية معروفة هي جمال الحيدري من عائلة الحيدري الكردية، يقولون انه يتخفىّ بالملابس الدينية التصوفية في تحركاته و مواعيده، و كان يصدر هو و رفاقه جريدة " راية الشغيلة " و هم الجناح الاكثر ثورية في الحزب الشيوعي، على حد علمي . . يمكن الآن توحّدوا بقيادة الشاب عادل سلام او سلام عادل لست متأكّد من الاسم تماماً و لكن على هالوزن . . اذا هو جمال الحيدري ففعلاً لدى الشيوعيين سياسيين فطاحل.

يعرب : فعلاً الحزب توحّد مجدداً بعد انتخاب الرفيق سلام عادل اللي وحّدت قيادته المنظمات الثلاثة الاساسية له : الحزب الاصلي ـ جريدة القاعدة (غير قاعدة بن لادن الارهابية)، راية الشغيلة، جماعة الى الامام او الجناح اليساري لحزب الشعب . . في كونفرنس الحزب التوحيدي هذه السنة.

 

                                                   

                                                           ـ 11 ـ

 

                                                            مفاجئات  

 

كانت عادة العوائل البغدادية ارسال ابنائها في العطل الصيفية الى ما يشغلهم او الى عمل للحصول على مهارة او صنعة ما منذ الطفولة ليتقنوها كباراً، كمساعدين او صانعين لفيترية او مساعدين لبقالة او في علوة او مطعم و غيرها من الاعمال، كبيع حلويات في ناصية الشوارع و ما يحصلوا عليه يكون لهم كدخل، كعادة تُعلّم الصغار معاني المسؤولية و العمل و الربح، او ليكونوا مساعدين لبيت العائلة في المصروفات . . اضافة الى  العوائل الفقيرة جداً التي تعيش بالكاد، التي لاترسل ابنائها الى المدارس، او تكتفي بحصولهم على الابتدائية، و ترسلهم لمختلف الاعمال الدائمية و المهن لتحسين دخلها حتى يصبح دخل الكفاف بدل العوز و الفقر و الجوع . .

و هناك عوائل اخرى ترسل ابنائها في الصيف الى بيوت الأعمام والأخوال، للمساعدة في اعمال البيوت، و لتقوية العلاقات العائلية الاوسع، و كانوا بذلك يخففون عنهم حملاً من بقاء ابنائهم في البيوت بلا شاغل او مشغلة، قد تحرفهم عن الطرق السليمة بوجود اعداد من اولاد الشوارع . . كان اهلنا يرسلونا الى بيت عائلة عمنا الكبير عبد الإله في محلة الفضل، لمساعدتهم في اعمال المنزل و التسوّق لغياب الأبناء الذكور . . الذين كانوا بشكل متّصل او شبه متواصل في السجون السياسية او مطاردين و مختفين خارج المنزل . . و كان البيت تحت رقابة شبه دائمة من رجال الأمن، بينما يعجّ ببنات العم الشابات الاكبر منّا سنّاً . .

كان بيت العم شرقياً واسعاً ككل بيوت تلك المنطقة، مكوّناً من مجاز واسع يفضي مباشرة الى غرفة الديوان (البرّاني) كما كانوا يدعوها، و هي للضيوف و مبيتهم، و كانت معلّقة في صدرها لوحة فنية كبيرة مهداة من الرسام الشهير آنذاك خالد الجادر . . كانت تُصوّر خيمة عربية كبيرة و ضيف وحرس وعبيد وسجادات حائط .

كنت انام في العادة في البرّاني، مع العم الذي كان يشكرني على المساعدة، بصوت غلب عليه الجدّ، و كنت اتناول الطعام معه ومع ابنته الأثيرة ضويّة المصابة بفقر الدم لاسباب لم تُحدد، التي كان يهيم بها لشبهها الكبير بأمه، و كان يحضّر لها قطع من الاكباد المشوية لتتناولها يومياً مع الطعام، و كنت اقوم بواجبات الضيافة لضيوف عميّ عند زيارتهم له . .

و كان المجاز ينفتح في نهايته الى اليمين على طارمة كان جزءاً منها مسقوفاً، حيث كانت هناك ماكنة خياطة منضدية، تقوم على خياطة الملابس عليها ابنة عميّ الكبرى ساهرة، التي تخرّجت حديثاً من دار المعلمات و اشترت براتبها الاول تلك الماكنة، ماركة سنجر . . و كانت بنات العم يجلسن حول الماكنة عند قيام ساهرة بالخياطة و هنّ في نقاشات متنوعة، و احاديث اجتماعية و سياسية بينما يكنّ منهمكات باعمال التفصيل و قص القماشات و مجلات المودة، و خاصة ملاحق مجلة "حوّاء " المصرية . . و يتحدثن مع ضيفاتهن، خاصة امرأة الحاكم الصغيرة الجميلة ذات فم اللوزة مريم، جارتهم باب على باب كما كان يقال، التي كانت تفصّل ملابسها عندهن  مقابل هدايا من اقمشة ثمينة كانت تحملها الى بنات العم . . أحاديث تستمر الى ساعة متأخرة من الليل او الى مجئ العم في تلك الساعات، فينهين جلساتهن، ليحافظن على الهدوء الذي يحتاجه لينام كما كان يؤكّد دائماً بصوت مرتفع.

. . . .

. . . .

          صباح ذات يوم زارتنا د. نزيهة للبيت و كانت معها رويدة بنت شيخ رشيد، المعلمة السياسية النشيطة التي اعتقلت اكثر من مرّة في المظاهرات، و طلبت من الوالدة ان كانت تستطيع مساعدتهما للذهاب الى بيت السجين السياسي يقظان، لأنها ارادت زيارة اخته ساهرة . . و بعد نقاشات توصّلن الى ان اذهب معهما لأدلّهما انا على البيت، فوافقت الدكتورة بعد ان تأكّدت من والدتي و منيّ بأني اعرف اين يقع البيت فعلاً، بشرط وصولنا الى جامع محمد الفضل على شارع غازي كما اشترطت . .

فذهبتُ مع المرأتين الملفعات بالعباءات، بتاكسي الى مكان الجامع و مشينا في زقاقه و دللتهما على البيت، و بينما اختلت د. نزيهة برويدة و ساهرة في البرّاني، و كان هدفها من الزيارة تعريف رويدة على ساهرة لأنهما كانا يقودان خطوط نسائية سياسية نشيطة آنذاك، كما عرفت بعد سنين، و بعد احاديث قصيرة تركتهما د. نزيهة . . و بقيتُ انا مع بنات عميّ اللواتي رحّبن كثيراً بي لأني لم ازرهن في ذلك الصيف الذي بدأ يقارب على نهايته . .

          و ذهبت مع ابنة عميّ هنّاوي التي كانت من سنيّ او اكبر منيّ بسنة واحدة، و كانت تجمعنا احاديث و احاديث، الى محل ناجي لشربت التمر هندي، الذي كان يعبّأه بالقناني الصغيرة لمشروب السودة، المكتوب عليها بالأنكليزية . . الشركة الغازية للسيفون الوطنية، او بدون كتابة او او مكتوب عليها " ايكو " فقط . . سودا صودا . . و كنت احب شربت ناجي التمرهندي ذا السعر الرخيص الذي لم يتجاوز الفلسين للقنينة كما اتذكّر . . و كنّا نشرب اكثر من قنينة، و قناني نحملها الى البيت، على ان نرجّعها فارغة اليه . .

          و بقيت في تلك الليلة في بيت عميّ، و قرّرت البنات ان ننام في السطح لأن الدنيا لاتزال حارّة . . كان السطح واسعاً و محاطاً بالواح خشبية او زينكو بارتفاع مناسب لا يخنقه و لكن يجعله بعيداً عن العيون المتلصلصة ان صحّ التعبير، لسطح تنام فيه تسع بنات اصغرهن هنّاوي، بل و كان السطح عالياً قياساً الى سطوح الجيران، و يشرف على سطوح متعددة تمتد الى محلة المهدية المجاورة، و كانت هناك في السطح زاوية مغطاة في الفيئ، تتراص فيها عدة مشارب لمياه الشرب الباردة، و ثلاجة خشبية محلية الصنع، فيها اشياف من رقيّ و بطيخ . .

          استيقظنا في الصباح الباكر هنّاوي و انا، مع قرصة برد تشرين و على سجع الحمام و انواع الطيور التي كان سجعها و وشوشاتها الخافتة احياناً و العالية الضّاجة احياناً اخرى توقظ النائمين، و جلب انتباهي ان هنّاوي كانت ترشّ لهم الدخن الذي كانت تحفظه في وعاء مغلق تحت سريرها، آملة بلمس طير الحمام الابيض الذي احبّته، و صاحت عليّ :

ـ انظر الى طيرك الذي جاء اليوم ايضاً !

و كان طير حمام ابيض مشطّب بلون سماوي في الجناحين، منتصب الهيئة، كنت احسّ انه ينظر اليّ مباشرة مثيراً في نفسي مشاعر صداقة جميلة . . حاولت ان اقرّبه منيّ برشّ الدخن نحوه، لكنه كان يتدلل يقترب قليلاً و يبتعد اكثر بعد ان يتناول شيئاً من الدخن الذي رميته اليه . . في بقعة محدودة من السماء كانت تمتلئ بمجاميع انواع الطيور، بين الحرّة في طيرانها و بين ما انتظمت في اسراب، كانت تدور في ذلك الفضاء و تدور . . و تستقر مجاميع او افراد منها لتناول بقايا حبوب او بقايا فاكهة خاصة الرقي على سطوح المحلة . .   

          و في محاولتي و حركتي لجذب طيري الأثير، وجدت نفسي على سياج السطح من جهة محلة المهدية و جنبي هنّاوي، و شاهدنا رجلاً متوسط العمر وسيماً اشيباً، بالفانيلا و بنطرون البيجامة الطويل يقوم برياضة صباحية على احد السطوح . . قالت هنّاوي :

ـ هذا الخال كريم، خال فتوح صديقة اختي ساهرة، و هو ضابط كبير، كان قائد القوات العراقية في حرب فلسطين 1948، و حقق الانتصارات الكبرى على الإسرائيليين في جنين و في كفر قاسم، و انتشرت اخبار تلك الإنتصارات في اذاعات صوت العرب و القاهرة . . كما يقولون بالمحلّة.

ـ صحيح ؟؟ اني هم سمعت من والدي، بس ماكنت اعرف انهم جيرانكم.

ـ هو لا يسكن هنا، و لكنه يأتي بين حين و آخر لزيارة اخته في المهدية و ينام عندهم !

ـ يعني ما راح اكدر اشوفه و اسلّم عليه ؟ بس صدك بطل !!

وجدت نفسي احييه بفرح غامر من فوق السطوح . . و زاد من فرحي انه رآني و حيّاني بكلتي يديه و بابتسامة عريضة عبر سطوح الفضل و المهدية في ذلك الصباح التشريني الباكر الجميل . . ابتسامة بقيت مرتسمة في ذهني، و لم يكن احد يعرف او حتى يقرأ الغيب ليتصور من سيكون و كيف سيغيّر البلاد هو و رفاقه على طريق الخير و التقدم في ذلك الوقت، رغم انواع الصعوبات و التعقيدات، من الاقربين و من الابعدين . .  

. . . .

. . . .

          من جانب آخر، تزايدت النشاطات المتنوعة للقوى المتعددة للتحضير للتظاهرات، و وضعت اسس اولية للتحرك في الاعظمية بانتظار الموعد : اعدادية الاعظمية للبنين و ثانوية الأعظمية للبنات تنظيم نشاطها للاحزاب و القوى القومية العربية التحررية مثّلهم السامرائي، و المنسّق معهم برهوم ، كلية الملك فيصل الاول تنظيم نشاطها لليساريين عرباً و كرداً باحزابهم و قواهم، مثّلهم كريم احمد عن الحزب الشيوعي العراقي خريج الكلية، عامر عبدالله عن حزب الشعب خريج الكلية، و ممثل عن الحزب الوطني الدمقراطي، صالح اليوسفي و دارا توفيق عن البارتي، اضافة الى ممثلي قوى و جمعيات وطنية متنوعة في مقدمتها جمعية الكرد الفيلية . .

اضافة الى التنسيق مع ما يجري من الصراع داخل الحكومة، و خاصة الصراع الذي مثّله الوزير الوطني التحرري عبد المحسن مع الوزراء و الاطراف الحكومية العليا، و تنسيقه مع الاحزاب الوطنية بكل سريّة، يقوم به المنسّق الضابط سعدون . .

          و تم التوصل الى ان يكون موعد الانطلاق في بداية تشرين الثاني نوفمبر 1956 و يبدأ انطلاق تظاهرات بغداد، في الاعظمية في مواجهة الوصي عبد الاله عند زيارته لكلية الملك فيصل الاول التي انشأها الملك فيصل بفروعها للطلبة المتفوقين لتكون نواة لجامعة عراقية . . و تقع مقابل المقبرة الملكية في نهاية شارع الشباب، التي تحَدّدَ موعدها و تأريخها، كما اخبر الوزير عبد المحسن . . و تم التوصل الى ماهية الشعارات التي ستُرفع لإدانة المعاهدة العسكرية البريطانية و منع توقيعها و من اجل السلام و الحرية . .

          و فيما كانت النشاطات التحضيرية تجري في ظروف تزايد فيها الجوّ السياسي في البلاد احتقاناً و تأزّماً بسبب الاعمال العدائية للغرب و اسرائيل ضد مصر، و مقاومة عبد الناصر لها، و كانت الاذاعات تشعل الاجواء بتلك الاخبار المتلاحقة عن نشاط العصابات الصهيونية المسلحة في سيناء وصولاً الى قناة السويس، و الإستعدادات الشعبية في مصر لمقاومتها، و كانت تصعّد حماس الجماهير الشعبية للقيام بأية مشاركة او تعبير عن الغضب مما كان يجري . .

فجأة !!

هاجمت اسرائيل مصر في اليوم الاخير من اكتوبر 1956 و فجرّت المشاعر العربية و الوطنية في كل الدول العربية، و  انفجرت الإحتجاجات الشعبية و المطالبات بالتحرر و الديمقراطية باشكال عفوية و منظّمة . . بعد ان قامت اسرائيل بعصاباتها بهجومها البريّ على مصر بدعم جويّ بريطاني ـ فرنسي حيث قامت طائراتهما بقصف و ضرب القاهرة و مدن قناة السويس و خاصة بور سعيد . .

و قامت اذاعات صوت العرب و موسكو ثم بي بي سي و صوت اميركا و مختلف وسائل الإعلام العالمية، بنقل تفاصيل ما كان يجري و خاصة انباء مقاومة فرق المقاومة الشعبية للشباب المصري و تضحياتها في بورسعيد التي كانت تهزّ العالم، و نبأ قيام الشباب السوري بنسف انابيب النفط المارة بسوريا تضامناً معهم . . اللذين صعّدا روح الاحتجاج و الرفض في مدن البلاد و خاصة في بغداد، التي انطلقت فيها انواع التظاهرات العفوية . .

          و منها المظاهرات الكبيرة في شارع الشباب في الاعظمية، التي انطلقت اكثر مما كان مخططاً و مُنَسّقاً لها . . و بشعارات متنوعة جديدة على عجل، ادانت العدوان و طالبت بالخبز و الحرية بشعارات " تعالوا نجدد الوثبة " و " تسقط المعاهدة البريطانية " ، " المجد و الخلود لشهداء بور سعيد الابطال "، " بلادي بلادي بلادي ـ لكي حبيّ و فؤادي " . . هاجمها رجال الأمن و الشرطة و الشرطة الخيالة بالدونكيات و اشتبك معهم المتظاهرون و طروّهم بالحجارة، التي كنا نجمعها لهم من الشارع، في الاكياس المتوفرة سواء كانت ورقية او غيرها . .

          و قد لعب فيها طلبة " كلية الملك فيصل " ، " اعدادية الأعظمية للبنين " ، " ثانوية الأعظمية للبنات " ادواراً بطولية من سطوح مبانيهم بالهتافات و طرّ الحجارة، و في الشارع و في الهاب حماس والتفاف سكنة كل محلاّت الأعظمية من الرجال والنساء، باسم الأحزاب الوطنية و القومية و اليسارية . . الى ان هرب رجال الشرطة و اقفلوا مراكزهم . .

لتتدخل وحدات عسكرية خاصة محمولة بالشاحنات العسكرية، كان افرادها يعتمرون الخوذات المعدنية ويحملون عصي خاصة قيل انها مكهربة، اضافة الى وحدات حملت الأقنعة الواقية من الغازات المسيلة للدموع، حيث جرى استخدام كثيف للقنابل المسيلة للدموع ضد المتظاهرين، كانت تطلق من فوهات خاصة، و كان يتلقفها المتظاهرون شباباً و شابات ليعيدوا رميها عليهم، و كان الطلبة يرمون الشرطة بالقنابل المسيلة للدموع من سطوح ثانوية البنات، لايُعرف من اين حصلوا عليها . . . و لم تتمكن تلك الوحدات من ايقاف التظاهرات التي استمرت و كانت تزداد، عُدّة و عدداً.

          لتأتي مجموعات شبه عسكرية و غير نظامية مكوّنة من عناصر معروفة بطيشها و سوء اخلاقها

مثل ابو الطرشي، ابو الجاج و ابن عبد الشهيرة و عزّوز الاقجم . . الذين قاموا برمي المتظاهرين بالرصاص الحي و بضربهم بالسكاكين الكبيرة، و تسببوا بسقوط عدد من الشهداء و اعداد اكبر من الجرحى . . فيما قامت وحدات من شرطة التحقيقات الجنائية سيئة الصيت، باعتقال ما استطاعت اعتقاله من الشارع معتدين عليهم بالضرب سواءً بالعصي او ببوكسات الحديد . .

          كان المتظاهرون يتفرقون ليلتقوا بوضع افضل و بتحديّ اعلى . . فيما فتحت البيوت المحيطة ابوابها لهم سواء لمعالجة الجرحى او لإخفاء من كان يريد الإختفاء، او للاكل و الشرب . . الى ان انسحب المتظاهرون من شارع الشباب ليتجمعوا من جديد عند " رأس الحواش " و  يستمروا بالتظاهرة نحو باب المعظم.

          و مع اقتراب المساء، خلى شارع الشباب الجميل من البشر ماعدا وجود افراد الوحدات العسكرية التي احتلت الشارع، بخوذاتهم الواقية و بساطيلهم الثقيلة، و باسلحتهم الحديثة الكثيفة و برشاشات الفيكرز الجديدة المستلمة حديثاً من الناتو، و كانت الحجارة تملأ الشارع و الارصفة، و بقيت روائح البارود و الغبار المتطاير تزكم الانوف، كنّا نشمّها و نحن متجمعين سرّاً في بيت اصدقاء كانوا يسكنون هناك في بيت مطلّ على الشارع، فاتحين الشبابيك للتهوية . .

          مع هبوط الظلام، حدث مالم يخطر على البال . . حيث هاجمت مجاميع من شقاوات و قتلة جُمعوا باجور من السجون و من الشيخ عمر و كراجات النهضة و محلات الكيلاني و غيرهم، و بتشخيص وارشاد  مأجورين و رجال أمن من الاعظمية القديمة . . هاجموا بصمت بالقامات و الفؤوس كلية الملك فيصل الاول و اقسامها الداخلية، ثم بصيحات (لا شيوعية بعد اليوم) ، بعد ان ضربوا الحرّاس و دخلوا بالقوة الى الرمز الثقافي و الحضاري الذي كانت تتباهى بإنشائه حكومات العهد الملكي، و ضربوا الطلبة و حطّموا كل ما وصلته ايديهم هناك، و تسببوا بقتل و جرح و اغماءات عدد ليس بالقليل من الطلبة، الّذين أُخذوا على حين غرّة، و جرى اعتقال من راجع المستشفيات و المستوصفات للعلاج منهم . . في وقت قامت به شرطة التحقيقات الجنائية بحملة تفتيش و اعتقالات للعشرات من رجال و نساء الاعظمية بينهم والدي، بتهم النشاط الهدّام . .

اعلنت الاحكام العرفية . . و اخذت الاخبار الحزينة تتوالي بعد صدورها في البلاد و انتشار الجيش اثرها في شوارع بغداد . . فقد وجد الوزير الوطني عبد المحسن مقتولاً في مكتبه و اشيع عن انه انتحر، و كانت اصابع الاتهام تشير الى ان القتلة هم من رجال السلطة، رغم قيامهم بمراسيم تشييع رسمي حكومي لـ (شهيد الوطن و الواجب) كما كُتب على اللافتة الرئيسية للتشييع، و صدر تنبيهاً عسكرياً لسعدون من المجلس العرفي العسكري للوزارة بالحذر و الابتعاد عن النشاطات الهدامة . .

حين فوجئ سعدون بقول رئيس المجلس المقدم رفعت الحاج سريّ له، عندما التقاه شخصياً خارج ديوان وزارة الدفاع (بالصدفة) . . عزيزي سعدون عليك ان تعرف كم هي محبتي و احترامي للمرحوم ابن عمّك المناضل الوزير عبد المحسن، و كم هي محبتي للضباط الوطنيين اللي انت منهم، و لكن الأوامر في الجيش هي اوامر لا استطيع الافلات منها . . خففت قدر ما استطيع معك و الاّ يسوقوني معاك ايضاً و أُعاقب عقوبة قاسية لأني اقدم و المفروض انيّ أَعْرَفْ، دير بالك !!

          و صدرت قرارت حكومية (بناءً على مقتضيات المصلحة العامة) بنقل د. نزيهة الدليمي الى النجف، د. عبد الصمد نعمان الى حلبجة، د. عبد الامير السكافي الى الرمادي . . فصل الجامعية بثينة البستاني من الجامعة ضمن اعداد كبيرة من الطلاب و الطالبات، فصل والدي و عدد من معلمي الأعظمية من سلك التعليم بتهمة (شيوعي صهيوني خطير) . . صدور قرارات القاء قبض بقائمة طويلة من الاسماء بتهم (النشاطات الهدامة) منهم برهوم و يعرب البراك . . .

. . . .

. . . .

          كنّا نفخر بمحلتنا الاعظمية الجميلة، بمحلاتها الحديثة و حدائقها و بيوت اصدقائنا و اقاربنا و اهالينا هناك، و باسواقها و بالعديد من ازقتها و(درابينها) القديمة، بشارعها الجميل المتّجه شمالاً نحو الصليخ و المطل بطوله على نهر دجلة . . و بحديقة النعمان و بالنادي الرياضي فيها، بالسينما و افلامها الجميلة و اغاني عبد الوهاب و عبد الحليم و فريد الاطرش التي تصدح باستمرار منها، و حتى ببائع العنبة هناك، و حتى بمراقب البطاقات فيها الذي كنا نشتري منه اذون الخروج من صالة العرض المطبوعة لنستخدمها كبطاقات دخول اصولية و نوفّر لنا خمسين فلساً لكل بطاقة، مقابل الحفاظ على سريّة ذلك، لمعرفته باننا من الزبائن المعروفين فيها . .

          كنا نفخر بمحلتنا  . . بتحدياتها الفاعلة لسلطات العهد الملكي، التي كانت من جانبها شديدة الحذر من تحرّك اهالي الأعظمية ان اتخذ طابعاً جماهيرياً، لأن ذلك سيؤثر على عموم بغداد وعلى الحكومة ومؤسساتها ودوائرها اضافة الى تأثيره على قوات الجيش والشرطة، للاعداد الكبيرة لأبنائها فيها و بمراكز فاعلة . 

          ورغم كبر قضاء الأعظمية الإداري الذي ضمّ محلات عديدة، كالسفينة، النصّة، الحمّام، الحارة، النزيزة، رأس الحواش، شارع عشرين، شارع عمر بن عبد العزيز، شارع طه، الكسرة، هيبت خاتون، راغبة خاتون، ثم الوزيرية، نجيب باشا، شارع الضباط والعساف اضافة الى محلة الكمب (نسبة الى كمب الأرمن و الآثوريين) و سوقها الشهير . .

فان محلتنا " محلة الشيوخ " والحمّام والنزيزة والحارة . . كانت تشكّل قلب الأعظمية وروحها لأحاطتها بمرقد الإمام ابوحنيفة النعمان حيث التّجمعات و المقاهي من جهة، وبسبب سكن عوائل بكاملها من الأجداد والآباء والأمهات والأبناء وابناء الأبناء في بيوتها وحواشها الشرقية القديمة التي كانت ملكهم او كانوا يسكنوها مقابل بدلات ايجار قليلة او بلا مقابل كهديّة من صاحب المُلُكْ لأحد اقاربه المعْوَزْ، اضافة الى سكن عوائل جاءت من خارجها و استقرّت فيها و تفاعلت مع اهلها، مكوّنة سبيكة عراقية اصيلة من كل المكوّنات القومية و الدينية و المذهبية، في العديد من مناطقها و ازقتها و( درابينها) القديمة .

          كنا نفخر بمحلتنا التي ضمّت وجوهاً وعوائل عرفت بالتزامها بمواقف حقوق البلاد وآمالها سواء كان من موقف يساري او قومي تحرري . . كعوائل آل السلام، آل شيخ رشيد، آل حاج نعمان الأعظمي، الضامن،  محسوب، سريّ، شبيب، شلتاغ، الجدة، المصلاوي، النقشبندي، الحيدري، الملاّح، قزانجي، العاني، الهيتي . . رغم وجود عوائل عُرفت بممالئتها للأنكليز، و كانت تأنف من اقامة اية علاقة مع العوائل المثقفة وعوائل المحلات الشعبية . . والى افراد عوائل عرفوا باعمالهم كمخبرين سريين للحكومة، الذين ان لم يساعدوا الناشطين السياسيين سرّاَ كما كان يجري، يصبحون منبوذين من الناس ومحتقرين، و كانت الناس تفضحهم و تحذر وتخاف منهم .

          بعد اطلاق سراح والدي المعروف بنضاله الوطني اليساري، و اثر فصله، بتهمة " شيوعي صهيوني خطير " كما نشر في كتاب التبليغ الشخصي له، او في الكتاب الرسمي المرسل الى مدرسته " الشماسية الأبتدائية للبنين " . . زاره معاون مديرها سراً مطيباً خاطره بهدية نقدية ذات قيمة تبرعاً من معلمي المدرسة، وساعده في ترتيب عمل له كملاحظ حسابات في معامل وكُوَرْ الطابوق، التي كانت تنتشر في اطراف العاصمة، باجور يومية وبدوام يومي يبدأ في الثالثة صباحاً حين تنتظره سيارة المعمل . . متمنياً له الصبر وبأن الغد لناظره قريب !

          و كنا نحن الصغار نرقب مايجري و كيف ينهض الوالد بعد منتصف الليل ليغتسل و يبدّل ملابسه التي صارت ملابس خشنة بنيّة اللون غاب عنها اللون الابيض و ربطة العنق، و بقبعة فليّن كقبعات الرحّالة في افريقيا لتقيه حرارة الشمس الحارقة في العراء، و كيف كانت والدتي تشدّ ازره و بجملتها التي اشتهرت " احنا بخير و لاتفكّر كثير، بس دير بالك على نفسك "، و كيف ازداد حنان جدتي الحاجة امينة نحونا و كيف كانت تزورنا يومياً للاطمئنان علينا . .

          حتى استطاع بجهده و بمساعدة رفاق النضال ان يجد عملاً اضافياً مسائياً ليقسم مشغولياته : ثلاثة ايام في الاسبوع، في معمل الطابوق و اربعة ايام دوام مسائي في شركة فريح و حمد لسيارات الفورد، مقابل سينما الخيّام، كملاحظ و محاسب . .

                                                             ـ 12 ـ

 

                                                        السجن ليس لنا   

 

تغيّرت حياتنا بعد فصل الوالد، و صارت جديّة اكثر بعد ان قلّت الافراح بفعل اعتقال الوالد و شعورنا باننا مراقبون و بسبب الضائقة المالية بعد فصله من وظيفته كمعلم، التي صرنا نعيشها بحساب ثمن كل شئ نريد شرائه، و صرنا نتجنب الحديث لأحد عن بيتنا و اهلنا و خاصة عن ضيوف الوالد . . و رغم جهود الوالدين بعدم اشعارنا بما نمرّ به، الاّ اننا كنا نلاحظ ان الفاكهة كانت لنا نحن الاطفال فقط و لم نفهم لماذا لم يأكل منها والدانا لانها كانت غالية الثمن . . و كنّا نلاحظ ان والدنا كان مشغولاً بهموم وامور بدى لنا انها اكبر من هموم البيت . . 

في احد الايام جاء الوالد فرحاً و هو يقول :

ـ نقلوا يقظان من نقرة السلمان الى السجن الجديد في بعقوبة ! و اخذت موعداً لزيارته هناك . . سنذهب كلّنا !!

          كانت الانباء قد انتشرت، بأن السلطة قد اقامت سجناً اميركياً (حديثاً) للسجناء السياسيين . . في بعقوبة، و قد نقلوا عدداً من سجناء نقرة السلمان السياسيين المحكومين باحكام ثقيلة اليه، و صار ايضاً محطة للسجناء المنقولين مؤقتاً اليه لأغراض متنوعة كإعادة تحقيقات او محاكمات، او اعادة نظر بالعقوبات بين تخفيف و تشديد او قضايا اخرى لاتُعرف و لم يُعلن عنها، لأنها تخص (أمن الدولة) كما كان يُعلن . . 

          ذُهلنا نحن الاطفال من الخبر و من أننا سنستطيع رؤية ابن العم الكبير يقظان، العائش معنا بصورته المعلقة في غرفة الضيوف، رؤيته بشحمه و لحمه لأول مرة . . و هو القديس و الروح المقدسة التي سكنت بيتنا، الروح التي جعلت والدي الحازم الحنون يبكي و هو يتأملها و يعيد تأملها، و يحاول اخفاء دموعه كي لانراها كلما دخل الى غرفة الضيوف و نظر الى الصورة و كان وحيداً . .

          ركبنا باص صغير مع عوائل ملأته . . و سافر بنا الى بعقوبة، الى بقعة فوق رابية في مكان خالي من البيوت و من المزارع و الحقول، نزلنا من الباص و بدأنا بالسير و كانت هناك عشرات العوائل تسير بنفس اتجاهنا، ممن خرجت من باصات اخرى و ممن قدموا من شوارع ترابية فرعية هناك  . . لنلتقي بعشرات او مئات عوائل اخرى كانت قادمة بمقابلنا من الجهة الأخرى . .

كان الجميع يسيرون صامتين و ينظرون الى الأسلاك الشائكة المكومة على امتداد جانبي الشارع الترابي الواسع، حتى ظهر المعتقل من تلك الرابية العالية . . كان المعتقل مكوناً من ثكنات عسكرية مبنية على شكل مجاميع من صفوف متوازية ، بدت بيضاء اللون رغم اتساخها بسبب الغبار الذي ثبت عليها بالمطر باشكال رسمتها المياه المنسابة . .

كان المنظر لايُنسى بإثارته للرهبة في ذلك اليوم الغائم الممطر . . صفوف الثكنات النظامية المقسّمة الساحات و بينها بالأسلاك الشائكه، الواقف عند كل زاوية من تلك الزوايا العديدة مسلّح بملابس نظامية وبخوذة وواقفا وقفة استعداد، يفهم منها انه مستعد للأطلاق في كلّ وقت . . لم يُرَ اثرٌ لموقوفين فيها او بينها . . كان الصمت يلّفها و يخيّم عليها . .

وكانت البقعة العامة لكل موقع المعتقل ـ بكلّ ثكناته ـ محاطة باكثر من صفيّن من الأسلاك الشائكة الكثيفة والمرتفعة بقدر قامة انسان . . كانت تحيط بالمعتقل و في كل منها موقع محاط باكياس

رمل و مغطىّ بالنايلون . .


          كنّا نسمع والدي و هو يحدّث والدتي . . هنا كأنما صورة مصغّرة للعراق !! شوفي سعاد ذوله كرد مبين من لبس قسم منهم وتجمّعهم على بعضهم، الله يدري مساكين منين جايين ! هذوله بيض حمر ونساء سافرات يعني في الغالب مسيحيين . . شوفي هذوله معممين . . هذوله يزيدية من ملابسهم . . واحنا عرب حتى بينّا السني والشيعي الواضحين من شكل العمايم . . شوفي ذوله خطيّة يبيّن جايين من الجنوب من النجف والناصرية و البصرة . . قسم منهم ديصلّون . .

ـ لعد شنو يكولون الشيوعيين ماعندهم دين ؟!

ـ صدّقتِ بهذا الكلام الفارغ ؟ اكُلّج منو الماعنده دين احنا و اهلنا ؟ لو هذا اعوص العين السريّ بالمحلة الذي اعتدى على بنت الجيران وكل الناس تعرف و ساكته من خوفها منّه. . منو الكافر و الماعنده دين ؟ سعاد هذه سياسة و مصالح و ملايين ونفط   !!و لم نفهم نحن الصغار ماعلاقة النفط و بيّاع النفط المسكين بتلك المشاكل . .

و قرب باب النظام، توحد الحشد و ازدحم للمرور من خلال نقطة ضيّقة لسيطرة عسكرية كبيرة مكونة من عشرات رجال الشرطة و وحدات عسكرية شاكّة السلاح، اضافة الى مدنيين مسلحين كانوا يدققون الهويات ويسمحون و يمنعون ويصيحون و يهددون . . بل واعتقلوا اثنين تحت انظارنا . .

و لم يسمحوا بتكوين طابور، خوفاً من (تهدّم القنطرة) كما كانوا يقولون و التي لم نشاهدها . . و كانت تتصاعد من الحراس صيحات (ماكو زيارات اليوم حسب برقية القيادة !!) التي كانت لاتؤدي الاّ الى تصاعد و سيادة الهرج و المرج وسط زعقات رئيس الحرس :

ـ كافي صياح لَكْ !! تره صدك نلغيها اليوم و نضربكم اذا ماتصيرون عقّال !! . . احنا دا نتباحث مع القيادة !!

بينما انشغل الحرّاس بضربنا بالعصي و الدونكيات صائحين : نظام نظام !! ناسين او مفتعلي نسيان اننا كنا نقف منذ اكثر من ساعة تحت المطر و الشارع الترابي و النقطة الضيقة صاروا طين، بدون سبب، و اوضح احدهم في تفسير ذلك بأنهم يضغطون و يعذّبون عوائل المعتقلين السياسيين كعقوبات عليهم لأنهم لم يضبطوا ابنائهم و ذويهم و لم يمنعوهم من النشاط السياسي، ان لم يكونوا حسبوهم  شركائهم في جريمة (ممارسة السياسة) . . 

          الى ان وصل الأمر بحركة الزائرين الى السجن و فُتح بابه . . و كنّا تحت ذلك الضرب بالعصي و الدونكيات، الذي خلاله سقطت امرأة كردية مسنّة على الارض لأن ضربة الدونكي كانت قوية و جاءت على ظهرها و اقعدتها على الارض امام ضغط تدافع الزوّار الماريّن في تلك النقطة الضيّقة . . ركض والدي اليها و اسندها لتقوم و تمشي مؤشراً لوالدتي بالمضي معنا و بانه باقي مع تلك المرأة ليساعدها على المرور، و قد عرف منها انها ام السجين السياسي المحكوم مؤبد عزيز محمد، و انها جاءت من اربيل صحبة عوائل سجناء الاحكام الثقيلة و المبعدين عادل سليم و نافع يونس، و كان يعرف الصداقة القوية بين يقظان و عزيز محمد، و بقيت الام تتشكّره بعربيتها الضعيفة و تستند عليه الى الساحة الداخلية و هو يتبادل النظر و الاشارة مع والدتي للوصول الى تلك الساحة . .

          جلسنا في الساحة الضيّقة المحاطة بسور عالي يصل الى ثلاث قامات، و يُشعر الرجل بضآلة حجمه و جاء السجناء للقاء احبّتهم و جاء بينهم شاب نحيف متوسط القامة الذي صاح والدي لدى رؤيته ( اهــــــــــلاً يقظان !! ) و كان الاسم الذي اشتهر به ابن عمي " عدنان البراك " . . تصافحا و تعانقا بقوة لم نألفها نحن الصغار فيما كانت السلاسل التي تكبّل عدنان ترنّ بقرقعة عالية . . و شاهدنا سجناء مربوطين بسلاسل مثبتة الى كرات حديدية ثقيلة كانوا يحملوها الى جانبهم او الى ظهورهم في حركتهم من بينهم المحامي عبد الرحيم شريف . . كان السجناء من كل القوى الوطنية عربية و كردية، و كانت غالبيتهم من الشيوعيين الشباب الذين اشيّب شعر قسم منهم مبكراً.

          كان هناك اضافة للعرب، كرد من عشائر بارزان قيل انهم اعتقلوا و حوكموا لدورهم و مشاركتهم بالثورة الكردية المسلحة التي انطلقت من بارزان بقيادة الملا مصطفى البارزاني، كرد من طائفة الحقّة (جماعة شيخ رضا) من الذين اعتصموا بالشارع بالآلاف و قطعوا طريق كركوك ـ اربيل و بعد انطلاقهم من منطقة "كلكه سماق" احتجاجاً على اجراءات السلطة التعسفية ضدهم و مصادرة حيواناتهم و اراضيهم و تهجيرهم بحجج الضرائب . . ايزيديين بملابسهم القومية، تركمان، مسيحيين، يهود و غيرهم ممن حكموا احكاماً ثقيلة بتهمة ( القيام باعمال تخريبية) . .

          قبّلنا ابن عميّ عدنان و هو ينحني و يطلّ علينا بابتسامته المشرقة المشعّة وسط هدوئه اللامعقول، و وسط انفعالنا الذي لايوصف برؤيته للمرة الاولى لأنه حُكم و بدأ سجنه قبل ولادتي، و بقيت انا كالمسطول اراقبه و اراقب وجهه و حركات جسمه و يديه . .

          و قيل ان هناك عددٌ من السجناء استُقدموا من منفى السعدية ان لم تخُنيّ الذاكرة لإجراء معاملات سجنية من التي مرّ ذكرها، بينهم : الشاعر الكردي الشهير عبد الله كوران، الاديب و السياسي الكردي ابراهيم احمد كاتب اغنية " شيرين بهار " ـ شيرين اقبل الربيع ـ الكردية التي كان يغنيّها في الساحة عدد من السجناء الكرد، بينما غنىّ عدد من العرب منهم اغنية " وردة سكيتهه من دمع العيون، صارت من حسنهه فتنة للعيون " ، في اغاني تدعو للحياة و للحرية و الى الصمود في سبيلها . . .

و كان بين اولئك السجناء و بالسلاسل عبد الرزاق الصافي، كاظم حبيب . . علي صالح السعدي، المحامي ابن حبيب الخيزران بقوطهما و اربطتهما طليقي الايدي . . . و تقدّم احدهم و كان اشيب الشعر طويل القامة ممتلئ البنية نحونا و حيّا والدي شادّا على يده بسلاسله معانقاً ايّاه، و انحنى باحترام و هدوء نحو والدتي بعباءتها قائلاً :

ـ تحياتي الحارة و احترامي ست سعاد، الرجاء ابلاغ الحاجة امينة تحيات والدتي زوجة الحاج خيري من باب الشيخ نقلاً عني، والدتي تذكركم و تذكرها بخير دوماً . . انا زكي ابن الحاج خيري . .

تحرّك السجناء و الزوّار فبسطوا مشمع طويل نُصب كمائدة طعام، و نُشر الطعام المتنوع الذي جلبه الزوار و ماطبخه و اعده السجناء، و كانت مائدة عامرة على انغام راديو كان عند رئيس الحرس الذي فتحه على اعلى صوته بمشهد العوائل و حرارة اللقاءات، رغم انه كان يتلفت بخوف و ذعر بين حين و آخر من حضور مراقب او عنصر أمن . . بينما انشغل الحراس بأكل نصيبهم من الطعام، الذي لم اعرف ان كان فرضاً او كرماً من السجناء.  

و عند شرب الشاي انشد عدد من السجناء احدى اغاني السجون التي اشتهرت حينها :

من الســـــــجون تهفو قلوب بحنين و باشتياق

ياليت انّا و النصرُ دانٍ في الطريق بين الجموع

تلك الاماني نارٌ تلظىّ يارفيقي بين الضلــــــوع

و فيما مرّت تلك الانشودة بسلام، انشد سجناء آخرون مع سجين كان يعزف على الكمان :

السجنُ ليس لنا نحن الاباة

السجنُ للمجرمين الطغاة

و لكننا سنصمدُ و نصمدُ

و انّ لنا مستقبلٌ زاهرٌ سيخلدُ

لنا الغدُ . . . لنا الغدُ لنا الغدُ

حين تُنصَبُ المشانق لمن ؟

للمـــــــــــــــجرمين الطغاة

          هنا تحرّك الحرّاس كالمجانين صائحين : اسكتوا اسكتوا . . هذا النشيد ممنوع، و الله تتعاقبون انتو و زوّاركم . . . و انطلقت العصي و الدونكيات لتفريق الجلسة و أُنهيت الزيارة !!!

. . . .

. . . .

          عدنا الى بغداد، الى بيت عميّ و كانت اخوات عدنان و أمّه ينتظرن اخبار عن صحة و حياة اخوهن الكبير، بعد ان ابقين خبر الزيارة سرّاً عن ابيهن و الاّ يقلب عالي البيت الى سافله لأنهم ذهبوا دون اذنه و هو الاب و الأخ الكبير . . فرحت الأم و الأخوات كثيراً بالأخبار المطمئنة عن الابن و الشقيق و قرأوا رسالته القصيرة بفرح و دموع صامتة، و عاد الوالدان و الاخوة الى بيتنا في الاعظمية، و بقيتُ انا في بيت عميّ، بعد ان دعاني عميّ للذهاب معه الى سوق الصدرية !

ـ ابني تعال معي شنو كاعد يمّ النسوان . . راح تتونس و تساعد بحمل الاغراض، هل انت مستعد ؟؟

ـ طبعاً عموّ انا مستعد دائماً للمساعدة.

ـ عفيه بإبني السبع !

          بعد ثلاث محطات باص نقل الركاب من الفضل، وصلنا سوق الصدرية المكتظ بالمتسوقين و البقالين و الباعة المتجولين رجالاً و نساءً، و المكتظ بالحيوانات و انواع الطيور و الدجاج و بباعة اللحوم و باعة لحوم الدجاج و باعة انواع الالبان ، و الأجبان من المعروضة الى المغمورة بالمياه و الى المكبوسة في قِرَبْ جلدية و الى باعة انواع الطرشي . . اضافة الى باعة انواع الخضار . . اضافة الى درابين فرعية هادئة لبيع الاقمشة و الفوط و اليشماغات و اغطية الرأس و الدشاديش و الكرزات و الفاكهة المجففة . . وسط صيحات بيّاعين ينادون على بضائعهم :

ـ بس هاليوم هالطماطة !!

ـ وزيري ياتين !!

ـ هاليوم بفلسين !

ـ ابيض و بيض . .

قال عميّ :

ـ ابني . . تذوّق قطعة الجبن هذي . . شنو رأيك بيها ؟؟

تذوقتها و قلت له :

ـ كلّش طيبة كلّش طيبة . . هسه عرفت منين تجيبون جبنكم اللذيذ.

ضحك عميّ مربّتاً على رأسي :

ـ اعرفك تحب الجبن، طالع على عمّك . . اليك قطعة ثانية.

          و وقفت مبهوراً امام معرضين لبيع الطيور التي احببتها حبّاً جمّاً . . عرضا انواع الطيور الجميلة و الحمام الزاجل و تذكّرت قفص الطيور الكبير للخال زكي الذي كان يترك بابه مفتوحاً من حين لأخر (كي تتمتع الطيور بحريتها و تكون صحّتها احسن، فالطعام لوحده لا يكفي لذلك) كما كان يقول، و كيف انهم استخدموا الحمام الزاجل لتبادل الرسائل بينهم كثوّار في ذلك الزمان، و كان يحذّر من الصداقة مع المطيرجية لأن (عالمهم قذر) . . 

. . . . .

. . . . .

          اصيب سعدون بصدمة عنيفة من فقدان ابن عمه و اقرب صديق له، التي تسببت باصابته بقلق شديد لم يعرف مصدره، هل هو قلق من الاغتيال، كما اغتالوا ابن عمه عبد المحسن ؟؟ عبد المحسن الذي استطاع تهدئة عشائر الفرات و بظهره عشيرة من اقوى عشائر العراق تمتد من البصرة الى شمال الفرات ؟ اذن فالقتلة لايُبالون بمن يقف امامهم سواءً شخصية مؤثرة او عشيرة قادرة . . تأثّر كثيراً بضرب متظاهري مظاهرات العدوان الثلاثي بالرصاص و السكاكين و اعتقال و معاقبة الآلاف ممن شاركوا بها رجالاً و نساءً، رغم ان نشاطهم كان دستوريّاً . .

احسّ بكآبة كانت تزداد و تشتد يومياً و انكفأ على نفسه و غرق بشرب الكحول و خاصة الكحول المنزلي القوي الذي تعوّدت على صنعه ياسمين خاتون ام الماس للضيوف، و غرق بالتدخين المتنوع . . و اهمل زوجته الماس و صار لايستطيع النوم معها و لا اداء دوره كرجل معها، و ازداد شعوره بالعنّة و كأن جسمه و اعضاءه ماتوا . . رغم جهود زوجته التي فهمت حالته، و بذلت جهداً كبيراً بعنايتها به و بنفسها و بماكياجها و شعرها و عطورها المتنوعة و بما يثيره و لكن دون جدوى، الأمر الذي زاد من قلقه، و أسف على فقدانه رجولته . .

          كان يشعر بالملل و بحياة صارت لا طائل من ورائها، بغياب الأمل و الهدف الكبير و غياب روح التحدي و المغامرة، التي بدأت تتسبب بفقدانه لتوازنه الطبيعي كبشر، كما كان يحسّ . . راجع طبيب قيل له انه متخصص بالعِنّة بانواعها و بطرق علاجها، نصحه بوصفات طبية و ترك الكحول و التخفيف ما امكن من التدخين، و بالرياضة و التعرض للشمس و الحركة في الهواء الطلق لساعات يومياً، و الأهم ان يصارح زوجته كي لاتُسئ فهمه و تعمل على انقاذه من مشكلته، التي قد تتمكن منه و تدوم و تخلخل عقله ان اهمل ذلك، على ان يستمر بمراجعته . .

          و انطلق سعدون برياضته المفضلة و هي الصيد ببندقيته الكسرية لصيد الطرائد البرية و محاولة صيد ماندر منها، يومياً في احراش جلولاء كلّما انهى دوامه في المعسكر الذي نُسّبَ اليه، و القريب من هناك، و نظّم هناك مع عشائر المنطقة المتنوعة العربية و الكردية و التركمانية، حملات لقتل الخنازير البرية و ابعادها عن الحقول الزراعية و حمايتها من تخريباتها . .

          بقيت معاناة سعدون قائمة و لم ينفع في علاجها كلّ ماقام به، حتى ذهب بسيارته مصطحباً زوجته الماس الحامل معه، التي وقفت بقوة الى جانبه في مشكلته، بعد استشارته لها . . ذهبوا الى مضارب فخذ العشيرة الذي ينتمي اليه، على نهر الفرات، و سمع نصيحة احد اقاربه هناك بأن يعرض نفسه على طبيب عشائري مشهور في العشيرة (العارفة فتاح) لعلاجه بالطرق العشائرية . .

وصف له العارفة فتاح انواعاً من الضبّ الصحراوي البريّ المشوي، و داوم على اكله دون أكل آخر ضاغطاً على نفسه من التقيؤ، لمدة اسبوعين يومياً، اضافة الى منقوع جذور صحراوية جمعها العارفة، مغلية بالماء و باضافة انواع من عناكب مختارة لها، و كان عليه ان يشرب ذلك المنقوع ساخناً عدة مرات يومياً . .

          في ذات مساء، احس بعد شرب المنقوع المُرّ الساخن ذلك، بهبوب طاقة حرارية كبيرة اجتاحت جسمه من كتفيه الى بطنه و ساقيه مسببة له آلاماً مِغَصية كبيرة جعلته يتلوىّ من الألم، من اعلى الى الاسفل و شعر بتجمّع روحه في حوضه و عضوه كما وصف، و انطلق بوله مدراراً محمّلاً بانواع من الرمل و من الدم، و انكفأ نائماً نوماً عميقاً . . فيما هلل طبيب الاعشاب فرحاً و هو يتلمس اعضائه النائمة و قال لزوجته الماس التي كانت ترافق زوجها خائفة عليه :

ـ اختي . . هسه احنا نظّفنا المكينة و الصالنصة بنجاح و شفتي الرمل المقذوف مو ؟ . . ننتظر الى ان يصحى في الصباح و نقرر حالته . .

و ترك الخيمة . .

          و لم تتمالك الماس نفسها و هي تشاهد زوجها ممدداً سابحاً بعرقه، وحيداً و كأنه لاحراك به . .

و تذكّرت ماجرى في قراهم في مذابح الخابور، و كيف أُصيب عدد من الرجال بتلك الحالة بسبب القلق و الترقب و الخوف على العائلة، و التي ادّت الى انتحارهم . . و اصابة عدد اكبر من النساء بتلك الحالة التي اصابت اعضائهن، و تسببت بسقوط حمل عدد منهن و موت بعضهن، و اصابت اخريات بحالة من تقلصات قوية غريبة اجتاحت البطن واعضائهن، و لم يستطعن التواصل مع ازواجهن بعدها، و تضاعفت الحالة مؤدية الى انتحار عدد منهن . .

خافت عليه من تلك المصائب، و رقّ قلبها عليه و على العائلة، و لاإرادياً اقفلت باب الخيمة عليهما و تعرّت و شدّته اليها، رأسه بوجهه بين ثدييها العامرين بالحليب لأنها حامل، و سحبت جسمه العاري برائحته البولية، الى مابين ساقيها الدافئتين و هي تضغط عليه بحنان حقيقي بذراعيها و يديها و رأسها و ساقيها و حوضها، و تشدّه اليها متلمسة عضوه بالتمسيد، الى ان استفاق العضو بعد دقائق و قذف و عاد نائماً . . و هي تهلل لعودته اليها سالماً معافى كما تصوّرت.

عاد العارفة فتاح في صباح اليوم التالي و سأل الماس عن حال زوجها قائلاً :

ـ كيف مضت الليلة ؟؟

اعتلى وجهها الخفر و اطرقت برأسها و اجابته بإبتسامة :

ـ لابأس.

ـ ابنتي لاتخجلي، انت زوجته و انا طبيبه و ليس على الطبيب من حرج، و الاّ لن يتعافى . . ماذا حصل بالضبط ؟ حدّثيني و يبقى سرّكم في بير . .

و حدّثته الماس عمّا جرى و هي فرحة بأنه تعافى، قال لها العارفة :

ـ ابنتي . . خطونا خطوة ناجحة واحدة فقط نحو العلاج و انه لم يتعافى بعد، لقد قمتي بعمل كبير على الطريق الصحيح و انت حامل، كان من الضروري ان يتجامع بما يستطيع مع امرأة حامل، لأسباب تعود الى تفاعل السوائل او الى تفاعل الارواح . . هل وددتي مجامعته باحتضانك له و هو زوجك و هذا حقّك . . هل وددتي ذلك ام لا ؟ اجيبيني بصراحة و الاّ لن يشفى زوجك من مرضه . . مرض زوجك ليس عضوياً و اعضاؤه سليمة كما اثبت التنظيف و الانتصاب و القذف . . عقله سليم الى حد الآن، مرضه نفسي بسبب صدمة نفسية عنيفة حدثت له و علاجه نفسي و هناك طرق عديدة لذلك . . هل وددتي مجامعته ؟ اجيبيني بصراحة كي اعرف واجبي و يشفى !!

ـ . . . . نعم وددت ذلك و لكن . . . لم الحق، و ذلك ماجرى . .

ـ عظيم عظيم ان وددتي ذلك فيعني ذلك ان روحيكما لا السوائل تفاعلتا، انت بوعيك و هو بلاوعيه . . انها الكيمياء، الم تسمعي بالكيمياء ؟

و لم تفهم الماس مايعنيه و سألت :

ـ و الآن ماذا عليّ ان اعمل ؟؟

ـ عليك ان تسأليه عندما تستقر حالته و يصحى . . هل احبّ امرأة قبلك و نام معها ؟ اذا نعم . . عليه ان ينام معها الآن و عليك ان تقبلي ذلك عزيزتي لأن ماكو حل آخر و سيصحى عضوه و جزء عقله المرتبط به ذاك و يعود سليماً . . و ان لا ، فعليه ان يراجعني في الربيع القادم، لأني ساسافر اليوم الى وادي السرحان، عندي عدد من المرضى ينتظروني هناك. اخبريه بتحياتي الحارة له و بأن هذه هي وصفتي له الآن و لا تنسي او تتناسي ابنتي !! و ستعيشون بافراح و صحة و بنين و بنات ان شاء الله . . . نشوفكم بالافراح يا ابنتي الشجاعة !

بعد ان افاق سعدون من نومته العميقة بعد يومين او ثلاثة، و بعد ان هدأ نفسياً، اخبرته الماس بوصية العارفة، و قالت له :

ـ آني كل اللي يهمني ان تعود كما كُنت . . شاباً مقداماً نشيطاً مستعداً لتلبية حاجة الضعيف و المحتاج و ان نعيش حياة زوجية سعيدة و ان نكوّن اطفالاً و اسرة جميلة، مهما كانت الوسيلة . . لستَ مجبراً على اجابتي كما اوصى العارفة فتاح . . سرْ في الطريق الذي يسعدك و يشفيك كما تُقرر عزيزي سعدون، و انا الى جانبك و اشدّ ازرك، احببتك من كل قلبي و عقلي . .

لم يتمالك نفسه و عانقها عناقاً حارّاً و قال لها :

ـ انتِ املي الكبير في الحياة و سأكون دوماً عند رضاكِ !

          عادوا الى بغداد و هو يحمل شيئاً من أمل و تفاؤل بحياة وجد ان ابوابها التي اوصدت بوجهه يوماً، يمكن ان تنفتح . . فكّر طويلاً و طويلاً . . و قرر ان يذهب الى بانسيون ماري بعد انقطاعه عنه لشهور، و جهّز هدايا الى البانسيون في مقدمتها كميّة معتبرة من طيور الدرّاج التي اصطادها و حفظها بالثلج، اضافة الى علبة حلويات كبيرة لماري و مصوغة لـ ريتا ان وجدها هناك . .

          فرحت ماري خاتون كثيراً بهدايا سعدون و امرت النادلات بخدمته، و عرف منها ان ريتا موجودة في البانسيون و انها مشغولة بزبائنها و سترسل لها خبر وجوده و اكيد انها ستفرح لأنها . . كانت تسأل عنك باستمرار، و كانت خائفة عليك من مكروه ما المّ بك . . كما عبّرت.

جاءت ريتا اليه على عجل ناسية تعديل ملابسها و هيئتها، و عانقته بحرارة و هي تقول : 

ـ يا اهلاً و سهلاً . . من زمان القمر مابان سعدوني . . آني تصوّرت انك نسيتني بعد ان تزوجت . . يظهر عليك تعب لم اشاهده قبلاً و لايليق بك . . ماذا حصل ؟

ـ . . .

ـ تعال نروح الى غرفتي . . حتى يمكن ان تتحرر من الجلوس في الصالة و من الضيوف و من . .

طاوعها و ذهب معها و هو يستند عليها، مما اثار انتباهها و قالت :

ـ حدّثني بصراحة ماذا حصل، قد استطيع ان اعمل شيئاً . .

جلس على سريرها كعادته فيما اخذت دوشاً و تنشّفت و خرجت بروب الحمام و رمت على وجهه بسروالها المعطّر بعطورها و رائحتها وسط ضحكاتها التي انعشته . . و بشمّه لتلك العطور و احساسه بالسروال على وجهه، شعر بانتعاشة افتقدها لشهور، و شعر برجولته و باستعداده لإثباتها، فابتسم، و قال و هو يخلع ملابسه :

ـ لن احدّثك الآن بما حصل . . فقط تعالي جنبي . .

و بعد إي . . و آي . . و على كيفك . . و دقيقة . . و آخ . . و إيخ . . تواصل معها الى الاخير كما في المرّات السابقة و شعر بأن الروح بدأت تسري في جسمه و اعضائه كالسابق، و وصف حالته لها دون حذر من التفاصيل بعد ان وجد فيها هي الدواء الناجع لعلّته . . و اهدى لها المصوغة الذهبية التي قرر اهدائها لها، و التي افرحتها كثيراً.

ضحكت ريتا و قالت :

ـ لك سعدوني . . لك انت صدك تحبني و انا الغبية كنت اتصور انك نسيتني   

 ـ . . . .

ـ شوف . . آني عالجت يمكن مئة رجل و صارت عندي خبرة بهالموضوع و عليك العمل و الالتزام بما اقوله لك . .

و دخلت بالعلاج :  

ـ قهوة قوية، بلا كحول و بلا . . و بلا . . و خليّني براحتي معك

ـ هالمرّة انت تحت

ـ هالمرّة على جنب

ـ هالمرّة وضع 69 و كل واحد ينشغل بما في مقابيله

ـ هالمرّة . . .

حتى تاه سعدون بين القهوة و الأعضاء و بين العطور و القهقهات التي بدأ يقهقه معها و احسّ  بالإعياء بعد انتهاء خزينه السائل . . و نام نوماً عميقاً . . و استيقظ في ضحى اليوم التالي و هو لا يعرف اين هو ؟؟

          حتى فتحت ريتا الباب و هي تحمل صينية الفطور التي أمرت بها ماري خاتون له، كشكر على هداياه و على معاودته القدوم الى البانسيون كأحد حمايته بلا مقابل، و جلسا الى المنضدة الصغيرة في الغرفة لتناول الفطور. قال سعدون :

ـ ريتا . . هاي منين تعلّمتي هالملاعيب ؟؟ شنو مكمّلة معهد او دارسة دراسات عليا، لأن حتى الاطباء لم يستطيعوا عمل شئ ؟؟

نظرت اليه و هي تراه رجلاً نَظِراً جذّاباً كعادته الاولى، و قالت :

ـ المهم انك مرتاح و سعيد و هذا يفرحني كثيراً . . لا معهد و لا دراسات طبية عليا و لا هم يحزنون، تعلّمت من شغلنا، احنا نبذل كل الجهود لإرضاء الزبون الى النهاية، حتى يدفعلنا الأجرة و يبقى زبوننا، و بأن لايخرج زعلان او غير راضي علينا او على حاله، و يكفّ عن المجئ الينا . . لانريده يخرج و هو يبكي لفشله كما حصل مرات، و من لديه مشكلة فان عليه ان يدفع عن كلّ مرّة قضّاها عندي . . في حالتك مثلاً عليك ان تدفع الأجرة مضاعفة اربع مرات ههههههههههههه لكني اعتبرها هديّة منيّ لإنسان عزيز عليّ المهم انه عاد سعيداً . . و هكذا تعلّمت الصنعة.  (يتبع)

عرض مقالات: