برهنت الاحتجاجات التي انطلقت في مدينة السليمانية منذ يوم الاربعاء ٢ كانون الأول ٢٠٢٠، ان موضوعة العدالة الاجتماعية هي أهم عنوان لحراك مئات المواطنين في ميدان التحرير “ساحة السراي” وسط محافظة السليمانية، الذي امتد بعد ساعات من اندلاعه الى مدن كردستانية أخرى، انخرطت في الاحتجاج على خلفية تأخر الرواتب واستشراء الفساد.
الحق في العيش الكريم هو ما دفع المحتجين للنزول الى الشوارع، متحملين ارهاب أجهزة الامن التي لم تتوانَ عن إستخدام العنف المفرط، غير عابئة بأعداد الضحايا وبسقوط شهداء وجرحى مضرجين بدمائهم الزكية، جراء استخدام الرصاص الحي دون وازع من ضمير، والإنتهاك الفاضح لحقوق الانسان، وعدم مراعاة حق المواطنين في الاحتجاج.
لقد بيّنت الاحتجاجات أفول بريق الشعارات القومية أمام مطلب تحسين معيشة الناس. مثلما أَفلت في الوسط والجنوب سابقا الشعارات الطائفية، التي لعبت الاحزاب المتسلطة على أوتارها لغاية خبيثة، هي تعمية أبصار الشعب ازاء حقيقة فساد قادتها، الذين نهبوا موارد البلد وأشاعوا الفساد. لم يعد للجمل القومية نفس تأثيرها في سابق الأعوام، حين أُريد لها أن تكون غشاوة تمنع مواطني الاقليم من التبصر في اوضاع معيشتهم وحياتهم.
لقد تراجع الخطاب القومي أمام حق الانسان في العيش الكريم، ولم يعد قادرا على اقناع المواطنين بتحمل المزيد من الحرمان والضيم، في وقت تتسع فيه الفجوة بين مستويات المعيشة، ويتصاعد معها عدم ثقة المواطنين بقوى الحكم، التي لم تحقق ما وعدت به من خطوات اصلاح، ولم تفتح ملف فساد واحدا بعد أن ضعت قضية مكافحته في صدارة برنامج الحكومة. فيما ركزت الإجراءات الحكومية على اقتطاع ٢٠ في المائة من رواتب منتسبي قطاع الدولة، التي لم تصرف للمنتسبين سوى لثلاثة اشهر من السنة الحالية، بينما لم تقدم حلول للأزمة الاقتصادية التي تعصف بالإقليم منذ سنوات، والتي تشكل السياسة النفطية وتناقضها مع السياسة النفطية الاتحادية واحدا من أركانها. ومعروفة الآثار السلبية الاخرى لهذه الازمة على العلاقة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، كذلك أعباؤها الكارثية على الشعب برمته، الذي بات يئن تحت وطأتها.
ولا بد هنا من الإشارة الى شراكة أحزاب الإقليم مع طغمة الفساد في حكم العراق. فلا انفكاك لعرى المصالح بين اقطاب هذه الطغمة الحاكمة، بمختلف اتجاهاتهم وانتماءاتهم وتلاوينهم. ولا خلافات بينهم الا حين يبدأ الحديث عن تقاسم الحصص ضمن نظام المحاصصة، وعلى حساب الشعب العراقي بكل تلاوينه، وبضمنه الشعب الكردي الذي له حصته الخاصة من المعاناة والافقار!
وليس سهلا تخيل هذه المعاناة في ظل الأوضاع المعيشية المتدهورة، خاصة وقد أصبح مصير الناس في الاقليم مرهونا بنزاع المصالح بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم. فمن جانب لم ينتفعوا من البعد القومي، ومن الجانب الآخر عاقبهم البعد الوطني. لا حملة راية القومية وفروا لهم العيش الكريم، ولا رافعي بيرق الوطنية أمّنوا لهم العدالة!

عرض مقالات: