تتسارع الاحداث السياسية في بلادنا، وتتشابك الخيوط في مجرى السعي لتشكيل الكتلة البرلمانية الاكبر لغرض تشكيل الحكومة القادمة. وقد اشتعلت صفحات "فيس بوك" التي طالما سميتها "المقهى العالمي الافتراضي"، لعرض وجهات نظر وآراء جريئة وعقلانية مع او ضد التحالفات المعلنة، وهي تحتكم الى العقل وحرية الرأي في طرح اراء تساهم في مراجعة مواقف وسياسات، من اجل تحالفات فاعلة وسياسة واضحة تشدد على العمل لاجل الاصلاح والتغيير في بناء دولة المواطنة، ونبذ المحاصصة الطائفية والتصدي للفساد ، وان لا تكون هذه التحالفات على حساب الاستقلالية الفكرية لاي طرف يشارك فيها. الا ان هذا لم يمنع ظهور منظرين يبحثون عن الشهرة او لاسباب اخرى، صاروا يرسمون خارطة لمستقبل العراق ومستقبل قوى سياسية وطنية، وهم يعتقدون ان كلمة "الليبرالية" جاءت من "ليبيا"، وان ارتفاع اسعار معجون الطماطة له علاقة بثقب الاوزون. فعافت نفسي فيس بوك ومنظريه وفلاسفته، واعلنت أن الافضل ان انشر صوري مع زوجتي ونحن نأكل كباب وطرشي، على الاقل احصل على عشرات اللايكات وقلوب الحب وبعض كلمات "منور"!
كان صديقي الصدوق ابو سكينة لاحظ كيف اني في الايام الاخيرة ، امتنعت عن الخوض في الامور السياسية، ورغم كوني لست من متابعي كرة القدم الا اني صرت اعرف شيئا عن نهائيات كأس العالم لكرة القدم في موسكو للعام 2018. وصرت اعرف اسماء بعض اللاعبين، وشاركت الجمهور العربي خيبتهم من اداء ونتائج المنتخبات العربية في اولى مبارياتها ، وكل ذلك ــ عزيزي القاريء ـــ لان العديد من الأصدقاء المقربين ، من حولنا ، منغمرين جدا بالمتابعة وتبادل توقعات الفوز والخسارة واقحامي احيانا في احاديثهم. تتصل زوجتي هاتفيا مع زوجة جليل، وتسألها عن احوالهم، فتخبرها بأن جليل جالس في الصالة يلعب كرة قدم. وسرعان ما تزول دهشة زوجتي اذ تعرف ان جليل وهو يتابع ويشاهد اي مباراة فهو يحرك يديه ورجليه اكثر من اللاعبين في الساحة. وهكذا حين وصلت بيت ابو سكينة، وجدت موضوع كرة القدم هو الاول. قال لي ابو سكينة مازحا بشكل مفاجيء :
ــ لن اسألك عن تفجير العتاد في مدينة الثورة ، ولا عن حرق صناديق الانتخابات ، ولا عن اخر التطورات في التحالفات السياسية، اريد اعرف منك هل صحيح ما يقوله ابو جليل عنك بأنك بيدك ورقة وقلم وتسجل عدد الفاولات ؟
فاجأني بالسؤال ، لكنه ظل ساهما ، متفكرا ، عندما قلت له :
ـ اخطر الفاولات التي ستؤثر على كل النتائج ، تلك التي لن يتحدث عنها احد في صفحات فيس بوك، والتي دائما لا ينتبه لها الحكام ولا ترصدها الشاشات !