لعائلة نجفية عريقة، ينتمي قيس الصراف، ابن السيد الوجيه حسن هاشم، وقد اختار ان يكون في صفوف اليسار والحركة الديمقراطية العراقية، بل وان ينشط فيها حيويا ومثابرا في بلاده، وبعدها في المنافي والمغتربات، عائفاً العيش الميسور، متطلعا وطموحا للتغيير الاجتماعي، والغـد، الافضل..
وفي عامنا الحالي 2020 تمر اربعة عقود بالتمام على تعارفنا الشخصي المباشر، ثم لتتكرر اللقاءات في نشاطات الطلبة والشبيبة الديمقراطية العراقية وأطرها وتنظيماتها.. كان اللقاء الاول في دمشق الشام التي كان - قيس - قد وصلها تاركاً دراسته الهندسية الجامعية ببغداد، بعد ان كشرت السلطة البعثيية الحاكمة عن كامل انيابها في تلك الفترة، وأوغلت في ملاحقة معارضيها السياسيين، بل والوطنيين الحقيقيين، والديمقراطيين، عامة..
والى جانب العشرات، بل المئات من زملائه ورفاقه واصحابه، ينغمر صاحبنا في صفوف المعارضة الديمقراطية واليسارية والشيوعية، مع كل ما ترتب على ذلك من صعوبات وتضحيات.. ونشط في تشكيلاتها تلك المعارضة: الطلابية والشبابية، الى جانب مهمات اخرى تكلف او كُلّف بها .. وتسنم فيها مسؤوليات مختلفة وليصبح أحد وجوهها البارزة لسنوات..
ونلتقي في دمشق على تلك الدروب وغيرها، ثم في براغ، حين شاركنا سوية في أكثر من فعالية طلابية عراقية اوربية، مركزية، في النصف الاول من الثمانينات الماضية.. وكان قيس (ابو على، ثم ابو نادية لاحقاً) حيويا ومثابرا، ممثلا لجمعية الطلبة العراقيين في سوريا التي تحمل اعباء مسؤولياتها، وخاصة في فترة تأسيسها، وترتيب متطلبات نشاطاتها، وتلكم من اهم المراحل في اية بدايات... ولا يمكن ان ننسى بهذا السياق-عن البدايات والنشاطات- وجوها واسماء من الطلبة والشبيبة العراقيين الديمقراطيين الذين ساهموا بحيوية في تلك التشكيلات ومنهم، وبحسب الذاكرة: بلقيس حسن، سحر – دنيا ، سهام الجواهري، ابو سيّف، ابو عزّه، أبو هند (علي السامرائي) ، جمال الجواهري، عادل الربيعي ( الشهيد ابو سلام) ، سعدي السعيد، عبد الحسين الحسيني (ابو عماد)، محمد عنوز (ابو سامر) والعديد العديد من الاصدقاء والاحباء..
ولسنوات وسنوات يستمر التواصل مع قيس، ويتعمق في علاقات اجتماعية خالصة، وصداقة جميلة، ما برحت ذكرياتها طرية برغم قدمها.. واتذكر - مما اتذكره - ضيافاته "النجفية" المشهودة، سواء في سكنه الذي كان مفتوحاً للجميع، أو في رحاب دمشق المعطاء والمعطار، وهو فرح من القلب بعلاقاته الانسانية، وتلكم هي الاخرى ميزة لا يقدر عليها غير القادرين..
وعلى ذلك النحو لا يمكن ان تُنسى تلك اللقاءات النهارية والمسائية مع قيس، في دارة الجواهري العظيم وسط دمشق، منفردين، أو مع أحباء، وحيث الشعر والتاريخ والحاضر والمستقبل، خاصة وثمة صلات وتاريخ "نجفي" مشترك !.. وما دامت الذكريات تتوالى فكم هو يانعةً الى اليوم عبق تلكم الامسية – الليلة الانيقة التى رتبها قيس في دمشق، ولتجمعنا مودة خالصة مع الموسيقار المتفرد كوكب حمزة، والفنان فلاح صبار، وكاتب هذه السطور، تشدّنا بعضا لبعض ذكريات وتأملات، وأماني عـزّ طلابها..
والى جانب مهامه الديمقراطية والسياسية، يواصل قيس دراسته الجامعية، ليكمل في دمشق ما بدأه في بغداد، ثم ليتخرج مهندسا.. كما انطلق مع جمهرة المعارضين الديمقراطيين واليساريين العراقيين للمشاركة في فعاليات الكفاح المسلح، ضمن قوات الانصار الشيوعيين في كردستان العراق، خلال بعض سنوات الثمانينات الماضية، قبل ان تتراجع تلك الحركة بسبب تعقيدات ذاتية وموضوعية، ومنها اقتتال الاخوة- الاعداء.. ثم ليصبّ النظام البعثي الدكتاتوري في فترة لاحقة جماح عسفه، وجحيم قنابله، واسلحته الفتاكة على القوى السياسية وفصائلها المسلحة في كردستان..
وفي اواخر الثمانينات تحل مواسم الاغتراب الاضطرارية الجديدة للعراقيين المعارضين وعوائلهم، والى ارجاء العالم المختلفة، ويكون نصيب قيس الارتحال الى الدانمارك، والى اليوم، مع اسرته الكريمة (زوجته: شروق نجاة صالح، وابنتاهما نادية ودينا) مواصلاً قدر ما استطاع المشاركة في الفعاليات الوطنية والسياسية والديمقراطية في مستقره الجديد، من اجل امنيات عساها ان تتحقق: عراق آمن سعيد، متطور مزدهر، بعيد عن التناحر والعنف والفوضي التى عاشها منذ أزيد نحو ستين عاما على الاقل ..
لقد بقي الرجل وفياً لأصحابه ورفاقه من "آهل البيت !" القدامى والجدد مشتركاً معهم في الاراء، أو مختلفاً دون غلوٍ أو تشدد، مما مكّنه من ان يكون مستقطِباً يدين بحب الاخرين الذين يبادلونه تلكم المواقف والخصال والرؤى الانسانية. طموحا في الحياة الخاصة والعامة.. وهكذا يروح ايضا ليواصل دراسته الانسانية، الخارجية العليا، في بيروت، دعوا عنكم اهتمامه الانيق بعلاقات اجتماعية وطيدة يغبطه الكثيرون عليها.. ولربما هو مؤمن بذلكم البيت الجواهري المعبر "ذهبُ الناس من الدنيا بمالٍ نعيم، وذهبنا نحن بـ "التلريخ" والذوق السليم" ..
في الصورة : الجواهري الخالد في دارته بدمشق عام 1983 والى يساره قيس الصراف، وعلى يمينه حميد برتو، وفي الخلف، رواء الجصاني .
(*) تحاول هذه التوثيقات التي تأتي في حلقات متتابعة، منذ عامين، ان تلقي اضواء غير متداولة، أو خلاصات وأنطباعات شخصية، تراكمت على مدى اعوام، بل وعقود عديدة، وبشكل رئيس عن شخصيات عراقية لم تأخذ حقها في التأرخة المناسبة، بحسب مزاعم الكاتب.. وكانت الحلقة الاولى عن علي جواد الراعي، والثانية عن وليد حميد شلتاغ، والثالثة عن حميد مجيد موسى والرابعة عن خالد العلي، والخامسة عن عبد الحميد برتـو، والسادسة عن موفق فتوحي، والسابعة عن عبد الاله النعيمي، والثامنة عن شيرزاد القاضي، والتاسعة عن ابراهيم خلف المشهداني، والعاشرة عن عدنان الاعسم، والحادية عشرة عن جبار عبد الرضا سعيد، والثانية عشرة عن فيصل لعيبــي، والثالثة عشرة عن محمد عنوز، والرابعة عشرة عن هادي رجب الحافظ،، والخامسة عشرة عن صادق الصايغ، والسادسة عشرة عن صلاح زنكنه، والسابعة عشرة عن عباس الكاظم، والثامنة عشرة عن هادي راضي، والتاسعة عشرة عن ناظم الجواهري، والعشرون عن ليث الحمداني، والحادية والعشرون عن مهند البراك، والثانية والعشرون عن عبد الرزاق الصافي، والثالثة والعشرون عن كمال شاكر، والرابعة والعشرون عن حسون قاسم زنكنة... وجميعها كُتبت دون معرفة اصحابها، ولم يكن لهم اي اطلاع على ما أحتوته من تفاصيل، وقد نشرت كلها في العديد من وسائل الاعلام..