طريق الشعب
أصبحت قصص ويوميات ساحات الاحتجاج في العراق، المنقولة عبر مقاطع الفيديو والصور، تحوز اهتمام العراقيين بشكل كبير جداً، لتكون شغلهم الشاغل في مواقع التواصل ومنصات التراسل. إذ يوثق المحتجون، منذ مطلع تشرين الأول الماضي، مشاهد مختلفة، بعضها يفضح العنف المفرط الذي تواجه به قوى السلطة المتظاهرين السلميين، وأخرى تجسد مشاهد مختلفة تعبر عن بسالة المحتجين وإصرارهم وتآلفهم وتلاحمهم وتضامنهم في ما بينهم.
العراقيون الذين اعتادوا في مواقع التواصل على تبادل بطاقات ومقاطع فيديو مختلفة تتنوع بين الأدعية الدينية والنصائح والنكات والأشعار والأغاني وغير ذلك، أصبح من النادر اليوم أن تجد رسالة أو محتوى مصورا يتناقلونه خارج إطار الاحتجاجات. وبحسب رسول الشيخلي، الذي كان ينشئ في السابق محتويات فيديوغرافية ساخرة تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي، فإن صناعته لمقاطع فيديو حول الاحتجاجات لقيت انتشاراً وقبولاً لم تعهده أعماله السابقة على مدى مشواره في هذا العمل الذي يمتد لأكثر من سبع سنوات.
ويذكر الشيخلي في حديث صحفي، ان عمله يتلخص في تصوير مقاطع فيديو من ساحات التظاهر، بدقة عالية، ثم صناعة مقطع مختصر منها وتضمينه أغنية وطنية أو أشعار، مبيناً ان "هذه الأعمال أقدمها مجاناً عبر مواقع التواصل لمساندة المحتجين، ويتم تداولها ومشاهدتها وتناقلها بشكل كبير جداً".
التجول في ميادين الاعتصام، يرافقه باستمرار تصوير بكاميرات الهواتف الجوالة. فالجميع يوثقون وجودهم في هذه الأمكنة بمقاطع فيديو وصور فوتوغرافية، فضلاً عن تسجيل مواقف عديدة، بطولية وإنسانية، ليتم بثها عبر مواقع التواصل. وقد تحول العديد من تلك التسجيلات إلى حديث الإعلام العالمي، لا سيما صمود الشباب السلميين العزل أمام قوات الأمن المدججة بالسلاح وهي تطلق عليهم الرصاص الحي وقنابل الغاز.
وهناك أيضاً مشاهد توثق إسعاف المحتجين لزملاء لهم تعرّضوا لإصابة، وأخرى حمل زميل استشهد تواً والدماء تنزف من جسده.. كلها مشاهد مؤثرة للغاية، يصفها الصحفي أنمار التميمي بأنها "سلاح خطير" كان وراء استمرار الاحتجاجات.
التميمي الذي وثق العديد من أحداث القمع بكاميرته الخاصة، قال في حديث صحفي إن القمع المفرط الذي واجهت به قوى الأمن الاحتجاجات السلمية، بث إلى العالم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحقق نسب مشاهدات مليونية خلال ساعات قليلة، ما أفشل خطة السلطة لإنهاء الاحتجاجات.
وتابع قائلا ان "مشاهدة القمع الوحشي رفعت حدة الغضب الشعبي، ما جعل الدعم الجماهيري يزداد، لتشهد ساحات الاحتجاجات في مختلف المدن حضوراً كبيراً، الأمر الذي أفشل خطة الحكومة في إخماد الاحتجاجات وإنهائها بالقوة".
وأضاف التميمي قائلا: "تحدثت إلى زملاء صحفيين أجانب عبر الهاتف، كانوا يبدون دهشتهم من روح التعاون والألفة بين العراقيين وهم يواجهون العنف"، لافتا إلى أن بعض الصحفيين كانوا يطلبون توضيحاً حول مقاطع فيديو إن كانت فيلماً سينمائياً أم حقيقية "هالهم أن شباباً يواجهون القتل والقوات المسلحة بلا مبالاة" – على حد قوله.
شابات ينظفن شوارع ساحات الاحتجاج، وأخريات طبيبات ومسعفات يهرعن لتقديم العلاج لمصابين، وغيرهن يعددن الطعام ويقدمنه مجاناً، والآلاف يتبرعون بمؤن مختلفة، وفنانون يرسمون ويعزفون، وآخرون يحولون جدران المكان إلى لوحات فنية، فضلا عن وجود مكتبات توفر فرصا للمطالعة.
كل هذه وغيرها وثقت بمقاطع الفيديو وتحولت إلى مادة مهمة يتناقلها العراقيون عبر مواقع التواصل