لم نتوقع من اللجنة الوزارية للتحقيق في احداث التظاهرات الشعبية، أكثر مما سطره تقريرها الذي أعلنته يوم أمس الاول. فلا طبيعة تشكيلتها تسمح بتشخيص المسؤولية السياسية، ولا صلاحيتها تمكنها من ادانة الذين أصدروا أوامر بارتكاب المجازر التي شهدتها ساحات التظاهر في بغداد والناصرية والنجف والديوانية والكوت.
وإذا كان فشل الحكومة في أداء واجباتها لم يدفعها الى الاستقالة، كما ان دماء المحتجين السلميين هي الأخرى لم تحرك رئيس الوزراء كي يستقيل، ولم يبادر أي وزير او مسؤول حكومي في تقديم استقالته. إذا كان كل ذلك لم يحرك الحكومة المتشبثة بكرسي الحكم، رغم الدماء التي سفكت، ورغم حجم الاحتجاجات الواسعة التي تركز مطلبها الأساسي على إسقاط الحكومة، وتشكيل حكومة تؤمن كرامة المواطن وتحفظ كرامة الوطن. فان التقرير اللجنة الوزارية هو صافرة الإنذار التي انطلقت بوجوب تقديم الاستقالة.
الاستقالة هي الخطوة الأولى لتجنيب الدولة الانزلاق امام الاحتمالات خطرة. اما الخطوة الثانية فهي تشكيل حكومة مؤقتة بمهمات وصلاحيات استثنائية، يتم تشكيلها بعيداً عن نهج الطائفية السياسية ونظام المحاصصة المقيت وان لا تتسرب لها منظومة الفساد، حكومة تستند على القرار الوطني العراقي المستقل، تؤسس للعدالة الاجتماعية وتبني مسار المواطنة وترسخ نهجه. ومن اجل ان تنجز مهماتها دون عوائق وتسويف، يجب ان تحصل على صلاحيات كاملة من البرلمان، بما في ذلك تشريع القوانين الخاصة بتفعيل مبدأ المواطنة، والسير على طريق العدالة الاجتماعية، وبناء الثقة والإصلاح الاقتصادي والمالي والإعلامي والثقافي، وتجريم وجود المليشيات والعصابات المسلحة المنفلتة والخارجة عن القانون وترسخ دور الجيش في الدفاع عن حدود العراق وسيادته، فيما تقوم الشرطة والمؤسسات الأمنية بكافة صنوفها لحفظ الامن الداخلي وامن المواطنين في المقدمة منه. كما عليها الشروع بسلسلة إجراءات، منها حصر السلاح بيد الدولة، واحترام حرية المواطن، وحرية الصحافة والتظاهر، وكذلك حرمة الدم العراقي. كما على الحكومة المؤقتة ان تتابع تقديم كل من ساهم في قتل الشباب العراقيين في انتفاضة اكتوبر الى القضاء كي يقول كلمته الفصل.
كما وعلى تلك الحكومة واجب الإصلاح السياسي، عبر بتكريس موضوعة المواطنة في قانون الأحزاب وقانون انتخابات مجلس النواب، وإدارة العملية الانتخابية من قبل قضاة معروفين بنزاهتهم واستقلاليتهم وشجاعتهم وبمساعدة دولية تشرف على سير الانتخابات.
يأتي تشكيل الحكومة المؤقتة عبر اختيار شخصية وطنية نزيهة وكفؤة وشجاعة قولا وفعلا لا ترتبط باي مشروع اقلمي او دولي، شخصية واضحة الانتماء الى العراق وليس غير العراق. يكلفها رئيس الجمهورية كما ينص الدستور، ويصوت عليها البرلمان ويمنحها صلاحيات تشريعية بحدود المهمات الاستثنائية التي تم ذكرها، ويبقى البرلمان يمارس دوره الرقابي وتشريعي المحدود الى حين حله، واعتبار أي تشريع تقوم به الحكومة اداءً لمهامها الاستثنائية نافذا، ان لم يعترض عليه البرلمان خلال مدة أقصاها ١٥ يوما.
المطلوب حكومة وطنية لا تسهم فيها طغمة الفساد، بل تفرضها الإرادة الشعبية بحركتها الاجتماعية الواسعة، وتتكون من شخصيات وطنية كفؤة نزيهة مستقلة، لا تتعاطى وتستثمر بالعمل السياسي، ولا تشارك في الانتخابات القادمة.

عرض مقالات: