طريق الشعب

اعادت عمليات الاستهداف الاخيرة التي طالت عددا من الناشطين في أكثر من محافظة، التساؤلات عن الوعود الحكومية التي قدمت بشأن حصر السلاح المنفلت، وملاحقة قتلة المتظاهرين والكشف عنهم ومحاسبتهم. وزادت الأسئلة خصوصا بعدما تم تنفيذ أكثر من عملية اغتيال خلال الأيام الماضية، وسط غياب شبه تام لدور القوات الأمنية، وتجاهل التقارير “الرسمية” التي وثقت حجم الانتهاكات، فضلا عن غياب نتائج التحقيقات التي ركنت جانبا.

واقع مخالف للوعود 

ووفقا لأولويات المنهاج الحكومي، جرى التأكيد على “حصر السلاح بيد المؤسسات الحكومية والعسكرية”، فضلا عن “الشروع بحملة شاملة للتقصي والمساءلة بشأن احداث العنف التي رافقت الاحتجاجات وتطبيق العدالة بحق المتورطين بالدم العراقي”، إلا إن ذلك لم يترجم كنتائج، بينما واصل الجناة ومنذ بداية تشكيل الحكومة بعد استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، استهداف الناشطين، وصولا لاغتيال المتظاهر “صلاح العراقي” قبل أيام في منطقة تغص بقوات الأمن.

الكثير من عوائل الشهداء والمغيبين يؤكدون علم الحكومة بمجريات الجرائم التي طالت أبناءهم وبناتهم، والجهات التي تقف خلفها، لكنها (الحكومة) لا تريد الاعتراف بذلك بسبب الضغوط السياسية التي تحمي المجرمين.

وخلال فترة تولي الكاظمي مسؤولية منصب رئاسة الوزراء، جرى اغتيال المحلل الأمني المعروف هشام الهاشمي، في عملية اثارت غضبا واسعا، ما دعا الكاظمي  الى اعلان الوعد علنا بالكشف عن القتلة، في حين مرت شهور طويلة دون نتيجة تذكر.

أما في الناصرية، فتحولت جريمة اختطاف المتظاهر “سجاد العراقي” إلى قضية رأي عام، خصوصا بعد معرفة الجهات التي نفذت الخطف وارسال الحكومة قوة معززة من جهاز مكافحة الارهاب للقبض عليهم، ليتحول الأمر لاحقا الى مفاوضات مع عشيرة الخاطفين، ومن دون نتيجة أيضا.

ويقول المواطن عباس، (شقيق سجاد العراقي)، في حديث خص به “طريق الشعب”، “نحن الان كعائلة، نواجه واقعا مأساويا، لأننا لا نعلم مصير سجاد إن كان حيا أم ميتا”.

ويضيف عباس، أن الحكومة “تعرف من هي الجهة الخاطفة، ومدير الشرطة السابق، حازم الوائلي، فاوض عشيرة الخاطفين لكن لم يطلق سراح سجاد”، لافتا الى ان “اثنين من الخاطفين معروفان لدينا، وزودنا مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي بالأسماء والخيوط الدالة على مرتكبي الجريمة، ولم نحصد غير الوعود”.

ومن الناصرية أيضا، شدد المتظاهر أحمد حسن، على أن الغاية من الاغتيالات وعمليات الاختطاف هو “لإسكات المحتجين وترويعهم، وهذا الأمر اثبت عدم فاعليته خصوصا وان الاحتجاجات زادت، بل وان المحتجين اصبحوا يسمّون المجرمين بأسمائهم دون خوف”.

المفوضية: تقاريرنا لا تلقى الاستجابة

وبشأن عدد الجرائم التي طالت المتظاهرين ونوعيتها، أوضح عضو مفوضية حقوق الانسان، فاضل الغراوي لـ”طريق الشعب”، إن دائرته قامت بـ”توثيق الجرائم وتقديمها الى الحكومة ومؤسسات الدولة المعنية عبر خمسة تقارير رسمية. وطالبت آخذها بنظر الاعتبار واكمال التحقيقات بشأنها والكشف عن النتائج، إلا إنها اهملت ولم تلق الاستجابة اللازمة”.  وبيّن الغراوي أثناء حديثه لـ”طريق الشعب”، إن اللجان التحقيقية الحكومية “لم تكشف نتائجها حتى الآن، والاغتيالات مستمرة بحق الناشطين”.

تمادي القتلة

وخلال فترة عمل الحكومة الحالية، شهدت البصرة ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ محاولات اغتيال قبل ثلاثة أشهر طالت المتظاهر تحسين اسامة، والناشطة ريهام يعقوب، التي جرحت زميلاتها ايضا. وفيما تعرض كل من الناشطين، عباس صبحي، لوديان ريمون، فهد الزبيدي، ورقية الموسوي، منتصف آب الماضي لاعتداء مسلح تسبب بجروح بليغة لديهم، جرى قتل المتظاهر عمر فاضل، قبل حوالي 45 يوما ايضا. بينما استمرت عمليات الاغتيال في محافظات عدة، وطالت استاذ جامعي في ميسان قبل أيام، والمتظاهر عباس قاسم في الديوانية، وأيضا تفجير عبوة صوتية على منزل أحد المتظاهرين في ذي قار، وهكذا الأمر في مناطق متفرقة من البلاد.

جهات متنفذة “متورطة”

يقول عمر العلوان، عضو مركز”نماء” لحقوق الانسان، إن “استهداف الناشطين له جزءان”. ويؤكد لـ”طريق الشعب”، إن “الجزء الأول يتعلق بمنهجية الاستهداف ووضوحه من قبل جهات متنفذة، بغية اسكات صوت المحتجين. بينما الثاني يتمثل بتقاعس الجهات الأمنية والمسؤولة عن تأدية مهامها للكشف عن تفاصيل الجرائم، بسبب ضغوط المتنفذين والاذعان لهم”.

ويستشهد العلوان خلال حديثه لـ”طريق الشعب”، بعملية الاغتيال التي طالت المتظاهر صلاح العراقي، مؤخرا في بغداد، بعدما “تم تعطيل كاميرات المراقبة وافلات القتلة رغم أن مكان الجريمة يعرف عنه بأنه محصن أمنيا”. ويجد المتحدث أن مطالبات المنظمات “اصبحت غير مجدية لأن الجهات المسؤولة لم تعد تكترث لها”.