خليل ابراهيم العبيدي
تتحدث الأرقام على أن عدد المتسربين من مدارس البصرة بلغ أكثر من 40 الف متسرب، وتمثل هذه النسبة ارتفاعا هائلا قياسا بعدد الطلبة في المحافظة، او بعدد نفوسها، فيما تشير أخرى الى أن بغداد وبابل تتصدر قائمة التسرب وأن أكثر من 150 الف تلميذ في العراق كافة تسرب من المدارس خلال عام واحد، وبين تلك الأرقام يبقى العجز والفشل الحكومي ثابتا دون ايجاد أي حل يذكر.

أسباب للأزمة

ولا يمكن اخذ هذا الرقم بشكله المجرد، او كأمر واقع اصبح يواجه التعليم في البصرة، وهنا لا بد من أن نشير الى أن ارقامها بالتسرب الدراسي قد يفوق كل المحافظات العراقية، برغم تشابه المأساة بين الجميع، ولكن تزايد الفقر بشكل مخيف يشكل سببا رئيسا لانتعاش هذه الظاهرة، أمام صمت وتجاهل حكومي يقابله غنى فاحش من خلال سرقة المال العام، فضلا عن التقصير الاجتماعي والعائلي في التهاون مع التسرب الدراسي رغم كل الظروف.
وكشفت النائب السابق، ريزان الشيخ، الأحد الماضي، عن وجود نحو 150 ألف تلميذ متسرب من المدارس العراقية خلال عام واحد.
وقالت ريزان، إن "هذه الإحصائية هي فقط للعام الدراسي الماضي، وهي تشكل خطرا كبيرا على واقع التعليم في العراق، فهذه النسبة ليست قليلة أو بسيطة، بل تؤثر على حياة جيل كامل"، مطالبة "الحكومة بإيجاد الحلول لهذه الظاهرة ووضع برامج مناسبة لمنع توسعها وتفاقمها، حيث أن الرقم سيتضاعف خلال العام الحالي والمقبل ما لم تتخذ حلول للتصدي لهذه الظاهرة السلبية".

مسؤولية وزارة التربية

وفضلا عن الفقر والتقصير العائلي او الاجتماعي، فأن وزارة التربية المسؤولة بشكل أساسي عن هذه الارقام المرعبة في الفشل الدراسي، بعد ان تناوب الكثير في هذه الوزارة ممن لا يمتلكون الكفاءة او مقومات النجاح، على مناصب مهمة وقيادية فيها، ساهموا من خلال قدومهم بالمحاصصة، بتدمير التعليم وارجاعه الى عقود من الفشل والتخلف بعد أن كان العراق ناجحا الى حد ما في تجربته التعليمية خلال فترات ماضية من تاريخه الحديث.

فساد وفشل

وما زالت مدارس الطين والبساتين والخيام والابنية المدرسية المتهالكة موجودة برغم الموازنات الانفجارية التي لم يجن الطالب منها شيئا، كما وأن البيئة التعليمية أصبحت طاردة للطلاب وتسرب اليأس وعدم الجدوى إلى نفوس الصغار وهذه جريمة شنيعة بحق التعليم، فيما يستمر الفساد عبر اوجه عديدة في الملف التعليمي، لنوايا اصبحت مكشوفة، فاستمرار تبديل المناهج لغرض طبع الكتب المدرسية كان عاملا ساهم في تخلف التعليم، ولا يمكن فهم تقديم مناهج الطلبة الدراسية للمراحل الابتدائية بشكل معقد وصعب جدا سوى بأنه دفع باتجاه زيادة وتعزيز ارقام هذا التسرب.
أن دول العالم المتقدم، تهتم بالمراحل الدراسية الابتدائية وتأخذ بالعوامل النفسية والقابلية الذهنية للتلميذ ومرحلته العمرية، ولكن وضعنا يسير عكس ذلك، وبمثال بسيط نرى أن عدد المفردات في درس اللغة الانكليزية التي يمر بها الطالب في الرابع الابتدائي والواجب عليه حفظها لا يستطيع معلم غير معلم اللغة ان يحفظها او حتى يعرفها، كذلك ينطبق الحال على درس الرياضيات وغيرها من الدروس الاخرى.

حقوق اصبحت أحلاماً

ولا بد من الإشارة الى أن التعليم الناجح يحتاج الى مقومات ناجحة تعزز من سير العملية التربوية والتعليمية في البلد، ومن العجيب أن بلدا كالعراق بثرواته وميزانياته لا يستطيع أن يوفر أبنية مدرسية جاذبة تليق بأبنائه الطلبة، تجعل من الطالب مجذوبا اليها، وفيما يتعذر ايضا ايجاد مدارس نظيفة وملونة بألوان لطيفة تدلل على أن للمدارس ذوقا ومكانة مهمة بين كافة مؤسسات الدولة، يبقى الحال كما هو بغياب الوسائل التعليمية والطرق التدريسية المتطورة من خلال اساليب الايضاح.
وتضرر المعلم نفسه من هذه المعرقلات والمصاعب، حيث أصبح قليل جدا أن نرى معلما نموذجيا بمقياس معلمي الاجيال السابقة مما يذكره اباؤنا بامتلاكهم المعلومات الغزيرة والرصيد المعرفي والثقافي المميز الذي يجعل منهم قدوة للطلاب وحتى لذويهم، وهذا لا يقع من باب اللوم على معلمينا فلا بد من تثمين جهودهم، ولكنه يندرج تحت اطار الخراب الذي لحق بالمعلم قبل الطالب كونه يتحمل المسؤولية الكبرى في هذا الجانب.
ونناشد كل المسؤولين في الحكومة والبرلمان والمعنيين بالأمر، الى انقاذ هذه الاجيال من الضياع والدمار، فأن اطفال اليوم سيكونون مستقبله القريب ومن حقهم العيش بكرامة وبوضع آمن وملائم لعراقيتهم وآدميتهم قبل كل الاعتبارات الاخرى، ولا يمكن هذا الا بإيقاف ظاهرة التسرب الدراسي الخطيرة.