تكللت جهود مثقفين وناشطين في مدينة الفلوجة غربي بغداد، بغرس البذرة الأولى لـ "شارع الفلوجة الثقافي"، الذي يحاكي "شارع المتنبي" في العاصمة من حيث المحتوى والهدف. وجاء هذا المشروع، الذي انطلق نهاية نيسان الماضي، ضمن المساعي الرامية إلى عودة الحياة الثقافية إلى المدينة التي تزخر بالإبداعات والمبدعين.

على ضفاف نهر الفرات، وعند المدخل الغربي للمدينة، حقق المثقفون حلمهم، وأطلقوا العنان لإبداعاتهم في شارعهم الثقافي، الذي يفتتح يوم السبت من كل أسبوع، ويحتضن النتاجات الثقافية والفنية والفعاليات الغنائية والشعرية والتمثيلية.

مثقفو المدينة أكدوا أن "خطوة افتتاح الشارع الثقافي، وإن كانت متأخرة بعض الشيء، إلا انها جاءت في الاتجاه الصحيح، من أجل إظهار الوجه الحقيقي لمدينة الفلوجة التي نفضت عن ثوبها أخيرا، كل مظاهر الإرهاب".

"أخيرا أصبحت للفلوجة منصة ثقافية غير منسوبة لأي جهة حكومية أو سياسية".. بهذه الكلمات عبر الشاعر أحمد زكروط، أحد شعراء الفلوجة، عن فرحته بافتتاح الشارع الثقافي، وهو يشير إلى منصة الشعر التي وضعت في مقدمة الشارع ويقول: "هنا ستصدح كلماتنا وأبياتنا الشعرية، هنا سنلتقي بأبناء مدينتنا ونتغنى بحب الوطن، ونبث رسائل المحبة والسلام من ضفاف الفرات إلى كل العراق".

ويسعى جميع المشاركين في فعاليات الشارع الثقافي إلى إيصال رسالة مفادها أن "الفلوجة عادت إلى الحياة من جديد ونفضت عنها غبار الخراب والدمار"، وذلك من خلال عرض النتاجات الفنية للخطاطين والرسامين، والأعمال المسرحية والصناعات اليدوية، فضلا عن مشاركة عدد من مكتبات المدينة بعرض الإصدارات الجديدة لأهم الكتب العربية والمحلية.

يقول أمين العبدلي، وهو ناشط ومؤرخ من أهالي الفلوجة: "شاهدت مئات الكتب بعناوين مختلفة وعشرات اللوحات لرسامين وفنانين من أبناء مدينة الفلوجة، إضافة إلى مشاركة عدد من الخطاطين والمصممين الذين عرضوا أعمالهم على أرصفة الشارع بطريقة قد لا تكون ضمن مستوى الطموح، إلا أنها فعاليات ثقافية أبهرتنا ورسمت مظاهر البهجة والفرحة في عموم المدينة".

المشاركون في فعاليات الشارع الثقافي، ثمنوا الجهود المبذولة لإعادة الحياة الثقافية إلى المدينة، وعبروا عن فرحتهم بهذه المبادرة التي اتضحت من خلال حجم الحضور والتفاعل مع نشاطات الشارع في أول أيامه، بيد أنهم يخشون أن تندثر هذه الفعاليات مثل سابقاتها.

وكان للأطفال حضورهم ودورهم في الفصل الجديد من الحياة الثقافية في الفلوجة. إذ ساهمت دار ثقافة الأطفال في تنظيم عدد من الفعاليات الفنية.

عامر الجميلي، الذي وجد ضالته أخيرا في الشارع الثقافي، استطاع أن يعرض بعض المقتنيات من الأعمال اليدوية والكتب العربية والأجنبية، مؤكدا في حديث صحفي أن "التحدي الحقيقي هو ليس افتتاح شارع ثقافي، بل العمل على استمراره ودعمه بالنتاجات الثقافية والفنية، التي من الممكن أن تستقطب الفنانين والمثقفين والمبدعين من كل المحافظات العراقية".

من جانبه أكد قائم مقام الفلوجة عيسى الساير، في كلمة له اثناء افتتاحه الشارع، أن "الإدارة المحلية وضعت الخطط الأمنية والإدارية التي ستعمل على ديمومة الشارع الثقافي وتطويره، بالتعاون مع أهالي المدينة من مثقفين وناشطين، ليكون واجهة مشرفة تليق بالفلوجة ومثقفيها".

وتشهد المدينة الواقعة ضمن محافظة الأنبار، محاولات لإعادة الحياة في العديد من مؤسساتها الثقافية بعد ان كانت خلال الفترة السابقة، مسرحا لمعارك دامية مع الجيش الأمريكي، ثم احتلتها الجماعات الإرهابية، وآخرها تنظيم داعش الدموي الذي طهرتها القوات الأمنية منه عام 2016.