تبرهن تجربة دول العالم وبعض بلدان الجوار الاقليمي ان وجود مدن صناعية لمختلف مستويات المشاريع الصناعية اذا ما بنيت على خطة استرتيجية واضحة ،ستضع الصناعة العراقية وخاصة التحويلية منها على اعتاب مرحلة جديدة في عملية التنمية الاقتصادية تتجسد فيها حركة استثمار نشطة يكون للقطاع الخاص بجانبيه المحلي والاجنبي دور فاعل في عملية اجتذاب العمالة العراقية وتنمية قطاع السكن واقامة الطرق وتحسين الخدمات والاعمال اللوجستية الاخرى.
ومن االمعلوم ان مشروع اقامة مدن صناعية في العراق كان حاضرا في برنامج الحكومة العراقية قبل اكثر من عشر سنوات، ولتفعيل هذا المشروع تم تشكيل لجنة عليا لادارة المدن الصناعية التي ترأسها مؤخرا وزير الصناعة محمد شياع السوداني، تمثلت فيها العديد من الوزارات ذات الصلة بهذا المشروع، اضافة الى ممثلين عن القطاع الخاص. واللجنة عقدت اجتماعات مكثفة في بداية تشكيلها وقامت بزيارات الى العديد من البلدان للاطلاع على تجاربها، بعضها من دول الجوار والآخر من دول اجنبية، الا ان هذه الزيارات لم تسفر عن تحقيق الاهداف المرسومة لسبب رئيس هو ان هذا المشروع على اهميته الاقتصادية والاجتماعية لم يكن ضمن اولويات الحكومة وقتذاك، وهي المنشغلة في امور السلطة ومكاسبها المادية .
وبالرغم من هذه النتائج البائسة فان ملف المشروع ظل على الطاولة قيد المناقشة، وهو امر افضل من وضعه على الرف كسائر المشاريع المماثلة.
بيد ان وزارة الصناعة على ما يبدو ظلت متشبثة بهذا المشروع حيث اجرت جملة من الاتصالات والتفاهمات مع رومانيا والصين وايران لاقامة مدن صناعية في بعض المحافظات العراقية خاصة البصرة وميسان وواسط، والاستفادة من تجاربها الذاتية وخاصة الصين التي تتقدم بشكل ملحوظ في الميدان الاقتصادي والتجاري، اضافة الى قيام وزير الصناعة بزيارة الى الاردن والاطلاع على مدينة الملك عبدالله التي اعتبرها صرحا صناعيا ناجحا يمكن ان يكون مدعاة للتعاون المشترك بين البلدين، ويؤخذ من تصريحاته انه استحصل على الموافقات الكاملة لاقامة مدينة صناعية في الرمادي، وجرى النقاش على امكانية قيام مدينة صناعية عراقية اردنية مشتركة على الحدود الدولية بين البلدين.
ومهما يكن من امر هذه الزيارات والتصريحات المتفائلة فمن السابق لاوانه اعتبار ان سكة هذه المشاريع سالكة، فان امامها الكثير من التحديات التي لا تختلف في حقيقتها عن المشاريع الاستثمارية الاخرى التي تخطط لها الحكومة، لعل في مقدمتها ضعف الاستقرار الامني والسياسي وضعف الامكانات المالية لدى القطاع الخاص، والروتين القاتل الذي تتبعه البيروقراطية الحكومية، فضلا عن ضعف الخدمات الصناعية المتمثلة بالطاقة الكهربائية وشبكة الطرق وسكك الحديد، بالإضافة الى شبكة الاتصالات اللوجستية ومشاكل ملكية الاراضي خاصة التي تعود ملكيتها الى الافراد.
ان مزايا المدن الصناعية التي تتركز قبل اي شيء اخر على القيمة الاقتصادية الكبيرة التي تحققها هذه المشاريع بمختلف مستوياتها الصغيرة والمتوسطة، وصولا الى الكبيرة وقدرتها على استيعاب طاقة بشرية واسعة، خاصة الخريجين والعمالة العاطلة وتنشيط مراكز التدريب في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، تستلزم من الحكومة ايلاءها الاولوية في الاهتمام والاقدام على اتخاذ خطوات جريئة في هذا المجال نذكر منها ما يلي:
1. التعجيل في تشريع قانون المدن الصناعية اخذا بعين الاعتبار جميع المقترحات التي تدخل في هذا التشريع بمشاركة منظمة الامم المتحدة للتنمية الصناعية / يونيدو.
2. العمل على توفير الطاقة الكهربائية عالية القدرة، ومن الممكن الاتفاق مع الشركات الاستثمارية الراسخة عربيا اواجنبيا لانشائها خصيصا للمدن الصناعية، بالاضافة الى اقامة شبكة من المواصلات والاتصالات والخدمات الاخرى بهدف تشجيع المستثمرين على توظيف اموالهم في هذا القطاع.
3. توفير التسهيلات المصرفية المشجعة للقطاع الاستثماري المحلي الخاص للمساهمة في اقامة مشاريعه الخاصة او بالاشتراك مع الحكومة في مشاريع مشتركة.
4. السعي من اجل توطين التكنولوجيا في هذه المشروعات وتوفير مقومات البيئة التكنولوجية لهذا الغرض بهدف تسريع الانتاج ورفع الانتاجية وتحسين جودة المنتوج.

عرض مقالات: