منذ التغيير في سنة 2003 مر 15 عاما حافلا بالعديد من العبر والدروس الغنية ،  ومقدما مقاربات لا غنى عنها لمن  يرغب حقا في البحث عن مخارج مما يعانيه البلد من ازمات ومشاكل، جعلت العراق يتنافس اليوم ، للاسف ، في المؤشرات السلبية ، على الصعيدين الاقليمي والدولي ،  مع الصومال وافغانستان واليمن .

وتقول تجربة السنوات العجاف الماضية بوضوح ان من الصعب بمكان ان يحكم العراق بذات الطريقة المعتمدة اليوم. فهي ولادة للازمات، وما ان  تعالج واحدة منها حتى تقفز اخرى الى السطح باحثة  عن حلول. وهذا هو حال كل الانظمة المأزومة في منهجها وطريقة ادارتها ونمط تفكيرها، وفي اسلوب اسناد الوظيفة العامة فيها  وفي ضعف هيبة الدولة ومؤسساتها وعدم تحكمها بالسلاح وفسح في المجال لتدخلات خارجية في شؤونها . وهذا هو حال من يهجر مبدا المواطنة ويغلب عليه الهويات الفرعية ايا كانت مسمياتها وعناوينها .

الامر واضح جدا ويقول  بعدم استطاعة الحكومات المبنية  على اسس الطائفية السياسية ومنهج المحاصصة، ان تسير بخطوات جادة في طريق الاصلاح الحقيقي واجراء التغيير المنشود الذي  غدا مطلبا وطنيا ملحا .

ان اوضاع البلد العامة والتدهور في المؤشرات كافة ، اذا استثنينا الانتصار العسكري على داعش ، وهو ليس انتصارا كاملا على الارهاب بعد ، كذلك الوهن الذي اصاب الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي العراقي ، ان هذا كله وغيره يطرح ضرورة التغيير الذي لم يعد خيارا وفكرة، انما يفرضه مآل الاوضاع  وما انتهت اليه من تدهور مريع  يضع مصير البلد على كف عفريت.

 وان من الضروري الا يكتفي هذا التغيير، كما حصل سابقا ، في الالغاء الشكلي لهذه الوزارة او تلك ، او تبديل بعض الاشخاص او خروجهم من الباب وعودتهم من الشباك ، او اجراء تغيير فوقي  في قضايا شكلية  ، فالناس التي خرجت في التظاهرات والاعتصامات  والتحشدات الجماهيرية ، التي تحل ذكراها السنوية هذه الايام ، قالت كلمتها بوضوح ، وهو ما انعكس ايضا بهذا الشكل او ذاك في نتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة ، مطالبة  بالتغيير الشامل الذي  يقود الى اصلاح حقيقي .

 واشرت الانتخابات والاحتجاجات كذلك  وجود  طيف واسع من القوى والكتل السياسية والشخصيات على اختلاف توجهاتها السياسية والفكرية، بين داعم ومساند ، بل ومتطلع بحماس الى عملية التغيير .

وقد وجدت عملية التغيير والاصلاح  لها انعكاسا قويا في نتائج الانتخابات ، على الرغم من ضجيج البعض المفتعل احيانا ، وفي بعضه المحق  لتخليص تجربتنا الانتخابية من كل ما يشوبها من نواقص وثغرات  حصلت سابقا ، وتوجد مؤشرات على انها حدثت ايضا الان .  ولكن  يتوجب ، في كل الاحوال ان لا تضيع ارهاصات التغيير، ولا تذهب سدى  الجهود الكبيرة والمضنية التي حققت هذه المنجز ، ونعني وضع ملف التغيير على طاولة البحث ، كامر ملح لا تستطيع أي جهة اليوم القفز عليه وتناسيه .

وهذه العملية  لا بد ان تكون وفقا لبرنامج وطني متكامل، وان تكون لها  كتلتها البرلمانية المتماسكة القوية الداعمة ، واداتها التنفيذية الفاعلة. وهذا يتطلب  وجود حكومة كفاءات مشكلة من عناصر كفوءة ، وطنية مخلصة، نزيهة، قادرة على الادارة السليمة، مؤهلة للعمل كفريق متكامل منسجم ومتضامن، لتنفيذ عملية الاصلاح الحقيقي وفقا لاستراتيجة شاملة تحظى بدعم وطني واسع، بعيدا عن المحاصصة الطائفية والاثنية  في اطار تصحيح جذري لمسار العملية السياسية.

وهذا ما يتوجب ان يكون واضحا امام كل المساهمين في ماراثون عملية  تشكيل الكتلة الاكبر كاستحقاق،  وبعكس ذلك فان اوضاع البلد تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات، بما فيها الاسوأ .

عرض مقالات: