حميد المسعودي
ضيّف المنتدى الثقافي في الكرادة، الجمعة الماضية، الباحث المتخصص في الشأن السياسي العراقي، د. عقيل الناصري، الذي تحدث في ندوة عنوانها "صور من مآسي 8 شباط 1963"، حضرها جمع من المثقفين والناشطين والمهتمين في القضايا السياسية.
جرت الندوة في قاعة المنتدى في منطقة الكرادة الشرقية وسط بغداد، وأدارتها الناشطة دينا الطائي، التي قدمت سير الضيف الذاتية والأكاديمية والمهنية.
د. الناصري، وفي مفتتح حديثه، ألقى الضوء على انقلاب 8 شباط الدموي 1963، مستعرضا أسبابه وتداعياته الفورية واللاحقة على العراق وشعبه، والعوامل الداخلية والخارجية التي ساعدت على تنفيذه، إلى جانب المحاور الإقليمية والعربية والدولية التي شاركت فيه.
وقال في سياق حديثه ان البعثيين والقوميين تلقوا في انقلابهم دعما من المخابرات البريطانية والأمريكية والمصرية والكويتية، واشار إلى الجوانب التخطيطية والعمليات التآمرية للدول الرأسمالية، ومدى ارتباط كل ذلك بمنفذي الانقلاب.
وتحدث المحاضر عن القوى السياسية والشعبية التي وقفت في وجه الانقلاب دفاعا عن الجمهورية العراقية الأولى، لافتا إلى المواقف البطولية لشهداء الحزب الشيوعي العراقي، وإلى تضحيات الديمقراطيين والوطنيين، وكل أبناء الشعب الذين جابهوا الانقلاب، وتعرضوا إلى السجن والتعذيب والقتل على أيدي الانقلابيين الدمويين.
ثم أوضح موقف المعسكر السوفييتي والقوى الشيوعية في العالم من الانقلاب، ذاكرا ان السفارة السوفييتية في بغداد، كانت قد اتصلت بالزعيم عبد الكريم قاسم عشية 8 شباط، وعرضت عليه القيام بإنزال عسكري لحماية ثورة 14 تموز ومكتسباتها، لكنه رفض رغم الضغوط الشعبية التي طالبته بحماية الثورة والجمهورية.
وقدم د. الناصري بعض الشواهد والمعلومات حول الانقلاب، مستقاة من كتابات المؤرخ الفلسطيني حنا بطاطو، ومن بين ذلك ما يتعلق بارتباط الانقلابيين بالسفارة الأمريكية في بيروت، التي كانت توجههم.
وتحدث عن الدور التآمري لملك الأردن آنذاك في الانقلاب، وعن دور الكويت التي تنطلق من أراضيها إذاعة سرية تبث أسماء وعناوين الشيوعيين في العراق، لغرض اعتقالهم. كما تطرق إلى دور القوى الامنية وجلاوزة الحرس القومي في الانقلاب.
ثم تحدث عن خطة الانقلاب، مؤكدا ان "كل الدلائل تشير إلى عكس ما تبجح به البعثيون بوضعهم خطة الانقلاب. إذ ان من وضع الخطة هو وليم ليكلاند، ضابط المخابرات في السفارة الامريكية ببغداد"، مبينا ان الخطة كانت مكشوفة في بعض جوانبها، وان الحزب الشيوعي كانت ترده بعض الإشارات عن وجود محاولات من هذا النوع.
وتابع قائلا ان الانقلاب الذي نفذ وقت النهار، شاركت فيه ١٧ دبابة، وحوالي 900 شخص، واستعين فيه بالطيران، مشيرا إلى ان أول طائرة قصفت وزارة الدفاع كانت قد جاءت من وراء الحدود.
إلى ذلك استعرض الناصري عوامل عديدة أخرى كان لها دور في الانقلاب، من بينها قيام بعض الأطراف في المؤسسة العسكرية بقصف أهداف مدنية كردية، لتأليب الناس ضد ثورة 14 تموز، إلى جانب الدور التآمري للقوميين العرب، والاقطاعيين المتضررين من إجراءات قانون الإصلاح الزراعي الذي سنته ثورة تموز.
بعدها تحدث عن الممارسات الدموية التي نفذها الانقلابيون ضد القوى الوطنية، والتي شملت التعذيب والقمع الوحشي والتصفيات الجسدية "حيث تحول العراق إلى حمام دم، راح ضحيته الآلاف من خيرة أبناء الشعب، من شيوعيين و ديمقراطيين ووطنيين، يشار إلى مواقفهم البطولية بالبنان، ولا زالت ذكراهم ومواقفهم ندية عطرة، نستلهم من اريجها الدروس والعبر الغنية".
وشهدت الندوة مداخلات قدمها عدد من الحاضرين، وعقب عليها د. عقيل الناصري بإفاضة.