قبل أيام، رغم الحظر ماله وما عليه، ولاحتياجات البيت، اضطررت أن ألبس الكفوف والكمّامة، وأذهب إلى السوق مشياً من بيتي!
خلال الدرابين والشوارع الفرعية التي سلكتها، كنت أحاكي نفسي مردداً حواراً حفظته من مسرحية (الحسين ثائراً وشهيداً) للكاتب المصري الراحل عبد الرحمن الشرقاوي، حيث يقول على لسان الحسين، حين يطلب منه والي المدينة البيعة ليزيد، وبعد احتدام النقاش بينهما يقول له احد الجالسين: هي كلمة، قلها وارحل !، ليجيبه الإمام الحسين (ع) بصوت عالٍ يشتعل غضباً: أتعرف ما تعني الكلمة ؟! شرف الإنسان هي الكلمة، مفتاح الجنة في كلمة، ودخول النار هي الكلمة، الكلمة حرمة، الكلمة فرقٌ بين نبيٍّ وبغيّ!
كنت أردد هذا الحوار مأخوذاً بما فيه الناس من أزمة، وحيرة بين ما يعانونه من قلق وخوف من وباء لا يرحم، وبين فساد وخراب في كل شيء ،، مدنٌ بائسة تشكو الإهمال والخدمات ، مستشفيات قليلة وقديمة المنشأ تشكو قلّة العلاجات ومستلزمات التنفس الاصطناعي ، كسبة وأصحاب دخل محدود لا يعرفون ماذا ستؤول إليه الأيام ، وكيف ستكون حياتهم بلا عمل ولا قوت ؟!
كان حواري محاكيا الواقع، حيث كلمات ووعود وشعارات المرشحين التي ما تزال بقاياها معلّقة على أعمدة الكهرباء، ومكتوبة على الحيطان!
في كل دورة انتخابية نصاب بالتخمة من الوعود التي تبشّر بالخير والسعادة والرخاء، حيث تمتلئ الشوارع والأزقة والأسواق باللافتات والصور التي تحمل هذه الوعود، وتنعقد المؤتمرات واللقاءات في القرى والأرياف، والمدن والقصبات، والاقضية والنواحي، وتطلع علينا برامج في العديد من القنوات تهلل وتبسمل وتحوقل لهم ، رافعة الشعارات البرّاقة والوعود الصارخة كــ :ــ جئنا لخدمتكم ،، وسنفتح لكم الأبواب والنوافذ بالفرح والسعادة ، وستعيشون رخاءً لا نظير له ،، بناء البلد وأمنه أمانة في أعناقنا !
والأغرب حين يوعدون الفقراء بالغنى، والمحتاجين بتوفير كل شيء حدّ التخمة، والناس بالسعادة والفرح والأعمار والقضاء على جميع الأزمات وبأشكالها وأنواعها كافة، وستكون مدننا مضرب الأمثال في التطور والتقدم والازدهار، والأكثر غراباً عندما يهب الأمير ما لا يملك حيث رفع احدهم شعار (لن أعدكم بقطعة أرض، بل سأعطيكم الشقّة والمفتاح) وغيرها من الكلمات التي تحيل الهور مرقاً والزور ملاعق، كما يقول المثل الشعبي!
ولكن ما أن تخطو أقدامهم عتبة البرلمان حتى ينسوا كل ما قالوه ووعدوا به، لينصبّ جلّ تفكيرهم وعملهم على كيفية ملء الجيوب وفتح الأرصدة في البنوك العالمية وشراء الفلل والعمارات في هذا البلد وذاك، بعيدا عن الناس وآمالهم وأحلامهم وما جال في خواطرهم البسيطة لحظة إذ لطّخوا أصابعهم بالحبر البنفسجي!
والدليل: أين هم الآن من كل ما يجري في البلاد من جرّاء وباء قاتل، شلَّ حركة العالم أجمع!
هل فكّروا بكيفية عيش الفقراء وأصحاب الدخل المحدود ؟!
لم نسمع بمسؤول تبرّع من ماله ــ اقصد ما كسبه من ثروة ــ لدفع غائلة الوباء، والوقوف كما أبناء الصحة والقوات الأمنية الذين يواصلون الليل بالنهار في خطوط الصد الأولى لحفظ سلامة الناس ؟!
لهذا تتردد في نفوس الناس تساؤلات وأقوال: إذا لم تفكّروا بالوطن والناس، وتركتم الشباب المنتفضين يلاقون رصاص القتلة بصدورهم العارية إلاّ من عشق الوطن أولاً، ووقفتم تتفرجون على المواطن المسكين وهو يحارب الوباء لوحده وبالمتوفر من العلاجات والمستشفيات، وبكل الغيرة العراقية الرائعة ثانياً، فلماذا توعدونهم وتتبجحون بالكلام المعسول لحظة الترشيح، قلتم وقلتم ووعدتم ، لكنكم نسيتم أن الالتزام بالكلمة شرف وموقف سيذكره الناس في كل مكان!