اتخذت الحكومة مجموعة من الإجراءات والقرارات بعد انتفاضة تشرين الاول 2019 التي قمعت بالقتل العمد والرصاص الحي والمطاطي والمياه الساخنة والاعتقالات والمطاردات وانتزاع البراءات من المحتجين، وامتد القمع ليشمل عدداً من الفضائيات التي أغلقت تحت التهديد والاقتحام وتكسير الأجهزة والاعتداء على العاملين فيها، كذلك ملاحقة المدافعين عن حرية التعبير.

والغريب هو حكاية (القناص) الذي امعن في القتل، ولم تستطع أجهزة الدولة الأمنية والاستخباراتية (تحديد هويته) كما اعلن رسمياً.

اما الاغرب فهو ما اذا كان مطلوباً سفك كل هذه الدماء الزكية حتى تطلق هذه الحزم من الإجراءات التي جاءت للتخفيف وتنفيس الاحتقان واحتواء الموقف اكثر من تقديم علاج للأزمات المتراكمة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

قبيل التظاهرات بأيام كانت الحكومة تتعلل بقلة الموارد المالية لمعالجة ما تراكم من مشاكل على صعيد الاقتصاد والأوضاع المعيشية واستفحال ظاهرة البطالة وارتفاع نسب الفقر، واليوم بعد الانتفاضة يندهش المراقبون كما المواطنون إزاء ما يعلن عن توفر الدرجات الوظيفية في هذه او تلك من الوزارات، وان هناك أموالا لدى البنك المركزي يمكن اقراضها للحكومة بغية تحريك بعض المشاريع. وقيل ايضاً ان الاعانات الاجتماعية يمكن ان تشمل مئات آلاف العوائل الأخرى، وان المنحة المقطوعة المؤقتة ستشمل العوائل الفقيرة التي لا دخل لها.

المتنفذون لم يسمعوا ولم يصغوا الى النداءات المخلصة التي كانت تحذر وتقول أن استمرار الحال من المحال، وان المواطن الذي لا يجد قوت يومه لن يمنعه شيء من دخول حلبة الصراع مع من يعتقد انه السبب وراء جوعه وفقره ومرضه؟!

واليوم ايضاً يخطيء الف مرة من يظن ان جذوة الاحتجاج والتظاهر قد خفتت، فهي باقية طالما بقيت المشكلات قائمة ولم تعالجها هذه الحزم التي لا تسمن ولا تغني من جوع. لذلك يمكن ان تتجدد التظاهرات وتندلع وربما بشكل اقوى واكثر اتساعاً مما حدث حتى الآن.

المدخل الصحيح والسليم هو معالجة اس المشكلة، والمعالجة سياسية قبل كل شيء، فهل تتوفر الإرادة السياسية للاقدام على ذلك؟ انه اختبار جدي لكل الكتل والأحزاب السياسية المتنفذة، التي كان عليها القيام بمراجعة شاملة منذ تظاهرات 2011، لا ان تقمعها هي الأخرى بالقوة.

ولم تنفع اية إجراءات وقتية او تخديرية، لان الناس اخذت تدرك، وإن تدريجياً، مصالحها وحقوقها. ومن المؤكد انها ستدافع عنها مهما غلت التضحيات، وهذا ما شهدناه بالفعل حيث لم يمنع القتل الناس من التظاهر بل قابلوا الرصاص بصدور عارية.

فهل وصلت رسالة المتظاهرين واضحة الى المتنفذين؟

الأيام القادمة هي الكفيلة بالاجابة عن ذلك.

عرض مقالات: