حين يتم توجيه السؤال لاي مواطن عراقي سواء كان مشاركاً في الانتفاضة الشعبية ام لا، عن بطل هذه التظاهرات في ساحة التحرير وقائدها، سيأتيك من بين الاجوبة سريعا: هو سائق التكتك، حتى اطلق العديد من المحتجين عليها تسمية: ثورة التكتك.
هذه المجموعة الباسلة التي وهبت نفسها للوطن نظمت نفسها وحركتها وكانها كتيبة عسكرية متمرسة في الحروب والازمات، تنقذ المصابين والجرحى ممن تعرضوا للاختناق بسبب الغازات المسيلة للدموع. تتمايل يمينا ويسارا كانها زهرة تهب عليها الرياح، مسرعة نحو المجد والعلى مثل فهد يطارد فريسة. يهبون لنجدة اخوانهم المصابين يحملونهم ويسعفونهم بالدواء السحري مشروب الببسي كولا وعلاج آخر صنعوه بانفسم من ماء وخل وخميرة. انهم علامة فارقة في ساحة التحرير، فلولاهم لزاد عدد الشهداء من المنتفضين ضد نظام الفساد والمحاصصة اضعافا. ليس هذا فقط بل كانت عجلات التكتك سرية تموين تحمل الشراب والطعام الى من نذر نفسه لمواجهة ميليشيا القتل والدمار، في وسط جسر الجمهورية.
سواق التكتك الذين سطروا اروع ملحمة بطولية سيخلدها التاريخ وتتناقلها الاجيال، جاؤوا من المناطق الفقيرة والاحياء المهمشة، هم عصارة الفقر والظلم والمآسي وقبح الاحزاب المتنفذة، شباب لا يفقهون في السياسة الا انهم يحبون الحياة ويعشقون الوطن، شباب اسيء الى وعيهم وسرقت احلامهم وهم في سن المراهقة.
وجب علينا الآن ان نقدم اعتذارنا لهم لاننا ذات يوم ما ظلمناهم وتضايقنا من وجودهم في الاسواق والاحياء، وهم يبحثون عن رزق يسد لقمة عيشهم.
وجب علينا الاعتذار لاننا لم ندرك ما يحملونه من الوطنية والانسانية والايثار بالنفس.
وجب علينا الاعتذار لاننا كنا نراهن على اللاوعي فكانوا الاكثر وعيا.
وجب علينا الاعتذار لاننا نحن الاعلاميين والصحفيين والمثقفين تركناهم في خط المواجهة وكنا في الخطوط الخلفية.
لقد كنتم صورة مشرقة لوطن اكثر اشراقا، حاول المفسدون سرقته فما كنتم الا سدا منيعا راسخ البنيان وقويا.