عاكف سرحان

نظمت تنسيقية التيار الديمقراطي في ستوكهولم بالإشتراك مع جمعية بابيلون للفنون، والجمعية المندائية في ستوكهولم، ندوة جماهيرية تحت عنوان "الحراك الجماهيري ودوره في التغيير - الآمال والآفاق"، إستضافت فيها كل من: الإعلامي سلام العبيدي، الإعلامي والكاتب فرات المحسن، د. رياض البلداوي، د. وميض السماوي، د. سعدي السعدي، د. نوال الطائي، بحضور جمهور من الجالية العراقية، وذلك بتاريخ ٢٣/١١/٢٠١٩، في مقر الجمعية المندائية في ستوكهولم.

رحب مدير الندوة الإعلامي سلام قاسم، بالحاضرين والضيوف ومنهم  د. صالح ياسر عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، ودعاهم وقوفاً للإستماع إلى النشيد الوطني، وثم دقيقة حداد على أرواح شهداء الإنتفاضة.

وألقى الأستاذ فاضل ناهي كلمة قصيرة أكد فيها على دعم الجمعية المعنوية والمادية لديمومة الحراك الجماهيري المتمثل بإنتفاضة إكتوبر المجيدة، ولتعزيز روح النصر لدى الصدور العارية المملؤة عنفواناً بحب العراق. ويقام نشاطنا هذا إستمراراً للنشاطات المنجزة منذ اللحظات الأولى لإنطلاق الإنتفاضة، وهو لبنة في جدار الدعم الغير محدود من كافة شرائح المجتمع العراقي الطيبة.

كانت أول مداخلة للدكتور سلام العبيدي، القادم من ساحة التحرير، بعد أن قدم مقدم الندوة نبذة عن حياته المهنية الصحفية.

وتحدث عن معايشته ليوميات الإنتفاضة، ونقل التحية من بغداد الثائرة والعراق إلى الحاضرين والجالية العراقية في السويد، لما قدمته وما زالت تقدمه من الدعم المعنوي والمادي لأبطال الإنتفاضة.

وأشار العبيدي في حديثه: هناك مشهد ملحمي باهر في العراق لم نرى مثله منذ ستة عقود، أي منذ ثورة ١٤ تموز، حراك نابع ضمير الإنسان العراقي ومن قلب الشعب العراقي ويعبر عن نبض الشارع العراقي. لماذا حدث هذا؟ لأنه لم يمنح للشعب العراقي الفرصة بأن يثور ضد الطاغية صدام، وإنما كان هناك سباق مع الزمن، لأن العراق كان فعلاً سيثور في بداية الألفين، فلذلك الأمريكان إستبقوا الزمن وقرروا أن يطيحوا بالنظام العراقي ، فلذلك التغيير الذي وقع في العراق بعد إحتلاله وغزوه الإنكلوسكسوني، لم يكن من إرادة الشعب وإنما جلبوا أوصياء أصغوا إلى الإدارة الأمريكية- الغربية، ليقودوا العملية السياسية في البلد، ولذلك ثار الشعب بعد ١٦ عاماً من الذل والظلم والقهر والحرمان ومراحل من الإبادة الجماعية، وهذه فعلاً الثورة العراقية التي كنا ننتظرها عندما كان العراق يحكم من قبل الطاغية صدام وزبانيته، ولذلك هذه الثورة ولو تأخرت لكنها وقعت وهي مهددة.

فالمشهد في العراق يختلف عما يعرض على شاشات التلفزة، ووسائل التواصل، لأنها لا تنقل الصورة كما هي وأيضاً لأن وسائل التواصل والتلفزة لها أجندات وهناك ما يسمى "الذباب الألكتروني"...الخ.

والصورة لم تنقل بواقعية ١٠٠%، ولكننا نتفاعل معها وهي السبيل الوحيد للتواصل للذين يقيمون وخارج البلد. والمهم في هذا الظرف أو الإمتحان الذي يمر به الشعب العراقي، يجب أن يتحلى الجميع باليقظة سواءً داخل العراق أو خارجه، لأن هناك أجندات تحاول أن تصطاد بالماء العكر.

والآن المهم أن يأخذ هذا الحراك مساراً سليماً، لأن هناك محاولات للتأثير عليه لحرفه عن مساره السلمي، الذي تميزت به الإنتفاضة عن باقي الحراكات التي شهدتها دول عربية أو ما يسمى بالربيع العربي. ولأن بسلمية هذه الإنتفاضة يمكن تحقيق فعلاً المكتسبات، ولحد الأن نجح الشباب في الحفاظ على السلمية.

وتطرق إلى التنظيم داخل ساحة التظاهر، وهذا يجري بالدرجة الأساسية عن طريق الإختصاصات، حيث توجد خيم لنقابات مختلفة، العمال – الأطباء – وكل المهن التي لها نقابات فهي موجودة ويتم التنسيق مع هذه النقابات، وهذا يصفي صيغة وطابع تنظيمي لهذا الحراك ويكسبه قوة ويسهل التنسيق ما بين هذه الخلايا ويمكن نصفها مثل مملكة النحل، وهناك توزيع مهام وهذا شيء جميل، ولذلك هذا الأمر مستمر، والأهم وجود الحاضنة الشعبية والدعم المستمر المعنوي والمادي، مثلاً هناك مستشفيات تغص بالجرحى ونقص ببعض اللوازم الطبية، والناس تتفاعل مع قلب الحدث فتجلب اللوازم الطبية من ساحة التظاهر، وهناك متطوعون لنقل هذه المساعدات إلى المستشفيات، وعلينا في الخارج التركيز على الحاجة إلى الأدوية واللوازم الطبية.

وأشار د. سلام إلى أهمية توحيد جهود كل العراقيين الموجودين في الخارج بإنتماءاتهم المختلفة، حيث تجربة الشباب العراقي قدم لنا مشهداً سياسياً وفكرياً ناضجاً من صميم هذه الثورة والحراك، برفض للإنقسام الموجود في المجتمع العراقي على أسس مختلفة، طائفية ومذهبية وعرقية وفكرية..الخ، ويجب أن ننضج إلى هذا المستوى الموجود في الشارع العرقي، وليكن تنظيمنا العراق هو الوطن. وعلينا أن نعمل من موقعنا في السويد، بالإضافة إلى ما قدمتموه من مساعدات، أن نرسل رسائل ألكترونية يومية عن أحداث الإنتفاضة وذكر عدد القتلى والجرحى، وتكون إلى المنظمات السويدية والصحف والأشخاص المؤثرة في الحكومة أو البرلمان.

وأخيراً أجاب المتحدث عن بعض الأسئلة، وأكد بأن المعلومات الرسمية عن عدد الشهداء غير دقيقة ومقصودة.

وأشار د. رياض البلداوي في مداخلته على أن الحراك الشعبي أكد حقيقة أن السلطات الحاكمة بعد ٢٠٠٣ ومن خلال المحاصصة البغيضة وهيمنة الأحزاب الإسلامية والقومية، قد عملت على شرذمة مفهوم الوطنية في العقل الجمعي العراقي، الذي وضعت لبناته الطبقة الوسطى منذ تأسيس الدولة العراقية، ثم دمرها صدام أو قتلها بالحروب، وبعد ٢٠٠٣ شرذمت السلطة الجديدة بأحزابها وإتجاهاتها ما بقى من هذه الطبقة حاملة مشعل التطور، ورجعت بنا إلى حياة هؤلاء الشباب الذين أتو من المجهول.

وقد أكدنا سابقاً نحن نريد دولة مواطنة ولا نريد دولة محاصصة، وهذا ما أكدتها هذه الإنتفاضة الشعبية من أصوات هؤلاء الشباب التي جاءت من العمق ومن ناس هم في الحقيقة ليس لديهم ثقافة كبيرة، لكن لديهم حب لوجود هذا الوطن ومشاعر وتعلق به، والمتنفذين عملوا على تدمير الوطنية العراقية. إذن الحراك الشعبي من الناحية العلمية والإنسانية أعاد لنا هويتنا العراقية، وأعاد الثقة بإن عراقنا سيبقى دائماً وأبداً موجود، وهذا يحتاج أيضاً لتجميع عقول وناس يستطيعوا أن يقودوا الخط الثالث حيث الأول للشباب وهم في مواجهة المدفع، وخطوط ثانية وثالثة لكي نستطيع أن ننهض بهذه العملية ووضعها على مشارف جديدة، ولا نترك هذه الفرصة السانحة لنعيد كراكتنا وعقلنا الجمعي. وأكد كذلك على أهمية تغيير الدستور.

للدكتور وميض عزيز السماوي مداخلة تطرق فيها إلى ما يحمله الشباب من معرفة في كل الأمور السياسية والحياتية ومشاكل الشباب وأحلامهم ومقارنتهم، بين ما نعيشه من بؤس وشقاء وإنتشار المخدرات وصعوبة التعيين ، وبين ما أنجزته البلدان الأخرى في البناء والتطور. وإن هؤلاء الشباب الذين فجروا الإنتفاضة قاسمهم مشترك، وأجمل ما فيهم مطالبهم نريد وطن، ونازل أريد حقي. وهذه المختصرات ذكية والصور والمشاهد التي قدموها بعفويتهم من النبل تنحني تماثيل بابل وسومر ونحن أمامهم، وهذا شيء من القدسية والوفاء في هذا البلد منقطعة النظير، وطالما إنكسرت الحواجز الفكرية كممنوع، وقد تجاوزها الشباب بذكاء أي تجاوز الدين بغير الإساءة إلى الدين، وهذه مهمة جداً حيث تفاعلت السيدة والشابة والمرأة العراقية، وشاركت بالمظاهرات والوفاء الكبير، وحتى المعوق وذوي الإحتياجات الخاصة هو واقف ومشارك.

وقدم الشباب أيضاً دروس من التسامح بإسعاف منتسبي قوات الجيش والشرطة، حيث يبوسونهم ويقولون  لهم أنتم أبناء بلدي وأهلي، وهذا لم يحدث في أي ثورة أخرى.

ثورة التحرير حولت الجدران الرصاصية إلى لوحات فنية، ومحاولات لجلسات مسرحية، دور بسيطة    لتعليم الناس من الأمية، جلسات حوارات فكرية، توزيع مهام، فالثورة فيها رموز رهيبة حيث إختاروا  النهج السلمي الذكي، وهؤلاء الشباب بعضهم ثوار نتخاطب معهم يتكلمون عن تفاصيل كثيرة كسيرة ونضال غاندي بالتفصيل، وعندهم إستقصاءات مهمة عن الثورة السلمية وقدموا الضحايا وتعرضوا إلى مواقف مريعة، ومع ذلك جسارتهم لم تكسر، حيث إلتحقت بهم المؤسسات التعليمية والنقابات والعشائر جزء كبير منها.

والآن يبدو هناك تقطيع في أواصر المؤسسة العسكرية التدريجي، ولكن هناك مخاوف من أن الثورة لا زالت بلا وجه بلا أسماء بلا منهج أيديولوجي واضح المعالم، وأملنا أن تظهر في الوقت القريب.

وللدكتور سعدي السعدي مداخلة ذكر فيها: نقف إجلالاً وإكبار لشهداء الإنتفاضة من أجل الوطن.

الوطن هو الناس وكرامة وعزة الوطن هي من كرامة وعزة الناس، فالأحزاب المتنفذة قتلوا الوطن وسرقوه ودنسوا قيمه وحضارته، وجاءوا بالمحاصصة الطائفية والعنصرية وكل الرذائل، بدل كلمة الوطن والمواطنة، وحامي الوطن هو الجيش وأصبح طائفي غالباً، من خلال زج مؤسسات مليشياوية، فمثلاً القائد العام للقوات المسلحة يعطي أوامره لحماية المتظاهرين، لكنهم يقتلونهم ووزير الدفاع يقول هناك طرف ثالث وهي المليشيات أو القوى المندمجة من المليشيات في الجيش العراقي، والقائد العام للقوات المسلحة لا يستطيع إيقافها.

الفساد الإداري والمالي التي تمثل في تجليات كثيرة معروفة، جعل العراق مستباحا للمتنفذين، وتدمر وضع العائلة العراقية أكثر بعد أن دمرها صدام وحروبه حيث تزايدت حالات الطلاق والإنتحار بسبب الوضع الإجتماعي المعقد للإسرة العراقية، والفقر والبطالة والبطالة المقنعة، والأمية وفشل العملية التربوية برمتها وتسرب الطلبة بسبب حاجة الأهل لمعونتهم. إن روح الشباب الجديدة في ساحة التحرير هي بناءة بأشكال مختلفة، وهذه الروح هي التي سوف تبني العراق بشكل أسرع مما كنا نضن.

وللإعلامي والكاتب فرات المحسن مداخلة تطرق فيها إلى أن الأول من إكتوبر يعد يوماً مفصلياً في تاريخ العراق الحديث منذ تأسيس السلطة الوطنية عام ١٩٢١ لحد الآن. في إكتوبر إنطلقت إنتفاضة جبارة مجيدة في ساحات وسط وجنوب العراق، ومع الأسف أستثني منها  كردستان والجهة الغربية من العراق، فالجيل الذي إنتفض يبحث عن هوية وطنية ووجود إنساني وحياة كريمة وحريات حقيقية، جيل لا يرفع غير شعار الوطن العراقي، جيل يبتعد عنا نحن جيل ثورة ١٤ تموز، وهو جيل يختلف عن ما عرفناه نحن وعن مفاهيمنا وتقاليدنا السياسية ورؤانا، جيل الإنترنيت والتواصل الإجتماعي والمعرفة المفتوحة، جيل إختلفت رهاناته ومطالبه وإختلفت أساليب وطرق دلالاته.

قبل الإنتفاضة دخل قسم من الشعب العراقي حالة اليأس، لأن الطغمة الفاسدة سوف تبقى مسيطرة على الوضع وسوف لا تمنح للشعب فرصة للتغيير وسوف يطول الزمن مثلما طال مع حزب البعث، لكن إنتفاضة إكتوبر وسعتها وحراكها فاجأ الجميع ومنهم نحن، حيث دللت قوة إرادة هؤلاء الشباب والكثير منهم بسطاء وجاءوا من حواشي المدن، ولكنهم يعرفون ماذا يريدون وأثبتوا قدرتهم وجديتهم على إجتراح المواقف الصعبة، وكما تنبأ الجواهري عندما قال: سينهض من صميم اليأس جيل مريد البأس جبار عنيد....، ولهذا نلاحظ شروطهم الآن إستقالة الوزارة وإيجاد وزارة مصغرة حكيمة ووطنية تقود مرحلة إنتقالية، تغيير قانون الإنتخابات بما يضمن للجميع حق الإنتخاب، وهيئة إنتخابات مستقلة بشكل ناجز وحقيقي بأيدي أمينة، تغيير الدستور الذي عد تحت سطوة الأمريكان ومصالح الأحزاب التي ما زالت تتمسك بالسلطة وبما تملك من قوة وهذا ما دفعها لإستخدام القتل الممنهج والإختطاف والإعتقالات وترويع الشباب. وكذلك المراهنة لجر الإنتفاضة للعنف حتى بدورهم يزجون بكل قواهم العسكرية والمليشياوية للقتل  المباح، والرهان الآخر هو المطاولة حيث يعتقدون أن هؤلاء الشباب يصابون بخيبة أمل وينسحبون...

وتحدث الناشطة د. نوال الطائي على دور المرأة في الحراك الجماهيري، وإستعرضت محطات مهمة من تأريخ نضال المرأة العرقية ومآثرها، واليوم تكمل هذه الصفحة بالمشاركة الواسعة في الإنتفاضة الشعبية.

وكذلك تداخل الأستاذ فوزي صبار  رئيس الرابطة المندائية للثقافة، ليركز على أهمية الثقافة، وإستعرض مراحل تغييب الثقافة ومحاربتها من قبل النظام المقبور، وتشويهها من قبل سلطات بعد ٢٠٠٣.

وتداخل وإستفسر عدد من الحاضرات والحاضرين عن الإنتفاضة وتطوراتها والآمال المعقودة عليها وكيفية دعمها بشكل أكبر.

وفي الختام شكر مدير الندوة المشاركين في الندوة والحضور مساهمتهم الحريصة.

عرض مقالات: