"هبطت قيمة الأسهم الأمريكية بعد أن تحولت العقود الآجلة للنفط الأمريكي إلى سلبية للمرة الأولى في التاريخ، ما عكس الفوضى التي سببتها جائحة فيروس كورونا في الاقتصاد العالمي".
هذا الخبر تصدر أغلب وسائل الاعلام في البلدان الرأسمالية، بصياغات لا تختلف عن بعضها في الفكرة الأساسية، وهي المداهنة والايهام أن الأزمة الإقتصادية التي يمر بها النظام الرأسمالي والبلدان التابعة، سببها جائحة فيروس كورونا. ولا شك أن الجائحة فعّلت عوامل الأزمة وفاقمتها، وستخلف تداعيات خطيرة، لكننا نقع في الخطأ اذا تصورنا ان النظام الرأسمالي كان معافى قبل كورونا! وقد كشف عدم استعداده للجائحة ولدرئها، ضعفه المتأصل.
ونعود الى جوهر الخبر والهدف من نشره، في محاولة غير بريئة لإخفاء أزمة الرأسمالية خلف ستار فايروس كورونا، الذي فجّر توترات أزمتها وإختلالاتها الهائلة. ذلك انها وضعت العالم بين رعبين، الرعب الناجم عن الجائحة والرعب من شبح التدهور المعيشي إثر تسونامي انخفاض أسعار النفط.
إن الغليان السياسي والاجتماعي الذي بات يهز العالم بأسره، ليس سوى واحد من أعراض الأزمة الرأسمالية بعمقها الخطير. أما الجائحة فتعد كاشفا لكوارث السياسات غير العقلانية، حيث ان كثافة النشاط الاستخراجي، ونهب الموارد الطبيعية باعتماد نمط الإنتاج الرأسمالي الصناعي والزراعي المدمّر للبيئة، عبر إستنزاف الأرض وإزالة الغابات وتقليص المساحات الخضراء، كذلك الأخطار الناجمة عن تطبيق تقنيات الهندسة الوراثية، مثل إنتاج سلالات من البكتريا والكائنات الحية الدقيقة بخواص بيولوجية جديدة، بعد إحداث تغييرات في تركيبها الجيني تسبب تشوهات في الأجنة. وقد شملت الهندسة الوراثية النبات والحيوان، بهدف زيادة الإنتاج دون حساب لأية نتائج سلبية جانبية. وقد أسهمت نهاية المطاف في تقويض التوازن الحياتي والبيئي. لذا فالنظر في الأزمة الصحيّة العالمية الراهنة يتطلب تحليلا ينطلق من سياقات الأزمة الرأسمالية العامة، التي ما زالت تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية تخيم على الشعوب والطبيعة.
بكلمة موجزة ان الأزمة الصحيّة العالمية ليست سوى وجه جديد لأزمة الليبرالية في توحشها، بعد أن قلصت النفقات المخصصة للصحة العامة، ومدت يد الخصخصة طويلا في هذا القطاع الحيوي للإنسان، في لهاث محموم وراء الأرباح والمزيد منها على حساب كل شي آخر، وهي التي لا قيم عندها تسمو فوق الأرباح وتعظيمها.
هذا التعامل المعادي للبيئة والمنافي للإنسانية، سرعان ما تلقفه تلاميذ المدرسة الليبرالية المتوحشة في بلادنا، الذين يمتازون بجشع وفساد نادرَيْ المثال، وكادوا يفرضون تطبيقه عندنا لولا يقظة ومعارضة اليسار العراقي وعامة الوطنيين، الذين جعلوا حياة وكرامة الأنسان ومعيشته أساسا في كفاحهم.
انه صراع طبقي واضح في جوهره، يتعلق بالموقف من الحياة، ويستهدف الحيلولة دون وقوع الحاجات المعاصرة والخدمات العامة المتعلقة بكرامة الإنسان، تحت رحمة الأسواق واللاهثين وراء الربح ولا شيء غير الربح.