هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية يواصلان بدون انقطاع ارسال تقاريرهما الى مجلس النواب منذ عام 2014 وحتى ما قبله بشأن تهريب منظم للعملة النقدية الصعبة مشكلا خرقا فضا ليضيف الى ما قبله من خروق مالية كبيرة تحصل في نافذة بيع العملة ابطالها مصارف اهلية وشركات صيرفة وشخصيات سياسية نافذة متهمة بغسيل الاموال دون تردد او خوف من ملاحقة القضاء ومحاسبة هذه الاطراف بسبب تدميرها الاقتصاد الوطني واخراج ثروة البلاد عن تخطيط وسبق اصرار.
لكننا ينبغي ان لانحمل النافذة وحدها كل عمليات الفساد وتهريب العملة بمعزل عن الدور الكبير الذي تمارسه المصارف الاهلية عبر حسابات اعضاء مجالس ادارتها وعملائها وشركات الصيرفة باستخدام فواتير مزورة او نقل مباشر عبر المنافذ الحدودية.
وفي ضوء هذه الفوضى تؤكد التقارير الدولية والمحلية ان حجم المبالغ العراقية المهربة او المسروقة التي تندرج تحت طائلة غسيل الاموال تبلغ 180 مليار دولار يتحمل مسؤوليتها موظفون كبار في الدولة العراقية بمعدل شهري قدره اربعة مليارات دولاركما ان حجم الاموال المحولة من النافذة للقطاع الخاص للفترة من 2004—2017 قدرت بـ 279 مليار دولار دون ان تدفع ما بذمتها من الضريبة التي تقدر بعشرة مليارات دولار سنويا لم تسلم منها الى وزارة المالية سوى تريليون دينار ونصفها يهرب الى الخارج ما يشكل عبئا ثقيلا على الاقتصاد العراقي وانعكاساته الاجتماعية والسياسية واكثرها بشاعة التدهور في مستوى معيشة العراقيين الذين زادت نسبة الفقر بينهم الى اكثر من 30 في المائة وكل ذلك بسبب ضعف النظام الضريبي بآلياته وادواته القديمة .
ان ظاهرة تزوير الوثائق التي تقدمها بعض المصارف الاهلية لصالح التجار قد كثر استخدامها من اجل شراء العملة الصعبة التي تخفي وراءها عمليات تهريب العملة والاحتفاظ بها في المصارف الاجنبية ويبدو ان الحوالات التي كانت تستخدم في نافذة البنك المركزي قد وضعت في الخدمة بناء على موافقة البنك المركزي بدلا من الاعتمادات المستندية لكنه تراجع عنها وعاد الى الاعتمادات المستندية في عام 2016 واذا اخذنا بالاعتبار تصريحات محافظ البنك المركزي علي العلاق التي انتقد فيها مزاد بيع العملة في بعض البلدان كحالة استثنائية الغاية منها خلق توازن واستقرار العملة فان الجزء الاخطر في هذه الالية هو البيع النقدي للدولار الذي بلغ في دولتنا ارقاما قياسية.
ان ضعف النظام الضريبي في العراق بآلياته وادواته البالية وضعف الرقابة المصرفية باعتمادها اساليب قديمة ووعودها بإدخال التكنولوجيا الحديثة في الرقابة وتعميمها على كافة المصارف الاهلية والحكومية، وضعف الاجراءات القضائية في محاسبة المتلاعبين بتهريب العملة واستمرار البيئة القديمة الطاردة للاستثمار والتي تتسبب في هروب العملة دون توظيفها في تنشيط عملية التنمية الاقتصادية وضعف الاجهزة الحكومية المسؤولة عن اعادة العملة المهربة كل ذلك ساهم في التدهور الاقتصادي والاجتماعي المرتبط بظهور طبقات اجتماعية طفيلية وبيروقراطية فاسدة انتجها نظام المحاصصة المقيت يقابلها ظهور طبقة فقيرة مهمشة تعيش على مكارم السادة المتنفذين، كل ذلك يتطلب سلسلة من الاجراءات الفاعلة نذكر منها :
السعي الجاد نحو الاحتفاظ بالاحتياطي النقدي بمستويات عالية والتوجه لتوظيفه في عملية التنمية الاقتصادية ارتباطا بخطة تنمية اقتصادية علمية تركز على قطاعات الانتاج السلعي سبيلا للتقليل من الاستيراد والاكتفاء الذاتي وبالتالي تقليل كمية المعروض من النقد عبر نافذة بيع العملة وتوجيه الطلب باستخدام العملة المحلية.
التنسيق بين وزارات التجارة والزراعة والصناعة والتخطيط والنفط والجهات ذات العلاقة لإعداد تقييمات منتظمة لحاجة السوق من السلع والبضائع الضرورية ودراسة المنتج المحلي لتكون تقاريرها الدورية اساسا لمنح تصريحات الاستيراد حفاظا على العملة الصعبة وحماية المنتج الوطني .
تشديد الرقابة على المصارف الاهلية باستخدام نظام الحوكمة في متابعة المعاملات المصرفية وتشديد المحاسبة على المصارف التي تمارس غسيل الاموال وتعقب انشطة شركات الصيرفة والتحاويل غير المرخصة واحالة المخالفة منها الى القضاء ومحاسبة الفاسدين بإرادة قوية.

عرض مقالات: