طريق الشعب/ ستوكهولم

احتفاء بالذكرى السادسة عشر لرحيل الأديب عبد الغني الخليلي، وفي يوم الأحد الموافق الثاني من كانون الأول عام 2018، وعلى قاعة نورياسالن في منطقة شيستا من العاصمة السويدية ستوكهولم، نظم ملتقى الحوار الثقافي العراقي في ستوكهولم واتحاد الكتاب العراقيين في السويد، أمسية استذكارية للفقيد الخليلي، تزامنا مع صدور كتاب الشاعر والإعلامي " طالب عبد الأمير" الموسوم " عبد الغني الخليلي .. سحر الكلمة وعشق الصداقات"، الصادر عن دار " أوروك ميديا للإعلام والنشرـ ستوكهولم ـ السويد".

أدار الأمسية الكاتب والصحفي " فرات المحسن"، وأفتتحها بالقول (في 15 تشرين الثاني من هذا العام، مرت الذكرى السادس عشرة لرحيل الأديب " عبد الغني الخليلي". أغلب الحضور عرف أو تعرف على ذلك الرجل العراقي الأصيل، ومن عرفه أحبه ورأى فيه إنسانا نبيلا كيسا شفافا مرحا محبا للخير وداعية للسلام، كان أديبنا الراحل متنور العقل والروح، يترفع عن الصغائر، ناكر للذات محبا وساعيا للصداقات.

متصالح مع ذاته لذا يحب الجمال في النفوس والطبيعة، احتفاؤنا بهذه المناسبة التي تمثل لنا، نحن في المهجر خسارة كبيرة لأحد رجالات العراق، ويتزامن هذا الاستذكار بصدور كتاب العزيز الأديب طالب عبد الأمير، بعنوان دقيق التوصيف لبعض من روح أديبنا الراحل عبد الغني الخليلي). بعد ذلك جاء دور مؤلف الكتاب ليتحدث عن الكتاب وشخصية الراحل.

 (ولدت عندي فكرة إعداد كتاب يجمع نصوص وقصاصات هذه الشخصية الرائعة. بعد سفرتي الأولى، إلى العراق بعد أشهر من سقوط النظام عام 2003. كانت الحياة تتكئ على جراحها، كنت زرت النجف ومررت على معالمها التي رسم لنا خارطتها الخليلي من خلال كتاباته، وبالصدفة كانت جريدة طريق الشعب التي عاودت الصدور في تلك الأيام، كانت قد نشرت جزء من مقالة عن الخليلي كنت نشرتها في الشرق الأوسط بمناسبة رحيله.. تمنيت لو كان هناك كتاب يجمع ما كتبه الخليلي. مع قراءة لأسلوبه الساحر في الكتابة وحبه للصداقات. خيل لي أن المهمة ستكون سهلة، فلدي عدد من الحوارات المسجلة والمقابلات التي  كنت قد أجريتها معه، وعدد من النصوص الذي كتبها بخط يده، في منفاه السويدي، وقد تضمن بعضها مراسلات مختلفة، منها أدبية ووجدانية وأخرى شخصية بحته وعائلية، لكن أكثر هذه الرسائل كانت جوابية مرسلة إلى الخليلي من أصدقائه الشعراء والكتاب والمثقفين، أما رسائله إليهم فمن النادر أن تكون ثمة رسالة احتفظ بنسخة منها، ومسألة الحصول على تلك الرسائل صعبة، نظراً لكون غالبيتهم غادروا الحياة، ابتداء من عمه جعفر الخليلي، والجواهري الكبير، مروراً بغائب طعمة فرمان، فالبياتي والصگار، الى مصطفى جمال الدين، فكاظم السماوي وغيرهم.. لكن هذه النصوص والقصاصات المتوفرة، وعلى اختلاف مضامينها تحمل ذات الأسلوب البلاغي، الشعري، الذي تفرد به الخليلي في وصفه للأحداث.

يتناول الكتاب شخصية وكتابات الأديب العراقي المعروف بسحر كلماته وبنقاوة علاقاته وعشقه للصداقات والأصدقاء والوفاء لهم - فاستحق لقب الخل الوفي - وعمق إخلاصه للوطن الذي ولد وترعرع فيه وارتوى من ماء نهريه العظيمين دجلة والفرات.. الأديب عبد الغني الخليلي شخصية يمكن اعتبارها نموذجا لشريحة اجتماعية عاش أفرادها في زمن أقل ما يوصف بالجميل. مجتمع كان فيه التسامح خصلة عميقة الجذور، والألفة سمة لأبنائه، رغم قساوة الحياة وصحراويتها.. في كل سفر حياته الطويل حيث ولد في عشرينيات القرن الماضي، كانت النجف في قلبه، وأن بعد عنها جغرافيا فقد كان يزورها كلما هزه الشوق إليها، ولم ينقطع عن زيارتها مطلقا، لكنه وقد أصبح خارج بلاده عنوة، باتت ليال السويد، هذا البلد الذي يقع على الحواف الإسكندنافية، تحمله إليها، فيمر بالبيت الذي ولد وترعرع فيه، يفتش في زواياه عن بقايا ذكريات، ورائحة الطفولة وأحضان الأهل الدافئة، وعبق الألفة وصداقات الصبا.

عبد الغني الخليلي الشاعر ذو الأسلوب الجميل والشفاف، الذي يستقبل المتلقي عباراته ومفرداته بسلاسة، لعذوبتها ورقّة معانيها، الراسخة بقوة دلالاتها العميقة، كان قد غادر مملكة نظم الشعر، بسبب ظروف مختلفة، مكتفياً بصداقاته لكبار الشعراء، وقارئاً نهما للشعر العربي الكلاسيكي والحديث، لكن أيضاً عائداً إلى مواصلة ما بدأه في الصغر، وهو كتابة الرسائل الأدبية والوجدانية، التي ارتبطت بشخصيته العاشقة للصداقات. كان الخليلي وقبل أن يُجبر على ترك بلاده، إبان حملة التسفير التي أقدم عليها نظام البعث في عام 1982، بحجة التبعية الإيرانية، والتي طالت عشرات الآلاف من العراقيين، قد أبدع في نظم الشعر، بعد أن هضم تراث أبن عربي والمتنبي وحافظ إبراهيم وغيرهم. وقد ساعدت على تكوينه الأدبي والإنساني نشأته في أسرة الخليلي العريقة التي سكنت النجف منذ أواسط القرن الثامن عشر).

بعد الاستراحة تحدث عدد من الحضور، تناولوا فيه سيرة الراحل عبد الغني الخليلي وخصاله الطيبة وروحه الشفافة المحبة وأخلاقه الراقية، ومن تلك الذكريات، عمله معلما متطوعا دون أجر ولحوالي سنة ونص في " جمعية مدارس الكرد الفيلية" عند تأسيسها عام 1946 ولحاجتها الماسة حينذاك للمعلمين. ومن كرم أخلاقه وشيمه كان يتفقد أطفال أحد أصدقائه المتوفين، ويتابع شؤونهم الحياتية والدراسية ويحنو عليهم مثل أب رؤوم. ولم يعاف الخليلي ذكر أصدقائه، حتى أيام مرضه، فتراه يتابع الجميع عبر الهاتف ويعاودهم دون كلل، كان بمثابة أب للجميع يرعاهم مثل أبنائه، كان حريصا على متابعة ما يصدر من معارف وكتابات ويحرص على تقديم النصح والإرشاد لمن يطلب منه ذلك. كان يعشق الكلمة و يلوكها وكأنه يخلق منها قصة، وله قدرة غير عادية في وصف جماليات المكان. كان حضوره بهيا محببا، وعند دخوله يشع المكان بهجة. له اهتمامات كبيرة بالطيور والزهور فتراه يتلذذ بذكر أوصافها. كان رجلا نبيلا بحق خسره العراق وكانت خسارة جاليتنا به لكبيرة.

 للراحل الخلود والذكر الطيب.

حضر الأمسية جمهور من أصدقاء ومحبي الفقيد الأديب عبد الغني الخليلي، وعدد من أفراد عائلته.