بعد نجاح المستثمر في التجاوز على التخطيط المعماري لـ "مدرسة التهذيب الابتدائية" في مدينة الديوانية، بالتنسيق مع مجلس المحافظة، وبعد تحويله الساحات التابعة للمدرسة إلى 150 محلا جديدا لغرض تأجيرها واستثمارها اقتصاديا، بدأت مرحلة عرض المحال للإيجار، وهنا واجه الناس أسعارا خيالية بدءا من 8 ملايين حتى 12 مليون دينار للمحل الواحد. الأمر الذي بدد آمال باعة الأرصفة وأصحاب البسطات المغلوبين على أمرهم، الذين كانوا يأملون الحصول على محال تؤويهم تكون إيجارتها معقولة، ليتخلصوا من ملاحقات البلدية وحملات منع التجاوزات.

وعندما أعلن المستثمر أمام أصحاب البسطات الذين كانوا يشغلون ما يسمى بـ "سوق هرج"، عن شروعه بعرض المحال للإيجار وفق المبالغ المذكورة، انهالت عليه الشكاوى والتنديدات من قبلهم، وتساءل الكثيرون منهم عن مصير أرزاقهم وعائلاتهم، وهل انهم سيرمون في الشارع، وأنى لهم تلك المبالغ الباهظة!؟

وبين هذا الجدل الحاد وحمى الاتهامات التي طالت حتى اصحاب القرار في المحافظة، لم يكن هناك خيار امام المستثمر سوى المغادرة مهموما، وعلى عجالة.

وخلال جولتنا الميدانية بين أصحاب البسطات، وسؤالهم عن معاناتهم وهمومهم على إثر اكتمال المحال وعدم قدرتهم على استئجارها نظرا لمبالغها الخيالية، تلقينا إجابات مثل "جا عمي وين انروح.. نكعد بالشارع؟"، "ليش هيجي يا مجلس محافظتنا.. موتكولون احنه ويه المواطن؟"، و"هذا جزه اولادنه بالجبهة يقاتلون واحنه ننرمي بالشارع؟".

وفي هذه الاجواء الساخنة التقط صاحب بسطية شاب علبة صبغ سيبريه أحمر اللون، واختط عبارات على واجهات المحال مثل "باطل" و"مطلوب". وهي اشبه برسالة تحذيرية لمن يفكر في ان يشغل المحال مستقبلا.

هنا لا بد من طرح حلول لهذه المشكلة. فيتوجب على مجلس المحافظة عدم السماح للمستثمر بفرض مبالغ مرهقة على الراغبين في استئجار المحال، وهم من الشرائح الفقيرة التي تتوسد الأرصفة بحثا عن الرزق. إذ انه من الممكن أن يجري وضع حلول وسطية ترضي أصحاب البسطات، وهم أحق من غيرهم بإشغال تلك المحال.

المشكلة ان هناك تنافسا غير إنساني بين التجار الأثرياء، الذين يعرضون مبالغ طائلة لغرض الاستحواذ على المحال، وهذا الأمر يحفز المستثمر على رفع مبالغ الإيجارات. لذلك يتوجب على المستثمر ومجلس المحافظة، النظر إلى أصحاب البسطات والكادحين البسطاء، بعين الرأفة ومساعدتهم على تأمين أرزاقهم وعائلاتهم، لا أن يحرموا من حقهم في الحصول على محال تحفظ كرامتهم.

عرض مقالات: