يفاجئنا العديد من الساسة، والمحللين، والمهتمين بالشأن السياسي، من على شاشات الفضائيات المحلية والدولية، وهم يزجون (النصائح!) عينها الى المتظاهرين كلما سنحت لهم سانحة حتى لو كان الحديث خارج السياق، ناحين بلائمة عليهم، وحاثيهم على ضرورة التمسك بالسلمية، وتوخي الحذر والابتعاد عن الاحتكاك بالقوات الأمنية. ولكنهم يتحاشون، بالرغم من تزايد اعداد القتلى والجرحى، حتى أصبح عددهم مساويا إلى عدد ضحايا معركة حربية حقيقية، يتحاشون إدانة أو شجب أو حتى انتقاد من يقف وراء هذا القتل العمدي والممنهج، وهذا يشي بأن ثمّة شعورا من الرضا والتنسيق يسود مشاعر القائمين على حركة قوات الشغب و(الطرف الثالث) في محاولة لضبط ايقاع إيقاع التظاهر والتأثير به، من خلال ما يحدث من قتل، وبطش، وتنكيل ضد المتظاهرين السلميين، فتارة يتحرك هؤلاء، واخرى أولئك، وتارة في هذه المحافظة، وأخرى في تلك، وحيال هذا القمع الوحشي الذي يتعرض له المتظاهرون، يلجأ البعض منهم إلى استخدام الحجارة في مسعى يائس الى وقف زحف القوات الأمنية المدججة بمختلف أنواع الأسلحة، وهنا يرفع هؤلاء عقيرتهم صارخين بلوم وتقريع المتظاهرين، أما إزاء عمليات القتل العمد فهم يلوذون بالصمت المطبق، والشواهد كثيرة ولا بأس أن نستشهد ببعضها .
ففي الأسبوعين الأولين من انتفاضة اكتوبر المجيدة، والتي قوبلت بالذخيرة الحية، والغازات السامّة، وقنابل الدخان المميتة. وقتها صرّح السيد رئس الوزراء، عقب إدانة ممثلة الأمين العام جينين هينيس بلاسخارت، وهيومن رايتس ووتش، ومنظمة حقوق الانسان العراقية، أنّ قوات الأمن العراقية لم تكن مدربة بما يكفي على فك قواعد الاشتباك!!! أي أنّها تجيد توجيه عتادها الحي الى الرؤوس، ولم تتدرب على رمي ذخيرتها في الهواء، وكأنّ الأمر تمّ بسوء تصرف وحسن نية، بعد أن سقط 150 شهيدا، و450 جريحا، وإذا كان الامر قد حصل خطأ، فماذا يقول حيال اغتيال، واعتقال، والاعتداء بالضرب المبّرح على النسوة المتظاهرات في بغداد والبصرة على وجه الخصوص؟ ناهيك عن عمليات القتل والاختطاف التي تعرض ويتعرض لها الناشطون السلميون، والصحفيون، والحكومة تلوذ بالصمت السيكولوجي، وكأنها لا تسمع.
وليس ببعيد عن ذاكرتنا الفعل الشنيع الذي اقترفه جميل الشمري ضد ثوار الناصرية الأبطال في تلك الليلة الدهماء، والذي راح ضحيته العشرات من القتلى والجرحى من أبنائها البررة، وما هي التدابير التي ترتبت بحق فاعلها، وماذا كان ردّ الحكومة حيالها غير الصمت!، ولم نسمع كلمة شجب أو أدانة، ولكن شكلت لجنة تحقيق، وفي المكان نفسه، فعل فريقهم الثالث فعلته النامّة عن اليأس والهمجية، بإحراق 150 خيمة وقتل وجرح العشرات من الشباب المسالمين دون أدنى حق، واستمرت العملية من 15 ـ 20 دقيقة، وكأنّ شرطة مكافحة الشغب في اجازة اجبارية، وبعد انتهاء المشهدية التراجيدية طاردت الفاعلين ولكنها لم تستطع اللحاق بهم على حد زعم قائد شرطة ذي قار ناصر لطيف، لا أدري كيف لم تستطع اللحاق بهم، هل كانوا يستقلون صحونا طائرة، أم سيارات أسرع من الصوت؟ وفي هذا السياق لم نسمع تصريحا من الحكومة أو رئيسها أو من مستشاره العسكري في هذا الشأن.
واخيرا وليس آخرا، ما قامت به قوات الشغب من هجوم على خيمة المسعفين في ساحة التربية في كربلاء وإحراقها، ماذا نسمي هذا الفعلة الهوجاء. المسعفون في العالم كله، في الكوارث والنزاعات والتظاهرات يقومون بعمل انساني بعيدا عن السياسة بمختلف تجلياتها، فما مبرر ذلك، هل المسعفون لا يجيدون قواعد الاشتباك؟ أم أنّ اسعافاتهم الأولية بنادق صيد أو كواتم موت. أعتقد أنّ السيد رئس الوزراء المنتهية ولايته على دراية ومعرفة بأنّ الدستور كفل حرية التجمع والاحتجاج، ولكنه الان، وللأسف، لا يتذكرها، وهو الذي كنا ننتظر منه الكثير لخير البلاد، أثبتت تجربتنا العملية معه خلال الأشهر الأربعة الماضية، أنّه ليس مغلوبا على أمره، لكنه راض بالكيفية التي تدار بها الأمور، وما سكوته المطبق إلا من علامات الرضا.

عرض مقالات: