لم تكن ثورة 14 تموز 1958 موضع خلاف لوحدها بل كان دور الشيوعيين، في تلك الفترة، موضع خلاف أيضا! فمنهم من يرى أن الشيوعيين من يمتلك زمام السلطة، خالطين الأوراق عن قصد أو بدونه، بين السلطة الرسمية التي تمثلها المؤسسة الحاكمة وبين سلطة الشارع، التي كانت متأثرة فعلا بالمد اليساري التقدمي، حيث نشطت المنظمات الجماهيرية، التي يعمل فيها الشيوعيون، وخاصة في مجال المرأة والطفل والشبيبة والعمال والطلبة، حتى وصل الأمر في السنة الأولى من الثورة الى أن تخرج تظاهرة مليونية طوعية في الأول من ايار، عيد العمال، عام 1959 بالرغم من أن نفوس العراق لم يتجاوز السبعة ملايين آنذاك. وكانت الدورة الاقتصادية في انطلاقتها المتوقدة ممثلة بالكهرباء وعمال النفط والسكائر والبريد وغيرها من المعامل المتوسطة والصغيرة بالإضافة الى مساهمة الفلاحين والكسبة. ولم يشهد العراق تظاهرة بهذا الزخم حتى الان، وفعلا كانت هنا الريادة للشيوعيين الذين يدافعون بشكل حقيقي عن حقوق العامل والفلاح والطالب، وكل شغيلة الفكر واليد.
لقد شكلت تلك التظاهرة بإعدادها وشعاراتها رعبا للقوى المعادية في مفاصل الدولة، آنذاك، فحركت فصائلها المتخفية لتثير عداء غير مسبوق ضد الشيوعيين الذي دخل بعضهم السجن قبل انقلاب شباط الاسود 1963، وكانوا لقمة سائغة لسلطة البعث الأولى بعد نجاح انقلابهم المشؤوم!
وراحت قطعان الحرس القومي تعيث فسادا في البلاد والعباد خاصة بعد أن أصدر الحاكم العسكري رشيد مصلح بيان رقم 13 الذي أهدر فيه دم اي مواطن متهم بالشيوعية!
وخضع قياديو الحزب الشيوعي الى أصناف من التعذيب لم يعرفها مجمل التاريخ السياسي الحديث للعراق واستشهد خيرة الوطنيين على أيدي تلك العصابات وفي مقدمتهم الشهيد سلام عادل.
وفي 21 تموز 1963 أصدر الحاكم العسكري العام رشيد مصلح قرارا بإعدام ثلاثة من رموز الحركة الوطنية، وقادة الحزب الشيوعي وهم محمد صالح العبلي وجمال الحيدري والصحفي المعروف عبد الجبار وهبي " ابو سعيد "، ويقول البلاغ الذي نشر يوم 22 تموز في جريدة الجماهير بأنهم حوكموا امام محكمة عسكرية بالرغم من كونهم مدنيين!
مرت السنون والاعوام ويأتي انقلاب 1968 ليستلم البعثيون السلطة مجددا، ويتم اعتقال رشيد مصلح متهما بالتجسس! ويحال الى إحدى محاكم البعث الصورية وينفذ فيه حكم الإعدام عام 1970.
القتلة ينتهون بميتة وضيعة تليق بما اقترفت ايديهم من جرائم، أما شهداء الفكر والوطن فيبقون نبراسا يضيء دروب الحرية، فأسماء مثل الحيدري والعبلي وأبو سعيد عصية على النسيان. انهم الفرسان، التي تتداول مآثرهم الأجيال الساعية الى بناء وطن ديمقراطي متآخ يرفل بالسعادة والامان.

عرض مقالات: