ارتأيت أن أضع عنوان مجموعتي الشعرية السابعة الصادرة في العام الماضي ضمن إصدارات الاتحاد العام للأدباء والكتاب ، لأنه يعبّر تعبيراً دقيقاً وحقيقياً عن كل ما مرّ ويمرّ به الوطن منذ أكثر من أربعة عقود ، حيث الدم المسفوك منذ الهجمة الفاشية التي شنّتها حكومة البعث على الوطنيين أواخر السبعينات ، ثم الحرب التي لا معنى لها ، مرورا بغزو الكويت والويلات التي جرّها علينا ، والحصار وكيف أكلنا لحم أجسادنا ، وصولا إلى عام 2003 وما جاء بعده من محاصصة وطائفية وفساد وإرهاب وخراب للوطن وأزمة للأخلاق التي بتنا نعاني منها في كل مكان ، من البيت إلى الشارع والسوق والعمل!
لنترك سنوات الجمر والخوف والجوع والاعتقالات ، ونتحدث عن سنوات استبشرنا خيرا لحظة شروق شمسها ، لكن ما حدث جر الويلات وهي متواصلة يوما بعد آخر ، فالطائفية التي لم نكن نعرفها ولا نشعر بها بدأت سوستها تنخر في الجسد العراقي فظهرت العناوين الفرعية وتغلغل الحقد شيئا فشيئا في نفوس البعض لتُسْفَكَ الدماء البريئة التي كان من الممكن أن يستفيد منها الوطن ومستقبله ، والفساد الذي صار سمة لكل عمل ومشروع وحكاية وعلاقة وتعامل بيننا والآخرين ، في البيت ، الدائرة ، السوق، في سيارات الأجرة ، كذلك في الأخلاقيات المنهارة جدا ، حيث جلب الفساد لنا الخراب من أوسع أبوابه ، فساءت الخدمات وانعدمت، وكثر العاطلين وازدادت البطالة كماً ونوعاً ، وتردّى التعليم وصار مؤشر التربية في انخفاض مستمر ، كثر المتسولون ومقتعدو الأرصفة وتقاطعات الطرق ، وظهرت الجريمة إلى العيان ، والطامة الكبرى تفشّي المخدرات ، هذه الآفة التي أخذت تفتك بالشباب وتهدم مستقبل البلاد والعباد ، إضافة إلى أزمة السكن وكثرة مشاكل الإيجارات والعشوائيات!
كل هذا الخراب والظمأ الذي نعيشه، نحن أبناء أغنى بلد من حيث الثروة النفطية والزراعية والصناعية والحيوانية، وفيه نهران عظيمان وأهوار وروافد وبحيرات ومبدعون في شتى مجالات الإبداع ــ الأدبي والفني والعلمي والرياضي ــ والكلّ يحسب لنا ألف حساب، لكننا نعاني شظف العيش وتفشّي الأمراض والمخدرات والفساد وكل ما يؤدي إلى الخراب والضياع!
البلاد التي تفيض نفطاً وماءً وثروات أخرى وتملك إرثاً من التاريخ والحضارة والغارقة في كل هذه الثروات، تعاني الظمأ!
ظمأ للعيش الرغيد، ظمأ للوطن الحر، ظمأ للسعادة، ظمأ للفرح، ظمأ للعمران والبناء، ظمأ وللصدق والإخلاص والنزاهة، وللمنتوجات الصناعية والزراعية، للفوز في سباقات كرة القدم، وللموسيقى، وللأخلاق التي صرنا نبحث عنها في النفوس، ظمأ لكل ما يبني هذا البلد الغارق في بحر الدم منذ أكثر من أربعة عقود، ظمأ للماء العذب، ظمأ للكهرباء، ظمأ للأمان والراحة، ظمأ للسكن اللائق بنا، ظمأ للوجود وجمالياته بكل معنى الكلمة!
ظمأ للعيش الرغيد!