صدر التقرير الإنجازي للحكومة في وقته المحدد، ويغطي فترة الستة أشهر الماضية من عمرها. وهو ما يحسب لها. الملفت للنظر فيه ان المنجز من برنامجها هو 79في المائة وغير المنجز 21في المائة الامر الذي يدخل الحيرة والذهول الى النفوس، ويكرس خيبة الامل. وربما يصاب البعض بنوبة من الضحك على اعتبار ان شرّ البلية ما يضحك!
ان المنهجية التي استخدمت في كتابة التقرير ليست سليمة اساساً، فقسم كبير من المشاريع "المنجزة" ما هي الا اجراءات لا تمت بصلة لما يريده ويطالب به المواطن العراقي، فعلى سبيل المثال 95في المائة مما عُدّ انجازاً لوزارتي الدفاع والداخلية، هو بنى تحتية، بناء مقر فوج، او مركز حدودي. الخ" كما غابت الاولويات وتحولت الى مجرد اماني ورغبات سوّدت بها صفحات التقرير، واهمها الحاجة الماسة الى الخدمات وتوفير فرص عمل لجيش العاطلين الذي تزداد اعداده على مر الايام والسنين.
ثم ما هو التقدم الذي حصل في ملف مكافحة الفساد، هذه الآفة التي تهدد بابتلاع الدولة وانهيارها، فضلا عن شعار حصر السلاح بيد الدولة والتمسك بالمحاصصة سواء في تشكيل الوزارة، او في الدرجات الخاصة التي تربو على الـ (4000) رغم الضجيج الاعلامي والتصريحات المملة بالتخلي عنها واعتماد الكفاءة والنزاهة والوطنية معايير اساسية في اسناد الوظيفة العامة، وبالتالي وضع الشخص المناسب في مكانه المناسب.
لم يلمس أحد شيئاً من هذا كله، بل العكس هو ما نراه ونسمع به، فغالبية المنادين برفض المحاصصة متمسكون بها، ومصرون على بقائها، لأنهم يدركون تماماً بأنها الجسر المؤدي الى جنات النعيم الخاصة بهم، وبالزعانف التابعة لهم.
عدد من المسؤولين يصرح بأنه يسير على وفق البرنامج الحكومي وينفذ المشاريع التي في عهدته، لكن الناس لم تلمس شيئاً تحقق على الارض، فلا المعامل والورش المعطلة دارت عجلاتها، ولا الزراعة والمنتج الوطني تم دعمهما وحمايتهما، بل حتى الحرائق التي التهمت عشرات الدونمات من محصولي الحنطة والشعير لم تعرف الاسباب الحقيقية لها، ولا القائمون بها، إن كانوا منافسين داخليين او من وراء الحدود.
كما ان مشاكل وعقبات كبرى لم يحصل تقدم فيها، مثل اعمار المدن المهدمة، وعودة النازحين اليها، لغياب الامن وتفاقم نشاط المليشيات وخلايا داعش النائمة وعدم وصول التعويضات إليهم التي صادرها الفاسدون، والمدعون زورا بالدفاع عنهم، والمتاجرون بمآسيهم ومعاناتهم الرهيبة.
اما النفايات، فما زالت شوارع العاصمة ومدننا الاخرى مزدهرة بها ومزدانة بألوانها البراقة.
صحيح ان فترة الستة أشهر الماضية قصيرة، والصعوبات والتحديات لا سبيل لتعدادها والالمام بها، والقوى المتنفذة تمارس سطوتها وضغوطها، الا ان اعداد التقرير الإنجازي بهذه الطريقة، والمبالغة فيما تحقق لا يمكن ان يساعد الحكومة في استرجاع ثقة المواطنين بها ولو بنسبة محدودة.
ما نحتاجه في هذا الوقت بالذات، أكبر قدر من الشفافية والمصارحة، وأن تكون المنجزات ملموسة تمس المصالح الحقيقية والآنية للناس، كالكهرباء والماء والصحة والتعليم والاسكان ومكافحة البطالة والفساد وغيرها الكثير، دون ان نغمط النجاحات التي تحققت على صعيد العلاقات الخارجية، الاقليمية والعربية والدولية، والمساعي الحميدة للنأي عن الصراع الدائر بين إيران وامريكا، وكذلك بعض الانجازات المتواضعة والبطيئة في وزارتي الصحة والتعليم العالي.

عرض مقالات: