أقامت رابطة مبدعي مدينة الثورة، بالتعاون مع اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في المدينة، ومنتدى ابو سرحان الثقافي، عصر السبت الماضي، حفلاً تأبيناً لشاعر الشعب الراحل عريان السيد خلف بمناسبة أربعينيته.
حضر الحفل الذي اقيم على قاعة مقر اللجنة المحلية في الطالبية، الرفيق مفيد الجزائري نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، وجمهور حاشد من مثقفي الثورة ومن رفاق الفقيد واصدقائه.
مدير الجلسة رحيم العراقي افتتح الجلسة بكلمات مؤثرة عن الفقيد الكبير، واصفا اياه بـ "نهر النضال، ومقارنا بـ "شجرة ادم". ثم قدم الرفيق الجزائري الذي القى كلمة بالمناسبة (ننشر نصها في مكان آخر من هذه الصفحة).
بعدها استمع الحضور الى قصيدة للشاعر جبار حردان، فكلمة للاديب والناقد علون السلمان، واخرى باسم رابطة مبدعي الثورة قدمها الناقد والكاتب محمد علوان جبر.
وجاء بعدها دور العازف مصطفى الرسام الذي ادى معزوفات الموسيقية على العود
وقرأ الطفل يسار قصيدة للشاعر ناظم الرحيماوي يرثي فيها شاعر الشعب، تلاه علي حمود الحسن الذي استعاد بعض الذكريات مع الفقيد، ثم الفنان حميد البدر الذي قدم أغنية لقحطان العطار من كلمات الفقيد ابي خلدون.
وفي الجزء الاخير من الحفل قدم الشاعر كرار جبار صدم قصيدة عن الشاعر عريان السيد خلف، وبعده تحدث الدكتور علي المطيري عن الراحل وعن معاناة مدينة الثورة في ظل النظام السابق، مشيرا الى ان عريان كان آنذاك الرمز بالنسبة الى الناس في المدينة، ومقترحا إقامة متحف في الثورة يخلد تاريخها ورموزها. وكانت دقائق الختام من نصيب الشاعر حيدر جليل.

عريان حاضر بيننا، باقٍ معنا * أبدا .. لم تنته قصيدة عريان السيد خلف!

قلناها ونحن ننعى باسم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الشاعر والمناضل والانسان الكبير، غداة تجاسرت يد الموت اللئيم واختطفته من بيننا، في الخامس من كانون الاول الماضي.
قبل ذلك بأيام معدودات توجهنا اليه، نحن بعضَ رفاقه في "طريق الشعب"، ونزلنا عليه في زاويته الاثيرة بقاعة "بيتنا الثقافي"، محملين تمنياتٍ له بالصحة، بعد وعكة المّت به.
يومها سعدنا ونحن نرى الدم والعافية يعودان الى وجنتيه، والبسمةَ تتسلل الى محيّاه، وإن موشاةً بحزن دفين وقلق تفضحه العيون على حال العراقيين والعراق، لم يفارقاه يوما.
وحين غادرناه كان يغمرنا الشعور بالرضا والاطمئنان.
ثم وعلى غير انتظار .. نزل الخبر المشؤوم!
ومنذ تلك اللحظة، ورغم اننا كنا نتصور معرفتنا فتانا جيدا، اخذنا شيئا فشيئا ندرك حجم الخسران الذي تكبدناه.

من وزن الكبار كان ابو خلدون.
ولعلي لا اغالي إذْ أراه متوهجاً، في مصاف خيرة شعرائنا العراقيين، الذين نبقى ابدا نهتز ونحن ندخل فضاءات ابداعهم .. ونظل نعتز بهم ونفخر.
وقد حدث مرةً قبل سنة وبعض السنة ربما، وكان الحديث يدور في قاعة الجواهري بمقر اتحاد الادباء، في مناسبة ترشيح الكبير مظفر النواب لنيل جائزة نوبل للآداب، ان زعمتُ ان اكثر شعرائنا شهرة، يتقدمهم الجواهري والسياب، قد لا يضاهون النَوّاب في شعبية شعره، وفي انتشاره بين جماهير ناسنا، وكثرة ترديده على السنتهم.
والسبب في ذلك يرجع من ناحية الى عامل اللغة، حيث الاكثرية عندنا تكبلها الامية اللغوية والامية الثقافية، اللتان تعيقان مقاربة الصور الشعرية المكتوبة بالعربية الفصحى. ويعود من جانب ثانٍ الى حميمية المفردات العامية والصورالآسرة، التي تحفل بها قصائد مظفر النواب، المستقاة من اجواء الريف وعوالمه، ومن الشارع المديني، والاحياء والمجالس الشعبية، وتمنحها شاعريته الفذة قوة تأثير فريدةً طاغية.
ولئن صح هذا الذي اقوله عن مظفر النواب (طال عمره)، فانه ينطبق على فقيدنا عريان أيضاً. لذا فهو مثله لا يكاد يخلو بيت عراقي من ديوان له، او من قصيدة، او من فرد بين ساكنيه يحفظ شيئا من أشعاره، ويرددها بِوَلَه ولا يشبع، نضالية كانت او غنائية او غزلية.
وها نحن منذ اربعين يوما، ولا احد يدري الى متى، شهودُ اجتماعات تأبين ومجالس استذكار لأبي خلدون لا تكف، في كل مدينة وحاضرة وزاوية من العراق، وحيث محتشدات العراقيين داخل البلاد وخارجها؛ اجتماعاتٍ ومجالس هي في الواقع احتفالاتٌ بالفقيد، واعلاناتُ تشبث به، ورفضٍ لما قيل ويقال عن رحيله وغيابه ..
.. لكأننا نسمع الجميع، وبضمنهم نحن الجالسين اليوم هنا في طالبية الثورة البغدادية، يطلقونها في صوت واحد، أن كلا، عريان حاضر بيننا، باق معنا!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* القاها الرفيق مفيد الجزائري في حفل التأبين
بمدينة الثورة

 

عرض مقالات: