الغارديان (الصحيفة)، تمكنت مؤخراً من تسجيل سبق صحفي، وهي أنها التقت والدة الإرهابي الكوني أسامة بن لادن، لأوّل مرّة تظهر في الإعلام. لا أعرف ما هي الوسيلة التي استخدمتها(الغارديان) كي تقنع العائلة الثرية بأن تجلس أمهم ويلتقط لها عدد من الصور، وأن تدلي ببعض الجمل والكلمات للصحيفة الانكليزية.
الأمر كله لا يبتعد من محاولة السلطات السعودية أن تعرض للعالم وجهاً آخر. وأن من يسمع بأن عائلة بن لادن لاتزال تمارس إدارة ثروتها الطائلة داخل السعودية وخارجها، سيظن بأن هذه العائلة إنما تنتهج نفس النهج الذي سار عليه إبنها (أسامة)، ويأتي الحوار الصحفي الآن وفي هذا التوقيت كنوع من ردم هوّة الحقيقة في هذا الشأن.
السلطات السعودية تريد أن تقول للغرب؛ (أنظروا..نحن نتغير)، وما بقاء عائلة بن لادن سوى مسألة طبيعية، ولا تعني أن السعودية ترعى الإرهاب. بل أن اسم (بن لادن) يشير الى عائلة اعتيادية تعيش بشكل طبيعي في المملكة.
وصادف (لسبب ما) أن اختارت العائلة، ومعها السلطات السعودية، الغارديان كي تكون نافذتها لتمرير هذا الرأي. لكن لماذا لم تختر العائلة أي صحيفة عربية أو محلية؟، السبب واضح، هو أن المتلقي الغربي حذر مما تقدمه هذه الصحف، رغم أن بعضها له من العمر عقوداً عدّة. هذا يعني ايضاً التأكيد على أن الظهور اليوم إنما هو ظهور مخصص تحديداً للمتلقي الغربي. حتى أنه غير معني بالحكومات الغربية.
لماذا تريد السعودية أن تخاطب الشعوب الغربية استثناء عن حكوماتها؟.
لأنها ترى أن هناك فرصة للبقاء خلال القرن 21 أكثر فيما لو تمكنت من تغيير الصورة النمطية التي خرج بها العالم عن السعودية بعد أحداث 11 ايلول، والتي كان أبطالها مواطنون سعوديون في معظمهم.
لكن العلّة في التغيير هي ان يكون تغييراً حقيقياً غير انتقائي، يعني أن يشمل السياسة والفن والصحافة والاقتصاد والتعليم وغيرها من نواحي الحياة المتعددة. حتى يكون تغييراً عميقاً وأكثر واقعية. المملكة بولي عهدها الذي ضرب طابور الانتظار، وهيمن على السلطة استثناء من السياقات التقليدية للعائلة المالكة، تريد أن تقنع الناس أن التغيير الحاصل هو أمر جذري بالفعل، لكن دون أن يمس بعض الثوابت التي يتمحور حولها الوجود السعودي. ومنها رفض (التعددية)، وهي أشد التهديدات التي تخشاها المملكة. ربما نحتاج الى بضع سنوات أخرى كي تقتنع النخب الحاكمة في السعودية بأن التعددية هي جزء من واقعية الحياة، ,وان التغيير يجب ان يشتمل على (التعدد) في كل مجال ترغب المملكة ان تقول لنا عنه (انها تتغير ولم تعد كما كانت). فهل سنحتاج الى سنوات أم الى هزّات شرق أوسطية أخرى كي تحصل القناعة هناك؟. حتى (أم) أسامة بن لادن لا تعرف الجواب.

عرض مقالات: