غاب عنا جليل، في الايام الاخيرة، لأنشغاله بمتابعة مباريات كأس العالم 2018 المقامة على الملاعب الروسية، الا انه لم يفوت لقاءاتنا الدورية في بيت صديقي الصدوق ابو سكينة. لاحظنا جميعا أنزعاج جليل، من خروج فرق رياضية، طالما شجعها واعتبرها كبيرة، من تصفيات كأس العالم، وكان أبو جليل، وبروح التشفي والمشاكسة يردد :
ـ هذا زمن غدار، مدور مثل الكرة، ينزل فيه الكبير ويصعد الصغير.
وبشكل ما، أعاد لذاكرة أبو سكينة، موضوعا طالما تحدثنا به سابقا، عن مفاهيم حاول البعض ترويجها عن ما يسمونه "الاحزاب الصغيرة" و"الاحزاب الكبيرة"، تبعاً لعدد المقاعد التي تنالها في الانتخابات والوزارات التي يشغلها هذا الحزب او ذاك. كنت ــ عزيزي القاريء ـ دائما اعارض هذه المفاهيم واشير الى عدم دقتها، وأبين بأن هذا يهدف بشكل مقصود الى أرباك وتضليل الناس، والتقليل من شأن قوى سياسية اخرى وفقا لحسابات مغلوطة، ناسين ان بعضا مما مايسمونها "الاحزاب الصغيرة" تشكل تيارات فكرية عريقة وعميقة ضمن بنية المجتمع العراقي.
كنت في احاديثي استخدم دائما مفهوم " الاحزاب المتنفذة " بدلا من مفهوم "الاحزاب الكبيرة"، لان عندي النفوذ لا يأت دلالة على عمق تيار فكري في المجتمع لهذه القوى السياسية، أو من ايمان الناس بمبادئ ورسالة الحزب المسيطر على دفة الحكم او من يملك النفوذ، فلقد كان حزب البعث العفلقي الفاشي "حزبا كبيرا" لأنه ادار شؤون العراق لاكثر من ثلاثين عاما، ومعروف جدا للقاصي والداني من اين كان يستمد البعث الصدامي المجرم كل هذا النفوذ الذي بموجبه ارتكب ابشع الجرائم بحق ابناء الشعب العراقي بعربه وكرده وانتماءاته القومية الاخرى.
استرجعت وابو سكينة والحاضرين بعضا من هذه الاحاديث، وزاد ابو سكينة موجها حديثه الى جليل بشكل مقصود :
ـ تحلى بالروح الرياضية يا وليدي، ولا تزعل من مشاكسات ابوك، انت العاقل والفاهم، لازم تعرف ان عالم كرة القدم مثل عالم السياسة، كل النتائج والمفاهيم متحركة. هذه هي قوانين الحياة ، فمن يكون "كبيرا" وفي الصف الاول ، يوما ما ، لابد ان يكون "صغيرا" ويجلس على مقاعد الاحتياط . فعندما تتغير عوامل وظروف خلق النفوذ فأن "الكبير" قد يتلاشى ليكون "مجهريا" فيسكن كتب التاريخ فقط، وعندك الحزب النازي الهتلري الذي يعتبر من اكبر الاحزاب السياسية المتنفذة في اوربا حينها، أين هو الان؟ وأيضا عندك اسماء لاعبين كرة قدم مشهورين، كانوا مثل الاساطير ويعتبرون انفسهم مختارين وخالدين، ولكن ظروف عديدة دفعت بهم ليكونوا بين صفوف المتفرجين. أنت تعرف عن من اتحدث. انطوني شوية ماي أبرد قلبي !