من التداعيات التي تجلت في قطاع الصناعة وبشكل ملفت للنظر، توقف العمل في الكثير من المصانع العراقية التابعة الى القطاعان العام والخاص والمختلط، نتيجة ضعف الدعم الحكومي مع رفع الحماية عن المنتوج الوطني، علاوة على فتح الباب على مصراعيه لدخول البضائع المستوردة الرخيصة وعلى حساب المنتج المحلي، بالإضافة الى اسباب اخرى مثل تدني الاجور وغياب قانون العمل والضمان الاجتماعي وغيرها من أمور اجتمعت كلها لتغلق منافذ حقيقية كان من شأنها تشغيل اعداد من الشباب الخريجين والعاطلين عن العمل.
وكان من نتائج توقف المصانع والمعامل العراقية تجفيف إحدى مصادر الدخل الوطني، واعتماد اقتصاد البلد على عائدات النفط الخام دون سواها، واعتبارها النفط المصدر الاساسي والوحيد لتمويل النشاط الحكومي وموازنة الدولة، فتحولنا الى بلد ريعي او " احادي الجانب اقتصاديا".
وقد كشف خبير اقتصادي ان "العراق يمتلك أكثر من خمسين ألف مصنع صغير متوقف عن العمل كذلك أكثر من ألف مصنع كبير في عموم المحافظات العراقية". ومنها معامل الحديد والصلب والبتروكيماويات وصناعة الزجاج والورق ومعامل السكر والصناعات الجلدية والنسيج والزيوت النباتية ومعامل الاسمنت والطابوق، وصناعة الادوية وغيرها، ومن المفارقات العجيبة استيراد التمور ومشتقات النفط والماء في بلد عرف تميزه بزراعة النخيل، وبمخزونه النفطي الهائل، ووجود نهرين على ارضه هما دجلة والفرات.
لقد كان العراق بلدا صناعيا وزراعيا ونفطيا، والكثير من المواطنين العراقيين ما زالوا يستذكرون الماركات العراقية، حيث نجد في الاسواق المحلية المواد الغذائية لمصانع تعليب كربلاء والبان ابوغريب ومنتجات حقول الصويرة من البيض والدجاج، ومنتجات الزيوت والصابون ومعاجين الاسنان، وثلاجات وطباخات ومدافئ عشتار والقماصل والاحذية والحقائب وبطانيات فتاح باشا، وسيارات سكانية واطارات وبطاريات بابل والديوانية، ما زال العراقيون يتذكرون وجود آلاف الورش والمصانع الأهلية في الشورجة وشارع الجمهورية والرشيد وهي تعمل ليل نهار ويشتغل فيها عدد من العمال وتنافس بمنتوجاتها القطاع الحكومي.
اليوم الشباب الخريجون يتسكعون في مساطر العمل لانعدام فرص العمل الحكومي، فيما هناك اطفال تركوا مدارسهم بسبب شظف العيش، ولم يجدوا غير التسول في الشوارع او النبش في مكبات القمامة، او جمع القناني الفارغة، لأجل سد لقمة العيش.
هذه المناظر المؤلمة والبائسة تكاد تكون ظاهرة متفشية في بلد الخيرات والبترول والنخيل والصناعات المحلية ، هذه الحال المتردية بسبب السياسات الخاطئة للحكومة، وتسترها على الفاسدين، حيث تباع المعامل العملاقة بسعر الخردة وتنهب معدات المصانع وتتوقف عجلة الصناعة.
وان المتظاهرين الشباب في سوح الانتفاضة يطالبون بإعادة الحياة الى المصانع العراقية لكي تفتح معها نوافذ جديدة للحياة، ولأجل مستقبل صناعي زاهر، لنعمل جميعا من اجل إنجاح مشروعنا الوطني واعادة الالق في لافتة " صنع في العراق" من جديد.

عرض مقالات: