مياه السياسة العراقية تجري هذه الأيام في ممرين رئيسين، الأول وهو المنظور والمعروف للجميع، ونعني به الانشغال الكلي بعملية العد والفرز اليدوي، بعد أن استبدل مجلس النواب قراره الأول باعتماد العد الالكتروني، وثقف بأهميته ودقته على مدى أشهر طويلة، بقرار مناقض يؤكد على أفضلية العد اليدوي، المتهم الرئيس سابقاً بالتزوير، وسرقة أصوات الناخبين، وما تلا ذلك من جهود مضنية بذلها بشكل أساسي الخاسرون في الانتخابات النيابية الأخيرة لإعادة العد والفرز اليدوي في جميع صناديق الاقتراع، والتمديد للبرلمان، من أجل ضمان تنفيذ مآربهم، لكن قرار المحكمة الاتحادية، والمعارضة الواسعة للتمديد، أجهضا حلم المستقتلين على العودة إلى قبة البرلمان، وإن كان ثمن عودتهم قراءة الفاتحة على العملية السياسية، وعودة الأمور الى المربع الأول، مربع المحاصصة الطائفية والحزبية، وارتداء جلباب الفساد مجدداً، الذي لم يتركوه مطلقاً، وإنما جرى تعليقه مؤقتاً على مشجب الانتظار.
في الوقت ذاته تواصل الكتل الفائزة حواراتها وتفاهماتها الأولية كما تسميها، دون أهتمام جدي بإعادة العد والفرز يدوياً، كما لو أنها مطمئنة الى بقاء النتائج كما هي، ولا يشكل فرقاً لديها كما يبدو أن بعض الوجوه المدمنة على الفساد، والبعيدة كل البعد عن الكفاءة والمهنية، ستعود إلى البرلمان لتمارس لعبتها المفضلة في عرقلة تشريع أو إقراراي قانون نافع للشعب، وقادر على التخفيف من معاناته.
لا أحد يعرف بالضبط متى ينتهي العد والفرز اليدوي وحتى إذا إنتهى في فترة قريبة، ستقدم الطعون بنتائجه أيضاً وهكذا (جيب ليل وأخذ عتابة) وسوف تستمر الدوامة، ربما لبضعة أشهر أخرى إلى أن تشكل الحكومة العتيدة، التي ينتظرها العراقيون بفارغ الصبر، لعلها تداوي بعض جراحهم، لا أن تنكأها من جديد كما تريد بعض الكتل وفاسدوها.
كما أن مسلسل الخداع وانعدام الشفافية، يستمر عرضه و "بنجاح" في العديد من الفضائيات، حيث يعلن فرسانه، وخلافاً للواقع في كثير من الأحيان، أن كتلهم أو قوائمهم هي محور النشاط السياسي الهادف الى تشكيل الكتلة الأكبر، وان الآخرين يتوسلون للانضمام إليها، دون أن ينسى المتحدث، ايحاء أو صراحة، القول بأن المنافس صار معزولاً، وكتب عليه منذ الآن أن يرفع الراية البيضاء.
وفي ظل هذه المناوشات و المعارك الكلامية العبثية أسدل ستار النسيان بصورة كاملة على معاناة الشعب العراقي، والخطر الوجودي الذي يتهدد حياته، فجهنم فتحت أبوابها على مصراعيها في صيف بلغت حرارته أكثر من نصف درجة الغليان ونحن في بدايته، بل أن الجارة أيران لم تكتف بقطع (42) رافداً من المياه التي كانت تدخل إلى العراق، وإنما زادت بقطع الكهرباء أيضاً، ولا حاجة لذكر وتكرار بقية مفردات الكابوس الذي يعيشه العراقيون، لأنهم يتمتعون بـ "دفئه" على مدار الساعة.
لو كانت لدينا حكومة قوية، وجبهة داخلية متينة، متماسكة، لما استطاعت إيران أو تركيا أو الدول الأخرى غمط حقوق العراقيين بهذه الطريقة المهينة، وقبل هذا وذاك لما استطاع الفاسدون، والفاشلون دفع أهلنا وناسنا إلى هذا الجحيم.
كل ثلاثاء .. من يلتفت الى معاناة الناس؟
- التفاصيل
- مرتضى عبد الحميد
- آعمدة طریق الشعب
- 2052