مائتا عام تمر اليوم على ولادة المفكّر كارل ماركس. وخلال هذه الحقبة الطويلة، مرّ العالم بتغيرات جعلته عالماً آخر تماماً لا يشبه ما سبقه. وصارت المُجتمعات تتبادل تفاعلاتها مع الخارج والداخل بطريقة وعبر تعقيدات لم تخطر ببال أحد من قبل.
وسط هذا"التسونامي"من التحوّل، لو حدث وأن زوّدنا كاتب ما بمفاهيم تتناسب مع تفسير صيرورة التاريخ(ونكتشف أنها تعمل رغم هذه التحولات الضخمة)، علينا أن ندرك أن تلك المنصّة من الكتابة لا يقف عليها سوى كارل ماركس.
حين نكتب عموداً صغيراً عن كارل ماركس، لا داعي لإرداف اسمه بأي كلمة أو نعت، من قبيل: الكبير، الكوني، ..الخ. لسبب واضح ويسهل شرحه. وهو أن منظومة التعريفات الماركسية لبؤر الجدل في الاقتصاد، والسياسة، والإجتماع، هي منظومة مازالت فاعلة وعاملة وقابلة للتطبيق في ساحة البحث العلمي والفكري المتجرّد(العاري)من كل لزوميات العقائد. تلك اللزوميات التي لم يطرحها العقل، انما طرحتها المصالح والاستيهامات التي ترسّبت على ضفة التجهيل البشري منذ مطلع الحضارة الإنسانية.
منظومة الجدل الماركسية(ملف المصطلحات والتعريفات) صارت بوابة فكرية عالمية إنسانية يصعب جداً تخطيها ويستحيل تقريباً الإلتفاف عليها، مالم يخرج البحث الفكري عن إطاره المنطقي.
بالتأكيد، حتى الدجالون وقرّاء الطالع، والمُنجّمون يرون أنهم يعتمدون على(عِلم)ما في قراءآتهم. لكن، هل تصمد هذه الأطاريح في ساحة المنطق والإختبار؟. لا أشك للحظة بأنها ستنهار تلقائياً حتى لو نجحت لمئات السنين في خداع العقل الإنساني.
وليس بالضرورة أن نتدارس هنا مدى الترابط بين ماركس(الأطروحة والمُثٌل)، وبين ماركس(الفهم الواقعي). لقد منحتنا الماركسية هذا الفهم كجزء من نمو العقل الإنساني خلال التاريخ. وهذه حتمية لا يقفز عليها إلّا من جانب العقل ووضعه في غير موضعه. هذا الفهم الواقعي هو أداة تحليلية يمكن البدء منها لفهم تطوّرات الحياة بكل صنوفها، وبكل تشعباتها.
الماركسية لا تعبأ بالإحتفال بمئوية ماركس الثانية، قدر أن الفكر الإنساني يذكّر نفسه اليوم. بأن العقل والواقعية الإستقرائية لحياة المجتمعات لا تقبل الضحك على النفس، مثلما أنها لا يمكن أن تتجاوز ما نظّر فيه ماركس.

عرض مقالات: