ازداد في الآونة الاخيرة القلق بشأن العجز الكبير في موازنة 2020، صاحبته اطروحات مختلفة بشأن مواجهته، فدخلت في تفاصيل النظام الاقتصادي ووجهته اللاحقة. والمثير في هذا الامر تصريح لعضو في اللجنة المالية البرلمانية وتصريح المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، وكلاهما يتمحوران حول هيكلة الوزارات العراقية والذهاب الى مبدأ الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، وخلاصتهما القاء تهمة الفشل الاقتصادي على القطاع الحكومي الذي جرى التعامل معه بمنتهى الاهمال والصدود.
غير ان عضو اللجنة المالية البرلمانية جمال كوجر وهو يحلل العجز في موازنة العام القادم يقول ان اللجنة المالية البرلمانية طرحت مشروعها على رئيس الحكومة بوصفه حلا لا مناص منه في معالجة العجز في الموازنة القادمة. ولكن الغريب في هذا المشروع هو تحويل وزارات لها علاقة صميميه مباشرة بحياة الشعب العراقي الى القطاع الخاص، وهي وزارة التربية والتعليم ووزارة الكهرباء بالإضافة الى وزارة الصحة، متناسيا الفشل الذريع الذي وقع فيه التعليم الأهلي، حتى ان وزارة التربية التي يقترح خصخصتها قد اغلقت الكثير من المدارس الاهلية الفاشلة لمدة ثلاث سنوات .
وفي تصريح ذي صلة يؤكد المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء د. مظهر محمد صالح وجود 173 شركة مملوكة للدولة و90 مصنعا موزعا بين وزارات النقل والنفط والصناعة، وان الفعال منها 25 في المائة والباقي متوقف تماما وبعضها مندثر تكنولوجيا وعدد المنتسبين فيها بحدود 500 ألف بين موظف وعامل يتقاضون رواتب منذ عام 2003. نعم هكذا هو الحال الان ولكن كنّا نتمنى على السيد المستشار ان يشير الى الاسباب الحقيقية التي تقف وراء تعطل هذه المشاريع بعد الاحتلال في عام 2003.
ان الخصخصة التي يتحدث عنها اصحاب المشاريع المقترحة لسد العجز هي عملية مزدوجة الطابع، فمن ناحية تعظيم الملكية الخاصة ومن ناحية اخرى تحجيم الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج، مما يترتب عليه انتقال الادارة الرئيسة للاقتصاد الوطني الى ايدي القطاع الخاص، وإعمال آليات السوق وإطلاق قوى العرض والطلب، وفي نهاية المطاف تمكين الفاسدين من السيطرة على مقدرات الانتاج الوطني. فلابد اذن من النظر الى هذه العملية بمعناها السياسي الطبقي وليس الشكلي الحقوقي. والسؤال هنا هو: هل يمتلك القطاع الخاص حاليا امكانيات أكبر مما تمتلكه الدولة، التي تتحكم بما تحت الارض وما فوقها، لتتحول الى مجرد حارس؟ كل هذه الاطروحات لم تكن سوى تجسيد لشروط الفكر الرأسمالي المعولم وقواه الطبقية المؤثرة.
اننا نعتقد ان المشكلة لا تكمن في القطاع العام المحكوم عليه بالإعدام مع وقف التنفيذ، وانما في مافيات الفساد المدعومة سياسيا والتي تستثمر الاموال المخصصة له في مشاريع وهمية وفي مجمل السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة التي تبسمرت عند الريع النفطي وحولته الى مجرد إنفاق استهلاكي غير مجد. فالعجز في الموازنات السنوية كان خلال السنوات الماضية افتراضيا وفي الواقع شهدت فوائض مالية طيلة تلك السنوات بسبب فشل الادارات المنصبة تبعا للولاءات السياسية التي اسهمت في بعثرة النفقات المخصصة للمشاريع الحكومية وغالبا ما يكون هذا الفشل مصحوبا بالفساد والهدر المالي.

ان معالجة العجز تستلزم جملة إجراءات، نقترح منها ما يلي:

ان تكون المشاريع المشتركة التي يجري الحديث عنها بين القطاع الخاص والمشروع الحكومي الخاسر، وقد ثبت ان المشاريع والمصانع التي تديرها ادارات كفؤة قد تطورت وحققت أرباحا، شريطة ان لا تكون المشاركة مع شركات او افراد مدانين بالفساد فتتحول الشراكة الى غسيل اموال.
الامتناع عن الاقتراض الخارجي الذي لم يكن موجها للاستثمار في قطاع الانتاج او لغرض سد العجز، ومن الممكن التفاوض مع الجهات الدائنة لتأجيل الدفع على ان تكون هذه الاجراءات مصحوبة بحلول، منها التسديد عن طريق السندات الحكومية الممتازة، والاهم من كل ذلك مراجعة الانفاق العام واعادة النظر في الرواتب العالية في الاجهزة العليا في الدولة مع التخفيض الكبير في عدد السيارات الممنوحة للوزراء واصحاب الدرجات الخاصة، وعرضها للبيع بحسب القوانين النافذة.

عرض مقالات: