طريق الشعب
لا تبدو هناك مؤشرات على أنّ عمليات القمع والاعتقال والقتل، وحتى التفجيرات في صفوف المتظاهرين، أو ممارسات ترهيب الصحافيين والناشطين، قد نجحت في تحقيق هدف خفض أعداد المتظاهرين أو انحسارها في المدن العراقية المنتفضة. إذ لا يزال آلاف المواطنين في ساحات التظاهر ببغداد ومدن وسط وجنوب العراق، مستمرين في الاحتجاج والعصيان لتنفيذ مطالبهم، التي لم تعد تقتصر على توفير الخدمات والتعيينات وتحسين مستوى دخل الفرد وحسب، إنما باتت تُؤمن بمطلب واحدٍ صار أساسيا على غالبية اللافتات المرفوعة في ساحات الاحتجاج، ويتمثل في استقالة الحكومة الحالية وإجراء انتخابات مبكرة ونصب محكمة بجرائم الفساد، وقبل كل ذلك إنهاء المحاصصة الطائفية.
وبعد ليلة الجمعة الدامية التي شهدت تفجيرات في ساحتي التحرير ببغداد والحبوبي في الناصرية، راح ضحيتها ثلاثة شهداء من المتظاهرين، فيما أصيب أكثر من 30 آخرين بجروح، يرى ناشطون ومتظاهرون أنّ دخول هذا التكتيك "هو لون أو مرحلة جديدة من مراحل القمع والترهيب"، مؤكدين تشكيل لجان منهم لمراقبة ورصد الساحات.
ولم تتوصل تحقيقات الشرطة وجهاز الاستخبارات في الهجمات التي طالت ساحتي التحرير والحبوبي، إلى ما يمكن اعتباره دليلا على عمل إرهابي – بحسب مسؤول رفيع في وزارة الداخلية.
وذكر المسؤول في حديث صحفي أن "التوقيت الواحد وأسلوب التفجير الواحد والمكانين اللذين استهدفا، يشير إلى شبهة جنائية"، موضحا أن "المتظاهرين في موقعي الانفجارين يتهمون أحزاباً ومليشيات بأنها تحاول ترهيبهم وإخافتهم عبر التفجيرات تلك لوقف التظاهرات".
في غضون ذلك، اغتال مسلحون مجهولون أول أمس السبت، الناشط وعضو التيار المدني وأحد الوجوه المعروفة في دعمها للتظاهرات عدنان رستم، بعد مغادرته ساحة التحرير إلى منزله في مدينة الحرية وسط بغداد.
ووفقاً لنقيب في الشرطة، فإنّ رستم قتل برصاص أصاب منطقتي الرأس والصدر، بينما لاذ المهاجمون بالفرار. فيما تحدث شهود عيان عن أنّ الجريمة وقعت على مقربة من حاجز تفتيش لقوات الأمن.
في السياق، رأى الناشط في تظاهرات بغداد محمد عباس، أنّ "العودة إلى المنازل اليوم تعني استمرار حالة الفشل واللادولة"، موضحاً في حديث صحفي، أنه "في حال الفشل في هذه المعركة، فإنّ الفساد والتردي في الأوضاع والمحاصصة ستزيد في كل العراق، فضلاً عن أنه ستبرز عمليات انتقامية من كل من شارك في التظاهرات أو دعمها".
وتابع قوله: "لذلك، حتى لو ارتفعت وتيرة القمع سنواصل التظاهر"، مشيرا، وهو الذي استشهد شقيقه في المعارك ضد تنظيم داعش الإرهابي عام 2017، إلى أنّ "المعركة اليوم لا تقل عن تلك التي قتل فيها شقيقي من أجل حماية العراق".
محتجون في مدينة الناصرية، أكدوا من جهتهم أنّ التظاهرات ستستمر، مع إدراكهم الكامل أنّ "القمع الذي تمارسه السلطات سيستمر هو الآخر، ولكن العودة إلى المنازل والانصياع لقرارات الحكومة بشأن انتظار الوعود والإصلاحات المزعومة، هو جرعات تخدير لم تعد تؤثر بالشباب الذي يطلب التغيير".
على صعيد ذي صلة، قال كرار علاوي (19 عاماً)، أحد المتظاهرين المصابين في تفجير ساحة الحبوبي، إنه سيعود إلى التظاهرات بعد تعافيه وخروجه من المستشفى، مضيفاً في حديث صحفي: "أصبت بشظايا في ظهري وتمّ استخراجها كلها، وسأعود لأني إذا قاطعت التظاهرات يعني أنّ الذين يقفون خلف التفجير نجحوا في مخططهم".
إلى ذلك قال المتظاهر في ساحة التحرير أيهم رشاد، انّ "المتظاهرين مهددون في الساحات وفي منازلهم، مشيرا إلى أن "هناك عناصر أمنية تقحم نفسها داخل التظاهرات، وتقوم بتصوير وجوه الناشطين، وبالتالي بات الناشطون يعرفون أن رجوعهم إلى المنازل أصبح أمراً صعباً وأن الساحات هي المناطق الآمنة، لا سيما مع تطور الخطاب السياسي للمتظاهرين وبلوغ المطالب مرحلة جديدة مثل إسقاط الحكومة".
وأوضح رشاد أنّ "مشاعر المتظاهرين ومطالبهم في الاحتجاجات الحالية اختلفت عن الاحتجاجات السابقة. فهؤلاء لا يفكرون الآن بوظائف ومنازل وسيارات وشوارع نظيفة، والحديث الذي يجري حالياً في ساحة التحرير هو عن اختراق سيادة العراق من قبل إيران وامريكا وتدخلات السعودية، إضافةً إلى النقمة على إذعان رجال الدين والسياسيين العراقيين لقرارات طهران، وما شاكل ذلك من مواضيع يسعى المحتجون للوصول إلى حلول لها".