لن أسألك عن اسمك، وليس مهما بالنسبة لك معرفة اسمي ـ كما أعتقد ـ يكيفنا اننا كلانا نعرف، بأن ما يجمعنا هو الكثير، وان اختلفنا في بعض التفاصيل.
ما يجمعنا ـ يا صاحبي ــ هاجس كبير، نكاد نستنشقه مع أنفاسنا، كل لحظة، ألا وهو ان يكون غد العراق هو الأجمل. هاجس ان ننعم بالحرية، وان لا نكون اذلاء، خاضعين لأحد وسلطة غاشمة، لهذا سلكنا هذا الدرب بدون تردد وغير هيابين. يسميه كتاب المراثي وشعراء الندب: طريق الشهادة، وبالنسبة لنا هو طريق الحرية!
سكب احبتنا الدموع، ورفعوا صورنا، واوقدوا الشموع مترنمين بالأغاني والاناشيد الحزينة، وكنا نتسمع لهم، ونحن نستغرب كيف يعتقد البعض اننا رحلنا؟! ها أنا ارى ارواحنا تطوف في كل مكان، واسماءنا تحولت الى رايات تحملها حشود الشباب تطالب بما حلمنا به انا وإياك دوما!
رغم اختلاف ظروف استشهادك عن ظروفي، الا أني أجد ــ يا صاحبي ــ ان هناك الكثير يجمعنا!
تعال انظر معي. أولا سأتوقف عند سماء الوطن، فكلانا استشهد وحلقت روحه كطير سنونو ـ كما يقول الكتاب ـ في سماء وطن أحببناه معا، وكنا مستعدين لبذل كل ما نملك ــ وهذا رابط آخر يجمعنا ــ الا وهو اننا وهبنا هذا الوطن أعز ما نملك: حياتنا!
قد نختلف بيننا انني اضطررت مع صحبي الى رفع السلاح ومقاومة نظام دكتاتوري شوفيني فاشي، يقوده جنرال مزيف، ومقاتلة المرتزقة المؤتمرين بأمره. ايامها رفعنا شعار " النظام عدونا، والجنود إخواننا". وعلى ذكر الجنود، مثلك أيضا كنت أحب كرة القدم، ولأننا نعيش حياة بدون كهرباء وتلفزيون، حياة الكهوف في الجبل، كنت وبعض صحبي من المقاتلين الأنصار، نعقد علاقات الصداقة مع جنود الربايا، أبناء مدننا الفقيرة، ونتسلل بدعوة منهم الى الربايا لنشاهد معهم اهم المباريات! بينما اعرف أنك تابعت مباريات كرة القدم من على شاشة كبيرة نصبت في ساحة التحرير. وأعرف بأن تظاهراتكم كانت سلمية، وكنتم ترفعون العلم العراقي سلاحا أوحد، وتنادون بالانتماء الى الوطن، وليس غير الوطن، لكن "الطرف الثالث " ـ هكذا سمته وكالات الاخبارـ كان يستهدفكم انت واصحابك واسقطوك غيلة وانت تتحرك في محيط ساحة التحرير وقيل إنك كنت تنقل بعض الطعام لأصحابك في المطعم التركي، حيث اعتصموا!
قد نختلف في بعض التفاصيل، لكن قاتلنا يبدو ـ يا صاحبي ـ واحدا، مهما تغيرت هيئته ولباسه وكنيته: انه ذاك الطرف ـ الثالث او الرابع ـ الذي يكره الحياة، الكاره للتسليم بالحق، الذي لا يستوعب أفكار الآخر المختلف، المخدوع بكرسي السلطة والقوة، الذي لا يفهم بأن غضب الشعب سيكون يوما سيلا جارفا لا يسلم منه في الوادي الا الحجارة، وان مستقبل الوطن الموعود، المدني الديمقراطي، تعمده دماء الشهداء، وكان شرف لنا ــ انا وإياك ــ ان نكون منهم!
تحية أيها الشهيد!
رسالة!
- التفاصيل
- يوسف أبو الفوز
- فضاءات
- 2312