هناك سياسيون اتخذوا الظهورَ في وسائل الإعلام هدفاً وغايةً في الوقت نفسه. لسبب ما، بنى هؤلاء خُطّتهم الترويجية على أن دوام إطلالتهم كيفما اتفق ستجعلهم محفورين في الذاكرة، وبالتالي سيظنّ بعض الناس أن هؤلاء هم أشخاص مُهمّون، وربما لديهم أطروحة، على الطريقة العراقية المُبسّطة:"يحچي حلو ومرَتّب!".
يحكي لي أحد مراسلي القنوات الفضائية، أن "نائباً" تعوّد أن يأتي الى المركز الصحفي في مجلس النواب، ويبادر الصحفيين بالسؤال:
-
شنو عندكم؟، شنو تريدوني أصرّح اليوم؟، عن أي موضوع أنا حاضر!
أكثر الناس سيكتشفون لاحقاً زيف هؤلاء وخواءهم، لكن المُراهنة هنا من جانب السياسي ليست على رأي الأكثرية، إنما على أقلية ما زالت ترى في من يظهر في التلفزيون شخصاً مهماً بالضرورة. وطالما هو يرتدي ربطة عنق وبدلة رسمية ويتكلّم أمام الكاميرا، إذن فهو من النُخبة السلطوية التي تستحق أن نمنحها اصواتنا.
ببساطة، هكذا يحسبونها. هناك من يحسبها هكذا، وعلينا أن نعي تماماً أن هؤلاء موجودون فعلاً ولهم قوّتهم التصويتية في الانتخابات رغم سذاجتهم وقلّة عددهم.
يلعب هؤلاء الساسة على الذاكرة التراثية للبُسطاء، الذين مازالوا يرون في وسائل الإعلام شيئاً مقرّبا وقريباً من السلطة، إذن فهو قادر، وهو متمكن.
في الحقيقة لا أعرف إن كانت هذه الخطّة الترويجية هي الخطّة المثالية أم لا، لكن بالتأكيد هي تؤمّن بضعة مئات من الأصوات لهذا النوع من السياسيين "الصَوتيين". وطالما هو محتاج فقط لهذه البضعة من الأصوات فسيقنع رؤساء الكتل بأن يضموه الى كتلهم حين يأتي الموسم الانتخابي.
لكن ما هو غير مفهوم على الإطلاق هو إقبال بعضهم على الظهور في برنامج ما، يعرف سلفاً أنه سيتعرّض فيه الى إذلال، وإهانة، و"بهذلة"، سواء من قبل مقدّم البرنامج، أو من الجمهور.
ويعرفون سلفاً أنهم سيسألون عمّا اقترفت أيديهم من فساد، أو سوء استخدام للسلطة.
ومع هذا نراهم يُهرولون على الظهور في الفضائيات.
في الحقيقة هذا النوع من السياسيين، لا يعني سلوكهم هذا أنهم أغبياء، أو أنهم بلا قدرة على التفكير، أبداً ليس هذا هو السبب.
إنما لأنهم مازالوا يراهنون على سذاجة الناخب الذي يرى في من يظهر في التلفزيون شخصاً مهماً وينبغي التصويت له. ببساطة، إنهم يراهنون على جهل الناس، ومن مصلحتهم الاستمرار في تجهيل الناس. فكلما ازداد الناس جهلاً، كلّما زادت فرصة هؤلاء بالبقاء في مناصبهم.
كم أنت مفيد لهم أيها الجهل!

عرض مقالات: