في صبيحة يوم الأربعاء المصادف الخامس عشر من تموز عام 2020، أفل نجم المصرفي والاقتصادي العراقي البارز مظهر مصطفى الحلاوي في العاصمة الأردنية عمان، بعد معاناة من مرض عضال، عن عمر ناهز السادسة والثمانين. ولد الفقيد في مدينة بغداد يوم الثاني والعشرين من أيلول عام 1936. درس المرحلة الابتدائية في المدرسة الجعفرية الابتدائية في صبابيغ الآل، ثم تدرج في المراحل الدراسية لينتقل إلى الثانوية الشرقية في الكرادة الشرقية. وبعد حصوله على شهادة البكالوريا، تقدم للدراسة في جامعة بغداد، كلية التجارة والاقتصاد، عام 1956، وأكمل الدراسة الجامعية في عام 1959-1960، وحصل على درجة البكالوريوس بدرجة جيد جداً مما أهله للحصول على بعثة دراسية في الاتحاد السوفييتي. وما أن شرع بالدراسة لنيل شهادة الدكتوراه حتى أصيب بمرض عضال في الغدد اللمفاوية مما اضطره إلى مغادرة موسكو والانتقال إلى العاصمة البريطانية لندن للمعالجة، ومن ثم إكمال دراسته العليا لنيل شهادة الماجستير في العلوم المصرفية.

انخرط الفقيد مظهر مصطفى الحلاوي في مطلع شبابه في النشاط الوطني والديمقراطي، وشارك في نشاط المنظمة الطلابية السرية والمحظورة من قبل

الحكم الملكي “اتحاد الطلبة العراقي العام”، ثم شارك في نشاطات الحركة الوطنية والديمقراطية. وعلى غرار طموح الشبيبة العراقية والجيل الصاعد آنذاك لحيازة المعرفة والثقافة والوعي والتنوير لنقل العراق العزيز إلى ركب التقدم والتنوير والاستقرار، شارك الفقيد في عام 1956 في تحرير مجلة “السينما” لصاحبها كامران حسني مخرج الفلم الشهير “سعيد أفندي”، إلى جانب الصحفي والشاعر صادق الصائغ والصحفي محمد كامل عارف وعبد الله حبه وآخرون، حيث ساهم الفقيد في ترجمة المواد التي تحتاجها المجلة إضافة إلى متابعته لآخر الأخبار المتعلقة بالفن السينمائي في العالم.

بعد رجوعه إلى العراق في الستينيات، عمل في عدد من المصارف والبنوك العراقية، ومارس هذه المهنة الحساسة بكفاءة وجدارة وتجرد وبيد بيضاء، وتدرج فيها إلى أن أصبح مدير فرع بنك الرافدين في العاصمة البريطانية لندن. وأسس لاحقاً وأدار مصرف الخليج التجاري، ثم أنتخب رئيساً لرابطة المصارف العراقية الخاصة، وأبدى الكثير من الملاحظات حول علاقة الدولة بالمصارف الخاصة، فقد عارض قرار فرض وصاية البنك المركزي العراقي على البنوك الخاصة باعتبار أنه سيؤثر سلبياً على المصارف الخاصة وتراجع ثقة المواطن بها. وضع الفقيد عصارة جهده وفكره في العمل المصرفي وإغناء المكتبة بمؤلفاته ومنها كتاب “التفاوض المصرفي “الذي يطرح قضية التفاوض في المصارف من وجهة نظر علمية وعملية وعلاقة العمل والشراكات بين المصارف وبين الزبائن وإنشاء شركات ومشاريع والتطوير الداخلي للمصارف والتوسع الخارجي ونمط إدارة المصارف. كما ألف كتاب “العلاقات العامة والمزايا التنافسية في المصارف، وترجم كتاب فن وعلم التفاوض” لمؤلفه هاوارد رايفا، وترجم كتاب “ مقدمة في الصيرفة لمؤلفه فيليب مولينو. ولم تقتصر اهتماماته على الجانب المهني بل خاض ميدان العلوم الاجتماعية وألف كتاب “خواطر في الغربة” وترجم كتاب “التاريخ والسياسة من الحرب الباردة إلى الوفاق الدولي لمؤلفيه كولن باون وبيتر موني، إضافة للمساهمات والمقالات والكتب الأخرى التي ألفها.

لقد خسر العراق بفقدانه شخصية مهنية رفيعة ونزيهة، شخصية ذو خلق رفيع وشخصية وطنية حملت هم العراق وتطوره واستقراره وحفظ كرامة مواطنيه. نم قرير العين إيها العزيز بسلام في مثواك الأخير في الغربة، ولعائلة الفقيد وآل حلاوي ولبنات الفقيد وزوجته آيات من الصبر والسلوان.

عرض مقالات: