ما الذي يجبرنا على ارتكاب الأخطاء والإصرار عليها ؟!
بل ما الذي يجبرنا على أن نكون السبّاقين في تشجيعها، وعدم التصحيح والنصح ؟!
راودتني هذه العبارات وأنا أدخل شوارع المعقل قبل أسبوع، بعد ما رأيته من خرابٍ لأماكن كانت فيما مضى مضرب المثل بالعمران والنظافة والجمال!
المعقل منطقة مينائية تماماً ، لأن بيوتاتها التي بنيت منذ أكثر من ثمانين سنة وما تلاها لأجل إسكان عمّال وموظفي الميناء تحديداً ، كان بناؤها على الطراز الانكليزي ، وأضيفت مناطق وأحياء لها بعد ثورة 1958 الخالدة مثل ( الابلّة وحطّين والكندي والشهداء وغيرها ) ، وكذلك الحدائق ( متنزه الأندلس ومدينة الألعاب وشفقة العامل ) والأسواق ( سوق 50 حوش والأصفر وحطين ونمرة أربعة ) ، كنتَ إذا تمشي بين أزقّتها وشوارعها تشمّ رائحة ملكة الليل والشاموا وغيرها من الورود والأزهار بالإضافة إلى الأعناب والفواكه والنخيل !
هذه المنطقة الرائعة الجمال بكل أشكاله، زحف الخراب عليها منذ تسعينات القرن المنصرم وما حصل للناس أثناء الحصار والحروب، استمر شيئا فشيئا حتى استفحل بعد 2003 لتكتمل نتيجة الأخطاء التي اشحنا بوجوهنا عنها وتركناها تأكل الأخضر واليابس كأنها الأرضة!
كثرت الأخطاء كما الفساد نتيجة عدم المعالجة، وضرب جميع القوانين الإنسانية والحضارية والمدنية عرض الحائط، فصرنا غارقين بالأخطاء ولا بصيص أمل في حلّها!
تحوّلت المعقل إلى أماكن خربة اثر التجاوزات وانعدام الساحات والحدائق وانتشار القصب والبردي في أنهارها شبه المطمومة وطفح المجاري وتخسفات الشوارع والأرصفة، رغم أن هناك بيوتاً حديثة البنيان وجميلة معمارياً!
السبب الرئيس في كل ما حصل ويحصل هو الفساد واللامبالاة، فإذا كان المسؤول فاسداً لن يستطيع محاسبة المخطئين والمسيئين حتماً، وإذا غضّ طرفه ولم يحاسب أي مخطئ، كثرت الأخطاء وصارت أفضل من الصواب ذاته، وسيغدو الخطأ من المسلّمات المعمول بها، التي نتباهى بارتكابها علناً! أمّا إذا كنت ذا مبدأ إنساني وأخلاقي، وتعمل على وفق القانون الإنساني والحضاري ستظلّ عالقاً في قشةٍ وسط بحرٍ تتلاطم أمواجه بأخطاء القروش، إذا لم تتجاوز ــ وهذا من حقّك الآن طبعا ــ ستظلّ تعاني من مشاكل الإيجارات وأزمات السكن، وحين تراجع مسؤولاً ما لحلّ مشكلتك يتحجج بألف حجّة وقانون هو لم ينفّذ منهما واحداً!
وإذا ... وإذا ...وإذا ... ستظلّ مواطناً من الدرجة الألف في نظر الفاسدين ولن يعيروا لصرخاتك واستغاثاتك أي اهتمام، لأنك تريد أن تكون مواطناً حقيقياً وهم لا يريدون ذلك!
التشجيع على ارتكاب الخطأ هو الجريمة بعينها التي دمّرت وستدّمر البلاد أكثر فأكثر، وإذا بقينا على هذا الحال سيؤول كل شيء إلى خراب!