ثلاث كلمات (على راسي ..بعيوني ..لا عليك ..)، حملها الطفل القادم من مندلي صوب مركز جمهوريته ، لتنعجن روحه برائحة القداح وطعم البرتقال ، ويتعمد بعشق الوطن المتوشح بالأحمر ، كي ( يطشّ ) روحه ( هيلاً ) وزعفران في دروب الصحبة والرفاق!
إبراهيم حيدر عزيز، عرفني شاعرا عندما نشرنا معا في إحدى المجلات في تسعينات القرن المنصرم، ليسأل عني صديقه سعد محمد رحيم ويرفق معه رسالة يتركها عند أبي داود في مقهى حسن عجمي، وما أن تسلمتها حتى كتبت جوابا وتركته هناك أيضا، لتستمر الرسائل الورقية بيننا، ساعي البريد صديقنا سعد، وحسن عجمي الصندوق!
توطدت علاقتنا الأخوية دون أن نلتقي، وما أن انقشعت الغيمة السوداء عن سماء الوطن، وأقيم مهرجان المربد الأول بعد سقوط الفاشية، ووصول وفد بغداد إلى فندق المربد في البصرة، حتى جاءني صديقي مقداد مسعود قائلا: إبراهيم الخياط يسأل عنك. قلت له: إبراهيم حيدر صديقي أينه ؟! وكان حينها مدير إعلام وزارة الثقافة في زمن وزيرها الرائع أبي نيسان الكبير! أجابني مقداد: هناك عند سيارة الوفد، ركضت إليه فتعانقنا كشقيقين لم يلتقيا منذ سنين!
منذ تلك اللحظة لم نفترق، معا في كل محفل ومهرجان وملتقى واجتماع وجلسة، صارت بغداد وكما قال شاعرنا الحجاج بالنسبة لنا ساحة الأندلس فقط، حيث مقر الحزب الشيوعي واتحاد الأدباء، وما بينهما (برهوم) هذا الاسم المحبب الذي أناديه دون غيري!
تعلمت منه الكثير، فازددت طيبة وإنسانية وصبرا على كل شيء، وازددت تسامحا وتضحية ومحبة للناس!
في كل لقاء بيننا تنفتح آفاق وأفكار ورؤى جديدة، كان لا ينفكّ عن التفكير بمبادرات ومقترحات جديدة في مجال العمل الإبداعي كتابيا ونقابيا، مدّ جسور المحبة بين الجميع، فصرنا كتلة واحدة من الأشقاء والأصدقاء، لم نفترق أبدا، لقاءاتنا تتواصل، ومحبتنا تكبر للوطن والناس!
كان يقول: اعمل ودع كلام الآخرين، لا تعبأ بأي سهم يأتيك من غيور أو حاسد، بل تجاوزه لتكون أكبر من راميه. كان هو كذلك، كم من السهام رميت عليه حسدا وغيرة، لكنه لم يعبأ بها أبدا، بل سما فوقها! همّه الوطن والناس، أراد أن يبني جمهورية للبرتقال تشعّ محبة وتسامحا واندكاكا بالأرض وماء الفراتين!
الاتحاد بيته والأدباء أخوته، يسمو بهما، يسأل عن الصغير والكبير، لم تنقطع رسائله في المسرات والأوجاع، يشارك الجميع في كل شيء، ويقول: لابد أن تكون معهم كالدم تسري في شرايينهم!
في كل محفل كلمته قصيدة، يلقيها فتضجّ القاعة بالتصفيق، واجبه العمل اليومي مع الناس ورفاقه وأصحابه!
في الجنوب والشمال والوسط، في الاحتفالات ومواكب العزاء!
كنت أقول له: برهوم استرح ودع من ينوب عنك في هذا المحفل او ذاك، يجيبني: لابد من حضوري لأنه جزء من رسالتي، يتصل بي يوميا، يشركني في هذا الرأي وتلك المسألة ويستأنس برأيي في أية فكرة كانت!
لم تنقطع أغانينا الصباحية كتحية نتبادلها، حتى الأربعاء الدامي!
لم يكن أمينا عاما للأدباء، بل كان خادما لهم وللثقافة والأدب كما يقول!
لقد ذهب شهيد الواجب، حيث كان في طريقه للمشاركة في مهرجان تقيمه أمانة الشؤون الكردية، وعليه لا بد أن نسعى ليحتسب لعائلته راتب تقاعدي أسوة بشهداء الواجب من الدرجات الخاصة، العمل عمل سواء هنا أو هناك والتضحية متشابهة أيضاً!
وسنبقى نردد ما حيينا: على راسي .. بعيوني ..لا عليك .. لأنها جزء من بناء وطن حر وشعب سعيد!

عرض مقالات: