دأب مجلس النواب العراقي في دوراته المتعاقبة على اخراج المسرحيات الفاشلة والمستهلكة، التي لا تقنع احداً من المشاهدين، وملّ الجميع من مشاهدتها، لأن الممثلين الرئيسين والكومبارس فيها لا يملكون حتى الحد الادنى من موهبة التمثيل وليس في نيتهم تقديم ما هو مفيد او ممتع في الاقل.
ولعل اكثر هذه المسرحيات فشلاً وإسفافاً، هي اعادة انتاج مفوضية الانتخابات التي يطلق عليها جزافا او خداعاً، "مستقلة"، لكنها في حقيقة امرها لا تمت بصلة للاستقلالية من قريب او بعيد.
بعد الضجة التي غطت سماء العراق، والمطالبات الواسعة والمستمرة من غالبية العراقيين وخصوصا المشاركين في الحراك الجماهيري منذ سنتين ونصف السنة دون توقف، بتغيير المفوضية العليا للانتخابات المبنية على اساس المحاصصة الطائفية والحزبية، كما هو الحال في كل العملية السياسية، ادراكا منهم ان تغييرها واعادة بنائها وفق معايير الكفاءة والنزاهة والوطنية سيجعل منها البديل الذي لا غنى عنه لفتح كل الاقفال الصدئة، والابواب الموصدة بوجه رياح الاصلاح والتغيير الحبيسة الآن داخل الجدران الاربعة التي شيدها المتنفذون والفاسدون والطائفيون.
لكن ممثلي الشعب كان لهم رأي آخر، وانغمروا بحيوية وحماس لافتين، في مناورات وصراعات عبثية لأشهر عديدة كان الهدف منها في المقام الاول هو الالتفاف على مطالب الجماهير بتشكيل مفوضية مستقلة حقا، وقادرة على منع التزوير وتوفير بيئة انتخابية نظيفة.
بيد ان فاقد الشيء لا يعطيه، لذلك أعادوا تشكيلها بذات المكونات وذات الالوان بحيث لا تختلف عن سابقاتها الا بالأسماء والديكور. واذا اضفنا الشق الثاني من هذا المخطط اللئيم بتشويه نظام "سانت ليغو" ورفع العتبة الانتخابية من واحد كما هي في الاصل الى 1,7 ، يتضح الهدف جليا وهو الاصرار على اغتصاب السلطة، وهتك عرض الدولة، وعلى عينك يا حاجب!
ان اول الغيث للمفوضية الجديدة، هو وضع شروط تعجيزية امام عراقيي الخارج وهم بالملايين، ممن اضطرتهم الظروف القاهرة الى حياة المهجر، لكي يشاركوا في الانتخابات البرلمانية يوم 12 أيار 2018، وذلك بان يمتلك كل واحد منهم جوازا عراقيا من فئات محددة هي( A.D.C.E) وبطاقة الناخب او البطاقة التموينية، وهي تعرف قبل غيرها ان الاغلبية لا يمتلكون جواز بلدهم، بسبب الاجراءات المعتمدة في السفارات العراقية. اما بطاقة الناخب او التموينية فهي اشبه بالنكتة السوداء.
لا بد اذن من مواصلة الاحتجاجات السلمية، والمطالبة بتسهيل المشاركة في الانتخابات لا تعقيدها، وهو ما تفعله دول العالم الاخرى الديمقراطية منها ونصف الديمقراطية.
ولنرمي وراء ظهورنا النظرة المتشائمة واليائسة، بان لا فائدة من الاحتجاجات والنضالات الجماهيرية. فهذا ما يسر المتنفذين، ويبسط جبهاتهم المتغضنة او المكوية، حبورا وابتهاجا،، كذلك الدعوات الى مقاطعة الانتخابات التي تقدم خدمة مجانية لهم.
هل نسي البعض القول المأثور: ما ضاع حق وراءه مُطالب؟ وهل هناك انبل واشرف من النضال ضد مغتصبي حقوق الشعب، والضغط عليهم لانتزاعها وعدم التفريط بها. وهذا هو ديدن الشعوب في جهات المعمورة الاربعة، وبضمنهم بل في طليعتهم الشعب العراقي، الذي كان ويجب أن يبقى مضرب الامثال في مقاومة الظلم ومعاقبة الظالمين.

عرض مقالات: