تمر هذه الأيام الذكرى الثانية لرحيل الشاعر والكاتب والروائي والمسرحي والمترجم جاسم سيف الدين الولائي، فقد توفي في ستوكهولم بتاريخ 4 يناير/ كانون الثاني 2019، بشكل مفاجئ وكان لوفاته المبكرة وقع الصدمة على عائلته وجميع أصدقائه ومعارفه، وهو خسارة كبيرة للعراق وللثقافة العراقية لما يملكه الفقيد من خزين ثقافي متنوع.

ولد الفقيد في 2 مايس/ 1953 في بغداد، والده الشاعر الغنائي المعروف سيف الدين ولائي، ترعرع في الأحياء الشعبية البغدادية، في الكاظمية والشواكة والوشاش، مع أربعة أولاد آخرين، وست بنات.

أكمل دراسته في معهد المعلمين في بغداد وعمل كمعلم للغة العربية، في ظلّ عائلة شعبية معروفة بحبها للشعر والأدب حيث ترك والده تراثا فنياً سيظل خالدا تتذكره الأجيال، وترك بصمته العميقة في تاريخ الفن العراقي، فليس غريباً أن يكون الأبن جاسم سيف الدين الولائي شاعراً، حيث عاصر في فترة طفولته في الستينات والده وهو في ذروة عطائه وتألقه، وكذلك كانت والدته تملك من الثقافة وتردد الأمثلة الشعبية.

عانت العائلة في نهاية السبعينات من المضايقات، وآخرها عندما طرق أوغاد النظام الفاشي باب منزلهم في مدينة الوشاش لاصطحاب الأسرة إلى مديرية أمن بغداد، ومن ثم إجبارهم على الهجرة إلى إيران في مايس 1980، في عملية تمت تحت تهديد السلاح وتركوهم على الحدود الإيرانية، كانت الرحلة شاقة جداً خصوصاً كان عليهم السير على الأقدام حتى وصولهم الى الجانب الإيراني ونقلهم إلى أول مخيم للمهجرين هناك. تلك المسيرة الشاقة كانت هي بداية تعب قلب والده، وبعد المكوث في إيران عدة أشهر قررت العائلة السفر الى سورية والاستقرار فيها، فسافر هو وأخته الكبرى الى دمشق ليمهد لمجيء كامل العائلة، وكان اختيارهم سورية سكنا لهم كونها المكان الأقرب إلى العراق والأسرع في العودة إليه كما كان يعتقد والدهم، واختاروا السكن في السيدة زينب.

في سوريا نشط الفقيد جاسم الولائي في صفوف المعارضة اليسارية، وعمل في مجال الصحافة والإذاعة ككاتب ومذيع، وفي سوريا تعرضت العائلة الى نكبة كبيرة حيث توفي والده سنة 1984، بسبب آثار إبعاده عن منبع إبداعه وهو العراق، ومن ثم وبعد أشهر توفيت والدته.

تطورت قدرات جاسم الولائي لكثرة اطلاعه على الأدب العربي والعالمي ولكون سوريا كانت فسحة واعدة للثقافة لكثرة المجالات والمراكز الثقافية، فكتب الشعر والمقالات، والقصص القصيرة، وغير ذلك.

بعد أكثر من ثمان سنوات غادر الفقيد سورية متوجها الى السويد عام 1989، وبدأ رحلة جديدة من الإبداع والعطاء، ساعده الاستقرار والهدوء النسبي في هذا المجتمع الجديد.

وبرز كشخصية ثقافية اعلامية واجتماعية وناشط في منظمات المجتمع المدني والديمقراطي، بعد بروزه في مجال الصحافة والشعر كتب الرواية وأبدع فيها، ومن ثم خاض تجربة ترجمة الرواية، من اللغة السويدية إلى العربية، حيث ترجم عدة روايات.

في أحدِ لقاءاتي معه وأنا أحاوره عن الترجمة وعن بداياته وجذوره التي انطلق منها يقول جاسم الولائي: ((عثرت في سوق السراي علي كتاب أكاديمي صادر عن كلية المعلمين بجامعة كولومبيا عنوانه (مسالك العلم) كان متعتي لسنوات عديدة، ثم ما كان يحدثني به بعض المعارف والأصدقاء وأساتذتي عن أدب شكسبير وديكنز وجاك لندن وغيرهم، إضافة لما قرأته من الأدب الروسي والفرنسي والايطالي والاسباني المترجم إلى اللغة العربية شعرًا ومسرحًا ورواية أثناء وجودي في بغداد وفي دمشق من بعد. كان أغلبه غثًّا وغير أمين للأسف. على سبيل المثال اكتشفت وأنا في السويد أنّ ما ترجم إلى العربية من رواية روبنسون كروسو لـ (دانييل دوفيه) ونداء من البرية لـ (جاك لندن) وكذلك قصة الكونت دو مونت كريستو، لم يكن للأسف إلا جزءًا مفبركًا من الأصل، ينطبق ذلك على أغلب الأدب الكلاسيكي في الغرب، دون إغفال العديد من المترجمين المبدعين والمخلصين الذين بذلوا جهودًا جديرة بالتقدير في نقلهم أدب ولسن ومورافيا وغارسيا ماركيز وتولستوي وأرغون ونيرودا وإيلوار وكثيرين غيرهم إلى لغتنا العربية وهي لغة رفعت وترفع من شأننا وشأن كلّ أشكال الجمال والإبداع دون أن نرفع نحن للأسف ما تستحق من شأنها. الأمر الذي دفعني أن أعيد قراءة بعضها وأنا في هذا السن باللغة السويدية بالاعتماد على القواميس ومواقع الترجمة في الانترنت وعشرات الأسئلة التي أوجهها للأبناء والأصدقاء الأكثر دراية مني باللغة السويدية. وهكذا أصبحت طفلاً خمسينيًا تستهويه ألوان وعناوين الكتب وأسماء مؤلفيها، بما في ذلك أعدت قراءة بعض كتب الأطفال.....))

كان الفقيد محباً ومحبوباً من الجميع، ودوداً يحب تقديم المساعدة لأصدقائه، نبيلاً في تعامله مع الآخرين، متواضعاً ومتسامحاً في تعامله، في آخر لقاء صحفي لي معه حول آخر أعماله قال لي وكأنه تنبأ رحيله المبكر: ((النصّ الذي بين يدي الآن هو عملي القادم. أضيف بأنّ هذا العمل هو للنشر في الصحافة العربية مع سلسلة مقالات ورؤى نقدية وبعض البيلوغرافيا المرافقة لهذا النص الكلاسيكي. لن يكون لحساب أية دار نشر عربية أو سويدية، وإنما لي وللقارئ اليومي. ربما أصدر الكتاب في المستقبل. المستقبل يعني سنوات، وربما أطلب ذلك في وصيتي ولن أراه كتابًا....)).

لك الذكرى العطرة دوما يا أبا نور....

 للفقيد عشرات من الانجازات بعضها لم ير النور حتى الآن.

  • فالكتب الموجودة في المكتبات والمدارس والأسواق حوالي 14 كتابًا، بعضها نفذ تمامًا من مكتبات البيع، والبعض الأخر موجود في المخازن ولم يظهر بعد.
  • وهناك مؤلفات جاهزة للطبع.

من أهم مؤلفاته:

  • رواية (لعبة الشيخ)
  • رواية (قلب الجدة نحاسة)
  • رواية (الجميع يحب إيلفا)
  • كتب مسرحية بدون عنوان سنة 2007 حول الطائفية التي استشرت في العراق في ذلك الوقت.
  • اعد مسرحية أن للدم أن يتكلم عن رواية طوارق الظلام للكاتبة ابتسام الرومي وتوفيق جاني.
  • كتب مسرحية أيوب والتي أصبح اسمها فيما بعد دعوة للاعتذار والمسرحية من نوع المونودراما.

أول كتاب تم ترجمته هو (سرّ النار) لهيننغ مانكل. فاز في المعرض الدولي في الشارقة الدورة 29 لعام 2010 كأفضل كتاب في الإعداد والترجمة.

  • ترجم رواية (الكلب الذي ركض نحو نجمة) لهيننغ مانكل.
  • ترجم أجزاء من سلسلة كتب مارتن ودمارك ورسوم هلينا ويليس الاجتماعية البوليسية للصغار.
  • ترجم رواية (دراجة أولّه الجديدة) للمؤلفة أنكا هولم وتعتمد على الجانب التربوي في الأسرة والمجتمع السويديين وكيفية التعامل مع المراهقين.
  • ترجم للصحافة العربية قصائد لشعراء عالميين عديدين، مع سيرة هؤلاء جميعا، وقراءات نقدية لأعمالهم ومواضيع عديدة أخرى.
  • أعد لبعض محطات التلفزيون نصوصا لتقارير وأفلام وثائقية عن بعض الصروح في السويد، وترجمت ودبلجت بصوته.
  • كان الراحل أحد مؤسسي فرقة مسرح الصداقة في ستوكهولم سنة 2012 وعضو هيئتها الإدارية حتى رحيله.

 

عرض مقالات: