أقامت منظمة الحزب الشيوعي العراقي في روسيا الاتحادية بالتعاون مع مجموعة من المثقفين العراقيين والعرب وبمشاركة عدد من زملائنا وأصدقائنا العراقيين حفلا استذكاريا في 20 نيسان 2018 بمناسبة وفاة المفكر والباحث والشخصية الأكاديمية الاجتماعية الدكتور فالح عبد الجبار.

   وافتتح الحفل الرفيق حسن النداوي بكلمة ترحيب بالحاضرين وشكرهم على تلبية دعوة المنظمة ومشاركتهم في الحفل. ثم دعا الحاضرين الى الوقوف دقيقة صمت على روح الفقيد.

   وفي البداية القى سكرتير منظمة الحزب الرفيق دكران يوسف نظرة سريعة على سيرة حياة الفقيد لتعريف الحاضرين على هذه الشخصية الفذة ابتداء من ولادته في بغداد عام 1946 وعمله محررا في جريدة طريق الشعب ومغادرته العراق عام 1979 بعد حملة التصفية التي تعرضت لها كوادر حزبنا. ثم تناول فترة حياته في كردستان والتحاقه بحركة الأنصار، وفي مطلع التسعينات استقر في لندن وهناك نال شهادة الدكتوراه عام 1999. كما واشار الى المواقع الأكاديمية التي شغلها الراحل ، كان آخرها مدير معهد الدراسات العراقية في بيروت الى ان وافاه الأجل في 26 شباط 2018. واستعرض بعد ذلك اهم مؤلفاته وترجماته عن اللغتين الانكليزية والألمانية اللتين كان الفقيد يجيدهما اجادة تامة.

   ثم تحدث الدكتور عبد الله حبة وقال في مداخلته ان الكثير من المثقفين واعلام الفكر العراقيين قد رحلوا عنا في الفترة الأخيرة، كان آخرهم الفقيد فالح عبد الجبار. وذكر أن فالح كان مؤمنا بالفكر الماركسي ولم يتخل ابدا عن وقوفه الى الحزب. وتطرق الى مواقفه الفكرية الجريئة وآرائه الخاصة والارتكان الى قول الحقيقة في اية مناسبة وحول اي موضوع . وقال ان الفقيد بقي ثابتا ومؤمنا بفكره وعقيدته ولم ينضم الى الذين باعوا أقلامهم وأفكارهم. وتناول بعد ذلك محاضرته في بغداد حول شكل الدولة – الدولة المدنية الديمقراطية وآفاق تحقيقها. وذكر الزميل عبد اللة ان الفقيد كان احد عمالقة الفكر العراقي ووفاته خسارة كبيرة للجميع.

   وفي مداخلة للدكتور فالح الحمراني استعرض بالتفصيل تاريخ حياة الراحل، وأشار الى اهم مؤلفاته التي صدرت في الفترة الأخيرة ومنها كتاب اشكالي حول دولة الخلافة في العراق عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وكان عبد الجبار يعتقد ان الأزمة التي نعيشها اليوم حيال الحركات الجهادية هي نتيجة لما يدعوه ب " الدولة العربية الفاشلة ". وذكر ان الفقيد تناول في كتابه " العمامة والأفندي " جذور الاسلام الشيعي وسيسيولوجيا خطاب وحركات الاحتجاج الديني ساعيا الى تجاوز النموذج الايراني والتركيز على الحالة الشيعية العراقية، حيث ان الحراك النضالي الشيعي في العراق سبق الثورة الايرانية بحسب عبد الجبار. تطرق بعدها الى اهم مؤلفاته وترجماته ورؤيته الجديدة للعالم وتحوله من الانتماء القومي الى خيار الفكر الماركسي وانتمائه ووقوفه قريبا من الحزب الشيوعي العراقي. واستندت اعماله في هذه  الفترة على منطلقات الفكر الماركسي ومواقف الحزب الشيوعي العراقي . واشار الى انتقاداته اللاذعة لواقع العلوم الانسانية في العالم العربي وانحسار الأعمال الفكرية والعلمية التي تحلل راهن المجتمعات العربية وتاريخها. وتناول ترجمته لرأسمال كارل ماركس بالمقارنة مع ترجمات سابقة جرت قبل ذلك وبقيت محصورة في اسواق  محددة وكانت بعيدة عن الجودة والكمال لكون ان المترجمين لم يكونوا من الضليعين بالفكر الماركسي، وتزامنت ترجمته لكتاب راس المال مع تعمقه في دراسة الفكر الماركسي.

   بعد ذلك القى الدكتور ابراهيم الخزعلي كلمة بهذه المناسبة بعنوان " الشموع التي لا تنطفئ " ذكر فيها ان حضورنا هو ليس من باب التأبين والحزن والمراسيم التقليدية، وانما لقاءنا هنا هو استذكار وتحليق في فضاءات الفقيد الفكرية والروحية والنضالية، والولوج في عمق وأبعاد عطاءاته القيمة في مختلف جوانب الفكر والابداع، حيث هو احدى النجوم العراقية اللامعة، والتي لا تفترق عن النجوم المتلألأة في سماء العطاء الانساني. وتابع كلامه من حضارة بلاد الرافدين والعلاقة الجدلية بين عطاءاتها وابتلاءاتها على مر العصور والدهور، وحول ما السر في هذه الأرض التي تلد عباقرة وعظماء أفذاذ، وفي الوقت ذاته تلد الى جانبهم طغاة وأزلام شواذ ؟ واورد بعد ذلك امثلة حية على هذا الصراع التاريخي المحتدم بين قوى الشر والبغي والجريمة والظلام وبين خيرة ابناء العراق من علماء وشعراء وأدباء ومفكرين وفنانين ومناضلين ومعاناتهم وصمودهم من اجل سعادة وكرامة شعبهم ووطنهم.

   وشارك في المداخلات الرفيق حسن النداوي واورد جوانب اخرى  من سيرة حياة الراحل ابتداء من دراسته لكافة النظم الفكرية والليبرالية ومن ثم افكار مدرسة فرانكفورت وتطويرها للماركسية، وترجمته لكتاب بول هيرست وجرهام تومبسون ( العولمة ). وذكر ان فالح عبد الجبار شكل مع مجموعة من الماركسيين العرب بعد سقوط التجربة الاشتراكية في مطلع التسعينات من القرن المنصرم  موقفا شجاعا بالدفاع عن الخيار الاشتراكي ، حاملين مشعل التفكير العقلاني لمواجهة متطلبات هذه المرحلة. وتناول ايضا دراساته الأخرى منها ثورة اكتوبر والظروف التي مرت بها، وترجمته لكتاب رأي المال، وكتاباته ومقالاته عن العراق بوصفه احد رواد التحليل الاجتماعي الحديث بعد العلامة الكبير الدكتور علي الوردي. وقال ان فالح تابع ايضا تطورات الحراك الجماهيري وتوقف عند تحليل ظاهرة اشتراك التيار الصدري في الحراك وتعاونه الميداني مع القوى المدنية .

   وانتهى الحفل الاستذكاري بعرض فيلم وثائقي عن الفقيد فالح عبد الجبار.