اباّن الحرب الأهلية في لبنان 1975-1990 كان للقوات السورية القدح المعلى في التحكم بشؤون اللبنانيين، وفي وقتها راجت أهزوجة شعبية هي (أسد في لبنان، وأرنب في الجولان) كناية عن التدخل المطلق في لبنان، واحتلال إسرائيل لهضبة الجولان السورية منذ عام 1967.
في عراق الويلات والنكبات، نعيش اليوم وضعاً مشابهاً، وربما متطابقاً في الكثير من جوانبه، ففي الوقت الذي تظهر فيه الحكومة "شجاعتها" بوجه المتظاهرين السلميين، وتزهق أرواح المئات من الشهداء، وهم بعمر الزهور، وعشرات الآلاف من الجرحى، في مذبحة تتهيب من الأقدام عليها أعتى الدكتاتوريات والأنظمة الاستبدادية، نراها تتخاذل أمام المليشيات وحملة السلاح المنفلت، أو الطرف الثالث كما يحلو للناطقين باسمها توصيفهم، وكأن هؤلاء القتلة، قد جاؤوا بمركبات فضائية من المريخ أو غيره من كواكب مجموعتنا الشمسية.
فهل هم مجهولون للحكومة حقاً؟ وابن الخامسة يعرفهم، بل هم أنفسهم لا يخفون حقيقتهم في تصريحات ومواقف تعكس مدى حقدهم وخشيتهم من نجاح الانتفاضة وتحقيق مطالبها في تشكيل حكومة وطنية، نزيهة، كفوءة وقادرة على انتشال العراق من مستنقع اللصوصية والفساد، وتعد لانتخابات مبكرة بأشراف دولي فعال، وإصلاح المنظومة الانتخابية، وخاصة تشريع قانون انتخابي عادل، ومفوضية مستقلة، لا مكان فيها لأس البلاء، المحاصصة الحزبية والمكوناتية ليكون كل ذلك، هو الخطوة الأولى في وضع عراقنا شعباً ووطناً على السكة الصحيحة.
لقد عبر ناشطون عن الخوف من خطر يهدد حياتهم، لكن هذه المرة ليس من القوات الحكومية، بل من المليشيات، ويؤكدون أن العناصر المسلحة والملثمة التي دخلت إلى ساحة الخلاني وارتكبت المذبحة، حرصت على أن يراها الجميع في تهديد علني لإرهاب وتخويف المنتفضين. كما علق مسؤول عراقي في وزارة الداخلية على الاختطافات والاغتيالات بأنها متوقعة، منذ طعن المتظاهرين في الخميس قبل الماضي، كاشفاً ان الجهات التي تقف وراءها هي مجموعة أو جناح متطرف داخل الفصائل المسلحة، وتمثل تحدياً لهيبة الدولة وتنسف في الوقت ذاته أي حديث عن حصر السلاح في يدها!
وكان السيد رئيس الوزراء قد اعترف في لقائه مع سفراء الاتحاد الأوربي بأستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، وان الحكومة اتخذت قراراً صارماً بحصر السلاح في يد الدولة الأمر الذي اعتبره كثيرون مجرد نكتة سوداء، لعدم قدرة الدولة على التحرش بمن يمتلك سلاحاً، ربما أقوى من سلاح الدولة نفسها، لكنها تظهر "عنجهيتها وحزمها" اتجاه المتظاهرين السلميين وترتكب بحقهم مجازر وحشية يندى لها الجبين والضمير.
أنها مسؤولية الحكومة أولا واخيراً، في حماية المتظاهرين وكشف ما يسمى بالطرف الثالث ومحاسبته على الجرائم الوحشية التي ارتكبها سوية مع المتواطئين من المسؤولين في بعض الأجهزة القمعية.
والسؤال الملح هو: متى تدرك الحكومة والمليشيات والكتل المتنفذة أن هذه الانتفاضة البطولية، تختلف كلياً عن سابقاتها، سواء من حيث سعة المشاركة فيها، وشمولها غالبية الشعب العراقي، أو تجذر الوعي المجتمعي بضرورة كنس الطبقة السياسية الفاسدة، والذي تجسد في شعارها الأرأس (نريد وطناً) أي أنكم اغتصبتم الوطن وحولتموه إلى إقطاعيات سياسية لكم ولأبنائكم وإتباعكم، تاركين الشعب يعاني الظلم والضياع والحرمان من ابسط حقوقه.
ولهذا يجب أن لايخامركم أدنى شك بأن الطريق الوحيد لإخراج البلد من أزمته الخانقة هو رحيلكم غير مأسوف على رؤية سحناتكم مرة ثانية، ولا طريق غيره.

عرض مقالات: